لقاء مع مثقف..‏ الدكتور صالح الطائي:

30-12-2018
خاص صدى الروضتين
لقاء مع مثقف..‏
الدكتور صالح الطائي: ‏
‏"نحتاج اليوم اعادة ونشر ‏
أثر النص المقدس، لكن ليس الذي صنعته السياسات، بل ‏
أثر النص المحمدي الرسالي"‏
حاوره علي الخباز ‏
ليس بيننا صحفي، ليكون لدينا لقاء صحفي، وإنما هي زيارة عابرة للدكتور صالح الطائي الى جريدة صدى الروضتين، ولوجود ‏العلاقة المعرفية تحولت الضيافة الى حوارية ممتعة..‏
‏- مفهوم الهوية في ظل ثقافة الانفتاح؟
‏ كانت الناس تسعى لتجد جوهرها في مفهوم الوطنية من حيث وجود الدعم المعنوي والفكري واللوجستي الذي كانت الناس تجده في ‏الهوية.. ولذلك كانت الأمور متشعبة، هناك هوية كاملة، وضعيفة، وهوية بنبرة عريضة جدا هي الهوية الوطنية، مثلا الهوية ‏القومية والهويات كل مجموعة ترفع شعارا وحتى مشجعو كرة القدم، مفهوم الهويات تغير وبدأت تتأسس هويات أخرى عابرة ‏للقارات، نتيجة التبدل السريع في الهوية، ستكون الهويات المستقبلية غير الهويات السابقة، سيكون هناك نموذج جديد للهوية التي ‏عرفناها. ‏
‏- بما فيها الهوية الدينية؟
‏ بدأت الهوية الدينية تتفتت للكثير من الأسباب، لو نأخذها على مستوى العراق فشل مدعي الإسلام -لأنهم بالفعل لا يمثلون الإسلام- ‏في تحقيق الغايات التي كانت معقودة عليه، ضعف المرتكز الثقافي لدى الناس، ضعف دور من لبس الهوية الدينية وهي عنه براء، ‏هناك انكفاء عن القراءة، ووجود العطالة والبطالة مع وجود الفساد، ارتفاع الأسعار قلة المداخيل الموارد، هذه كلها بدأت تؤثر على ‏نفسية المنتمي للهوية، فأرى لابد من وجود تناغم فكري وإلا سنجد الهويات في ورطة، وخاصة ان التثقيف للمد العلماني اليوم كبير، ‏مشروع انتقاد الهويات بينما بعض المشرفين على المؤسسات الدينية لم يتماهوا بعد مع المشروع، مع مناغمة عواطف الشباب، الان ‏المواد الثقافية والفكرية ترتكز على علماء النفس وعلماء الاجتماع والاقتصاد والفلسفة والسياسة الغربيين للاستحواذ على اهتمام ‏الشباب ومثل هذه الكتب ستجد تجاوباً. ‏
‏- يعني اننا تحولنا من الصراع الفكري الى دور النزاع العقائدي؟ ‏
‏ لازال الصراع مستمراً، ولم يصل الى النزاع، الصراع يكون بتواجد طرفين او اكثر، في حال النزاع لا ينتهي إلا بانتهاء احد ‏الطرفين، نحن الان ما نمر به هو تحول القضية من مشكلة داخلية بين المؤمن واللامؤمن بين العقائدي واللا عقائدي الى اشكال ‏والمشكلة تعد داخليا، لكن الإشكالية تدخل عليها أطراف أخرى وتبدأ تطول، تتشعب الأمور تفلت من اليد. ‏
‏- البعض يشيع قضية الانغلاق في المدرسة الدينية، نحن من خلال التجربة عرفنا ان الانغلاق الحقيقي هو علماني، العلمانيون هم ‏الذين لا يريدون ان ينفتحوا على جوهر الاصالة التي يطالب بها الإسلاميون؟ ‏
‏ هذا هو الذي انا اقصده، المؤسسة الدينية لابد ان تفهم لغة العلمانيين، وتتكلم بها.. ‏
‏- يعني كيف تفهم لغة العلمانيين، هل نتنازل عن الاصالة مثلا، نترك لهم مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، الان العديد من الأطراف ‏المذهبية يريدون منك ان تتخلى عن بعض الثوابت ليتعايشوا معك، وهم لا يتخلون عن أي ثابت من ثوابتهم، بمعنى ان اقدم لهذا ‏المشروع التنازل الكامل عن هويتي؟
‏ نحن نتعامل مع طرفي موجب وسالب، الموجب هو الطرف الذي كنا نتعامل معه نبقى على اسلوبنا معه، وعلى منهجنا الفكري، ‏نبقى نتعامل معه بفكر اهل البيت عليهم السلام ، بالقرآن الكريم وبالحديث يكتب التأريخ الموثوق وغير الموثوق وغيرها والطرف ‏السالب هو الطرف العلماني، لديه موقف جديد حول الاطروحات الدينية، ولذلك أتمنى ان تكون أطروحاتنا قريبة الى فكره من دون ‏أن نصبغها بصبغة دينية، حتى نستطيع ان نصل الى نتيجة لقاء، اذا وصلنا الى اللقاء ممكن في ذلك الوقت ان نستند الى الدين.‏
‏ بعض الباحثين، يرى أن القرآن الكريم أخذ من الاساطير اليهودية وأعاد صياغتها، يفكرون بهذا الشكل، وإذا اعتبر القرآن الكريم ‏اساطير فكيف سأنقاشه، لابد ان اثبت له أولا ان الأديان حقيقة وليست خرافة، ولكل دين خصوصية، وهي ليست عملية ‏اكتساب دين من دين آخر، اذا اوصلته لهذه الحقيقة ممكن ان أتكلم معه في الاسلوب العام الذي أتكلم به مع الآخرين، ممكن ان نصل ‏الى زعزعة موقفه ليس عندهم الثبات الذي يدعونه موقفهم تعصبي وليس عقائديا، سرعان ما يتخلون عن مواقفهم الحساسة، يريدون ‏ان يعوضوا خسائرهم. ‏
‏- اشعر انك تريد ان تقول: ان العلماني هو غير سوي، المحاورات التي تجري في مهرجانات ربيع الشهادة والرسالة وبقية ‏المهرجانات في العتبة العباسية المقدسة تطرح نقاشات من صلب الموضوع، في حال أرى العلمانيين لديهم أشياء مبيتة تعاد في كل ‏محفل ومؤتمر وجلسة هي هي حتى صرنا نتوقع ما يطرحون؟ ‏
‏ أحسنت، بالتأكيد، لكننا لا نقدر أن نقول له انت غير سوي؛ لكونهم سيتحسسون من الكثير من الكلمات، نقول العلماني له تفكيره ‏الخاص، وعلينا أن نتنامى معه لنحتويه؛ لأن العلمانيين لا يمتلكون المرونة الفكرية، برامج معدة مسبقاً يسيرون عليها وعددها قليل ‏جدا بحيث لا يمكن لها استيعاب المتغيرات الموجودة حاليا، ولهذا يتعصبون لا يستطيعون أن ينفتحوا اكثر، ليست لديهم سعة فكرية. ‏
‏- مشكلتنا ان ارثنا المعرفي أرث اهل البيت عليهم السلام اكبر منا، هل نحن عجزنا عن احتواء الإرث المقدس أم علينا ان نتنازل ‏عن بعض هذا الإرث؛ لكي نتساوق مع المتطلبات الانية؟
‏ الخلاف السياسي الأول الذي حدث بين مدرسة اهل البيت عليهم السلام وبين المدارس الأخرى، بدأت بعملية منافسة، هي المنافسة ‏بين مذهب اهل البيت عليهم السلام وبين المدارس الأخرى، بدأت عملية منافسة، مذهب اهل البيت اعتمد على 90%على مسائل ‏أصولية ثابتة ودخلت نتيجة الاندفاع 10% غير ثابتة والآخر اعتمد 10% قضايا غير ثابتة، و10% قضايا ثابتة، ضاعت بين عدم ‏الثبات نحن مذهب أهل البيت نستطيع ان نتخلص من غير الثابت؛ لكونه لا يؤثر على منزلة اهل البيت عليهم السلام ، وهناك خلط ‏مذهبي لمدارس لها مسميات قريبة عن انتمائنا، ولها طقوس حسبت علينا زوراً وبهتاناً، والحسين عليه السلام هو اكبر من كل ‏القضايا. ‏
‏- كيف سنتساوق وعندنا الحسين عليه السلام بما يمتلك من قدرات العصمة لديه فكر رسالي، وفكر إلهي، كيف نعادله بجيفارا او ‏غيره مثلاً؟
‏ في كتابي عن الامام الحسن العسكري عليه السلام رأيت لديه معجزات كثيرة، تجاوزت عنها ليس لعدم اعترافي بها، لكني رأيت ‏انها لا تضيف لهذه الشخصية العظيمة. ‏
‏- المشكلة انا ورثنا واقعة مأساوية وردت تفاصيلها من شهادات الخصوم انفسهم، اليوم هناك دبلجة تضاف من النواصب لتشويه ‏وإهانة الشعائر الحسينية، نحن اليوم نفكر في مسألة أعمق نسعى من خلالها الى تجفيف منابع الفكر الإرهابي؟ ‏
‏ الحروب سابقا كانت بإدارة السيف، التوجه المعاصر للفكر العولمي ركن السيف على جهة بدأ بالحرب النفسية هي التي تجعل ‏الشعوب تنهار، العراق، سوريا، ليبيا، اليمن، هذه جميعها مدعومة من الماسونية، ومن القوى العظمى التي استعاضت بالفكر عن ‏السيف وهي التي تمد الإرهاب، على مستوى العراق، نجد البترول والكبريت والفوسفات واليورانيوم القار اضافة للزراعة، بعد ‏الرجات التي حصلت العالم يريد ان يمسك المفاتيح بيديه، لذلك لابد ان يخلق فكرا يبثه بيننا، لذلك الفكر الإرهابي لا ينتهي إلا بالتماهي ‏مع فكر الشباب، تحديث الخطاب، وإبعاد الخطاب المأزوم المشدود والخطاب الحدي دون ان نتنازل لأحد عن ثوابتنا، نستعمل الكلمة ‏الناعمة؛ لكي نحصنهم من الانجراف، اجعل الشباب يتفاعلون معنا؛ لأن هناك ربما صفحات مستقبلية لا نعلمها وآخرها استفتاء ‏كردستان، لماذا جاء الاستفتاء في هذا الوقت بالتحديد..؟
‏ الإرهاب عندي هو كل عمل يحاول ان يخلق أزمة مع الآخر، سأروي لك حكاية احدى فصائل الحشد الشعبي رفعت هذه الوحدة راية ‏حسينية على سارية الكنيسة اشتعل الفيسبوك، عندما رأت هذه الوحدة هذه الاعتراضات الاحتجاجية أنزلت الراية، هذا النزول أثبت ‏للعالم ان نزول الراية ليس استسلاما للراية بقدر ما هو كبرياء لها، ونحن لا نريد ان تعرض ازمة، وانما انتم أيها المعترضون من ‏تريدون خلق الازمات، نحن بعيدون عن السلطة، وكانت الحرب ضدنا متنوعة الأساليب منها حاولوا توجيه جماعات لبث فكر مزيف ‏على أساس انه لأهل البيت عليهم السلام ، فنحن لا نتنازل يوما عن اصالتنا، لا نتنازل عن ثوابتنا، لا نستطيع الغاء وجود الامام ‏الثاني عشر (عجل الله فرجه الشرف) نخل بنظرية الامامة كلها هذا ثابت نحن نتحدث عن تنقية ما ادخل الى المذهب عبر تلك ‏الجماعات. ‏
‏- نتحدث كثيرا عن الآخر واحتواء الآخر ومحبة الآخر، في حال هو لا يريد ان يرانا، فكيف نحتويه وهو لا يجلس على مائدة حوار، ‏لا يعترف بمذهب لا يريد ان يتحاور على مسألة حتى المحاورة يعتبرها مؤامرة على دين اهل الجماعة، كيف سنتحاور؟
‏ "شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا"، لذلك نحن لا نؤمن بالتبشير، ما ذهب فريق لكسب السنة الى التشيع؛ لأننا أهل فكر، العقل جزء ‏من احكامنا الشرعية، استنباطاتنا الشرعية العقل هم يستخدمون القياس ومن خلال العقل ممكن ان نصنع أشياء كثيرة علاقات على ‏الفيس مع شخصيات عالمية مهمة أعلنت تشيعها عبر الحوار، وإذا بهم بعد ذاك التشدد يطلبون منا الدعاء تحت قبة سيد الشهداء عليه ‏السلام .‏
‏ كاتبة من المغرب ومن تطوان شجعتها ان تلتزم في مظاهر هذه المدينة رغم تشيعها، استغربت عندما فضلت مجتمعها على ‏مجتمعات الخمر والتيه، علمتها انهم ملتزمون رغم الاختلاف في فهم الإسلام الحقيقي، لابد من التحاور والمجاملة التي لا تمس ‏الثوابت.‏
‏- يرى بعض المفكرين أن عجز المنظومة الفكرية على التعايش الاجتماعي والإنساني يرفع من درجة جلد الذات؟ ‏
‏ يقال ان الهدهد حين غاب عن سليمان سأل عنه فلم يجده، قال: والله لأعذبنه عذابا لم يعذب به احد، سأله وزيره: وهل هناك عذاب لم ‏يعذبه احد في التأريخ قال:ـ لأسجننه مع غير جنسه..! المفكر يعيش مع غير جنسه، ومن هنا تأتي مأساة التأريخ، ويأتي جلد الذات ‏كأنه يريد ان ينتقم فيؤذي نفسه لا يؤذي المجتمع. ‏
‏- المشكلة انهم يعملون على نفس الجذور التي نعمل عليها، لكن لديهم النص يسير على حساب المساحة المخصصة للحوار؟ ‏
‏ الفكر السياسي العربي كان موجوداً قبل الإسلام استطاعوا ليتعايشوا مع المجتمع، تعرضت مكة لأزمة مالية كبيرة، تحرك عمر بن ‏اللحي وهو تاجر، واقنع اهل الجزيرة كل واحد يأتي برب قبيلته الصنم الذي يمثلهم ويضعه في مكة؛ لتكون تلك الاصنام بفترة ‏قصيرة استطاع ان يجمع 360 صنما، بدأت الوفود من كل الجزيرة العربية تأتي مكة بعدها صارت القوافل، رجع عمر بن اللحي ذلك ‏التاجر الذي يتحكم بالمال والأحداث.. اذن، السياسة كانت موجودة، وبعد هذه المرحلة برزت أدوار كثيرة ومن ضمنهم الامويون، ابو ‏سفيان، معاوية، هؤلاء في سياستهم حاربوا الإسلام لغاية 5 هـ في حساباتهم انهم سينتصرون، وعندما وجدوا ان موقف الإسلام ‏سينتصر، غيروا منهجهم، ولم يغزوا ولم يحاربوا النبي صلى الله عليه واله وسلم ، وحين جاء عام الفتح طرحوا أسماء سماهم النبي ‏صلى الله عليه واله وسلم الطلقاء، وبعد وفاة النبي صلى الله عليه واله وسلم يترك جثمانه في بيته يومين بلا دفن وهم منشغلين ‏بسقيفة بني ساعدة، ليتبايعوا على حكم الامة..!‏
‏ هؤلاء السياسيون بعدما سيطروا على حكم الامة، وجدوا أن هناك قاعدة شرعية تدعمهم، الدين يقول: إن الإمام علياً عليه السلام هو ‏الخليفة، تجاوزوا على علي بن طالب عليه السلام ، وبدأوا يبحثون عن الشرعية، وهذه الشرعية أدت الى توظيف كادر كبير جدا ‏لسلخ العقيدة من جوهرها، وإعادة صياغتها، وتسويقها للناس على أساس انها الإسلام.‏
‏ في سنة 41 هجرية بدأ تسويق الإسلام السياسي وليس الإسلام الحقيقي، الإسلام الحقيقي والأصيل حجر عليه، بدأ الإسلام السياسي ‏هو يقود الأمة، احتاج هذا الإسلام الى إعادة تفسير الايات القرآنية بما يتناسب مع منهجيته ومفهومه ورؤاه، والأحاديث النبوية حرفت ‏الصحيحة، فنحن نحتاج اليوم اعادة ونشر اثر النص المقدس، لكن ليس الذي صنعته السياسات، بل اثر النص المحمدي الرسالي.‏