الحوزة العلمية الشريفة بفتواها ودماء ابنائها.. ارتدى العراقُ ثيابَ النصرِ
30-12-2018
زين العابدين السعيدي
الحوزة العلمية الشريفة
بفتواها ودماء ابنائها..
ارتدى العراقُ ثيابَ النصرِ
الحوزة العلمية الشريفة في النجف الأشرف هي الايقونة الأكثر اضاءة وقدسية في المذهب الشيعي بعد أهل البيت عليهم السلام , ولها من المواقف ما لها خصوصا في القضايا الوطنية التي تمس قدسية هذا البلد وكرامة ابنائه وحقوقهم، فضلاً عن كونها مصدراً للتشريع والافتاء الفقهي. كما انها كانت وما زالت صمام امان لعراقنا العزيز، وشوكة في عين كل من اراد به سوء, وقد حاول البعض ان ينال منها ويقلل من مكانتها بتوجيه بعض الانتقادات غير الدقيقة لها ومساومتها على مواقفها الوطنية والمجتمعية الا انها بقيت تمتلك الصوت الاعلى والسطوة الكبرى؛ لأن عملها لله تعالى و(ما كان لله ينمو). وتظهر مكانة الحوزة العلمية الشريفة في المجتمع العراقي جلية عندما هبّ مئات الآلاف من مختلف المذاهب والطوائف لتلبية النداء الديني والوطني المقدس الذي اطلقه المرجع الديني الكبير سماحة اية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) للدفاع عن الارض والعرض والمقدسات من خلال مقاتلة عصابات داعش الاجرامية تحت لواء القوات المسلحة.
وبفضل الله تعالى وحكمة مرجعيتنا ودماء شهدائنا تم القضاء على الدواعش وتحرير جميع الاراضي العراقية.. ولم يكن دور الحوزة العلمية في هذا النصر هو فتوى الوجوب الكفائي, بل كان لها دور في توجيه المقاتلين عقائدياً من خلال خطب الجمعة ودعمهم معنوياً ببعض اللقاءات والتصريحات، وكذلك دعمهم لوجستياً بتسيير قوافل دعم كبيرة الى جبهات القتال,.
بالاضافة الى ذلك، قامت الحوزة الشريفة بزج خيرة ابنائها من طلاب واساتذة في صفوف المقاتلين ليكونوا داعمين وساندين لهم, وقد ارتقى اكثر من 70 طالب علم –بعضهم بحث خارج- سلم الشهادة وجرح العشرات غيرهم اذ كان العدد الكلي لطلبة العلم في الجبهات اكثر من 4000 طالب تقريبا.
الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة لم تغفل عن هذه الثلة من شهداء الحوزة, واقامت حفلاً بهيجاً لتكريم عوائلهم بالتنسيق مع العتبة العلوية المقدسة حيث اقيم الحفل في جامع الخضراء الواقع في الصحن العلوي المطهر بحضور المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزه) ومسؤولي الحكومة المحلية في النجف الأشرف، ونخبة من فضلاء الحوزة العلمية المباركة، وعوائل الشهداء الأبرار، وممثلين عن العتبات المقدسة وجمع من القيادات العسكرية في هيئة الحشد الشعبي.
ابتدأ الحفل بتلاوة آيات من الذكر الحكيم وقراء سورة الفاتحة ترحماً على ارواح شهداء العراق.
تلتها كلمة المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد احمد الصافي (دام عزه) والتي بين من خلالها أن فتوى الدفاع الكفائي جاءت لإعادة ثقة الامة بنفسها، وكانت داعية بحمد الله تعالى الى ان تقوض الفتنة الداعشية, واوضح ان النجف لم تغب عن احداث العراق منذ ان حلّ فيها الشيخ الطوسي (رضوان الله تعالى عليه)، فكانت دائما هي الراعية والاب والمدافع عن كل ما يمس هذا البلد وبقية البلدان, ولو استعرضنا تاريخ المرجعية المباركة لأكثر من الف سنة، لوجدنا الحكمة والدقة وقوة الفتوى التي قد تتجاوز الحدود في بعض الحالات من اجل الحفاظ على هذه المقدسات, وأضاف قائلاً:
عصابات داعش كانت فتنة، ولعلها من اشرس الفتن، وارادت ان تحرق الاخضر واليابس، وان تقضي على مقدسات المسلمين وغير المسلمين، وتقضي على كل ما هو متحضر, فهي تحب الجهل بل هي من محوره، وان الجاهل يبقى يعادي العالم مهما كان، لكن الله تبارك وتعالى اراد شيئاً اخر، واراد ان يتعظم دور المرجعية الدينية العليا, وبفضله ومنه تم القضاء على فتنة داعش في وقت قد يكون قصيراً بلحاظ ما قرئ من احداث في هذه المنطقة، لكن كان الثمن غالياً، ومن جملة الاثمان التي دفعت هي هذه الكوكبة الطيبة من ابناء الحوزة العلمية المشرفة الذين كانوا مثالاً للمثابرة العلمية الجدية، والعقيدة السليمة, وكان همهم الاكبر عندما تركوا الدرس ان يقفوا مع اخوتهم في ساحات القتال، معززين هذا الدور ومثيرين فيهم الحمية، ومثيرين فيهم القوة والبسالة، وكانوا يتحدثون عندما يرجعون عن عظمة الابطال المرابطين، وعن الاندفاع الكبير الذي كان يتمتع به الاخوة الابطال, وكانوا ينقلون لنا اننا نستمد في بعض الحالات العون من المقاتلين انفسهم، عندما نراهم في هذه الصورة من الضبط ورباطة الجأش، وكانوا ينتظرون الهجوم كأنهم ينتظرون جائزة, وان التلاحم الذي حدث بين الطلبة الاعزاء الشهداء، وبين المقاتلين الاعزة حقيقة هو تلاحم تفرضه طبيعة الخطر الذي داهم البلاد، فحضورهم كان حضورا مؤيداً وموفقاً.
ولابد ان نشير الى قضية دائما كنا نثيرها ألا وهي مسألة التوثيق لكل ما جرى, نحن الان شهود على احداث هذه السنة، والسنة الماضية والسنة التي قبلها، لكن بعد خمسين عاماً لا نكون من الشاهدين وانما سيكون الكتاب هو الشاهد، الآخر سيقرأ تأريخ العراق من خلال الكتاب، فإذا كان الكتاب بخيلاً ولا يغطي هذه الصفحة بشكل واقعي سيزور التاريخ, فاذا لم نوثق هذه الأحداث ستكون الاجيال القادمة معاتبة لنا بطبيعة ما جرى، واحداث التخلص من هذه الفتنة، أما اذا وثقنا ودققنا في التوثيق ابتداءً من زمن صدور الفتوى الى ختامها وما بينهما من معارك شرسة ودماء سائلة ومواقف مشرفة فهنا سيتغير الكثير ونحفظ هذا التاريخ، ونوصله بأمانة الى الاجيال الأخرى.
ونحن شرعنا بحمد الله تعالى في العتبة العباسية المقدسة في مشروع مهم وهو مشروع موسوعة ضخمة جداً تربو على الخمسة وعشرين مجلداً، وهي موسوعة توثق هذه الفترة الزمنية المنصرمة، وممكن ان نستعين بالاخوة ايضا لكل من يمتلك وثيقة او قصة او معلومة ان لا يبخل علينا بكتابتها من اجل توثيقها.
واسترسل قائلاً: يا عوائل شهداء الطلبة وابناءهم، انا بين تعزية لكم لما فقدتم من اعزة علينا وعليكم وبين تهنئة لما اقتطفتموه من ثمار، هذه الثمار التي توجت هذا النصر الذي حصل بهذه الدماء العزيزة، وكنتم انتم من وراء هذه الثمار, فطوبى لكم ثم طوبى.. انتم ستبقون كما كنتم مرفوعي الرأس في هذا البلد؛ كونكم من المحافظين عليه، وان الانسان عندما يمر مثلا من بناء ويتذكر ان اباه ساهم في هذا البناء قطعاً سيشعر بالغبطة والسرور، فكيف بكم اذا مررتم بهذا البلد من اقصاه الى اقصاه، وستتذكرون الشهداء وتتذكرون أن الزوج أو الأب أو الأخ كان من الذين حافظوا على هذه التربة الطاهرة، فهذا وسام ميزكم الله تبارك وتعالى به لعنايته بكم لطيب عنصركم للهمة التي كانت عندكم، وانتم تدفعون بهذه الوجوه البررة والاجساد الطيبة والنحور التي تتشوق الى لقاء الله تبارك وتعالى تأسياً بسيد الشهداء عليه السلام .
يا أبناء الطلبة الشهداء.. ان آباءكم هم ابناء الحوزة العلمية هذه الحوزة التي تصنع القادة وهي مكان لوراثة الانبياء وخرج منها من خرج على مر التاريخ, فلابد ان تكونوا كبارا واحلامكم كبيرة؛ لأن حجم الاباء كان كبيراً, والنجف اليوم ليست المكان او الرقعة الجغرافية المحددة ادارياً، هذا اشتباه، فالنجف اليوم هي عبارة عن عنوان كبير جداً، عنوان للفضيلة، بل هي عنوان علي عليه السلام ، وعلي لا يتحدد بمساحة جغرافية صغيرة، انتم ايضا يا ابناء النجف وابناء طلبة العلوم الدينية لابد أن تكونوا كباراً، واحلامكم لابد ان تكون كبيرة، وان تفكروا بذلك العطاء الكبير الذي بناه الاباء، فوطد الاباء لكم ارضاً ومستقبلاً، قد لا يتوفر لكل احد.
نحن بين فترة واخرى نحضر مجالس العزاء ونستذكر اصحاب الحسين عليه السلام ، ثم يقول الخطيب: يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيما، طبعاً المرجعية ذكرت هذا النص في اكثر من خطبة وقالت للشهداء: يا ليتنا كنا معكم.. وهذه الـ(يا ليت) حالة من التمني قد لا تحصل وان حصلت قد الانسان لا يتوفق لها قد يخاف قد ينظر الى اولاده قد ينظر الى ما عنده قد ينظر الى الدنيا, ففي بعض الحالات الانسان يحب الارض وما بنى عليها وله متعلقات، فمن غير المعلوم ان عبارة: (يا ليتنا كنا معكم) هو يصدقها اذا جاءت الحالة المشابهة، لكن ما حدث خلال هذه الفترة شيء لافت للنظر صراحة, وأن احبتنا الشهداء والمقاتلين صدقوا هذه المقولة، فهم لم يقولوا: يا ليتنا ولم يذهبوا وانما فعلوا ووفوا بما كانوا ينادون به، حتى ان بعض الجرحى الذين فقدوا احد اطرافهم كانوا يقولون عجلوا لنا في الطرف الصناعي حتى نلتحق بإخوتنا، هذه الروح لم تأتِ من فراغ بل من حس وطني وديني جعل هذا الانسان لا يشعر بنفسه ازاء هذا الكيان.
واختتم قائلاً: يا عوائل شهداء طلبة العلوم الدينية، هذا التكريم لا شك لا يليق بكم انتم اجلّ، وانتم اعلى منزلة، وانتم أرفع شأناً من ان تكرموا ببعض هذه الاشياء، وهذا لا يتناسب مع حجم تضحياتكم فالله سبحانه وتعالى هو المكرم الحقيقي لكم والنبي صلى الله عليه واله وسلم هو الذي استقبلكم والائمة الاطهار عليهم السلام هم الذين يكرمونكم, انتم فقدتم اعزة قد نحسبهم انا وانتم امواتاً، لكن الله يرفض ذلك ويحسبهم احياء عند ربهم يرزقون, هذا التكريم من باب سنة جرت حتى نحفظ فيه الحد الادنى من ذكر الاعزة الشهداء، فضلا عن انهم شهداء هذه الحوزة المباركة, وبعضهم كانوا من الفضلاء الاعزاء، ولو الله تعالى مد بهم العمر لرأيناهم علماء مرموقين في قادم الايام، لكن الله تعالى اختار لهم الشهادة والشهادة كفى بها فخراً انها لا تعطى لأي احد، فسلام على الشهداء السعداء منا جميعاً، وسلام عليهم يوم ولدوا وسلام عليهم يوم نزفت دماؤهم وروت هذه الارض، وسلام عليهم يوم يبعثون ويشتكون الى الله تعالى من ظلم الظالمين.
بعد ذلك استذكر فضيلة السيد عدنان الموسوي من قسم الشؤون الدينية في العتبة العباسية المقدسة هؤلاء الأبطال بالمراثي الحسينية, ليختتم الحفل بتكريم عوائل الشهداء بمبالغ مادية وهدايا تبركية من حضرة المولى ابي الفضل العباس عليه السلام ..
صدى الروضتين تابعت الحفل واجرت لقائين: اللقاء الاول كان مع رئيس قسم الشؤون الدينية في العتبة العباسية المقدسة فضيلة الشيخ صلاح الكربلائي (دام توفيقه), والذي تحدث قائلاً:
تزامنا مع اعلان النصر الكبير على زمر الكفر والارهاب، قامت الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة بتكريم كوكبة من عوائل شهداء الحوزة العلمية الفضلاء الابطال في اشرف بقعة وهي مرقد امير المؤمنين عليه السلام , وتحديدا في جامع الخضراء الذي يقع فيه مرقد زعيم الحوزة العلمية الشريفة السيد ابي القاسم الخوئي (قدس الله سره الشريف), وقد بلغ عدد العوائل المكرمة في هذا الحفل 70 عائلة تقريبا.
ويعد هذا الحفل التكريمي هو جزء من برنامجنا بتكريم عوائل الشهداء (بمبلغ مالي وهدايا عينية تبركية) الذي قطعنا اشواطاً كبيرة به، وعازمين على الاستمرار باكماله لشمول كافة عوائل الشهداء بهذه الهدية البسيطة حسب توجيهات المرجعية الدينية العليا ودعم المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد احمد الصافي (دام عزه), سائلين الله تعالى ان يتغمد الشهداء بواسع رحمته، ويلهم اهلهم الصبر ويشافي الجرحى ويوفقنا لرعاية عوائلهم واكرامهم بما يستحقون.
اما اللقاء الثاني فقد كان من حصة ذوي الشهداء مع والدة الشيخ الشهيد غزوان الزيدي, وقد تحدثت قائلة:
استشهد ولدي بتاريخ 16/11/2014م وهو طالب ماجستير علوم دينية حيث ترك دراسته وسارع لتلبية نداء المرجعية الدينية العليا للدفاع عن الارض والمقدسات, وشارك في عدة معارك (معركة جرف النصر، ومعارك سامراء، واستشهد في معركة الاسحاقي).. وان هذا التكريم الذي تقدمت به العتبة العباسية المقدسة له مردودات ايجابية كبيرة على انفسنا؛ لأنه يشعرنا بالفخر والرفعة وكذلك نشعر من خلاله بأننا في اعين مرجعيتنا ومؤسستنا الدينية وغير منسيين.