المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا تدعو الى السماع للنصيحة ‏ والاتعاظ من الأمم السالفة

30-12-2018
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا تدعو الى السماع للنصيحة ‏
والاتعاظ من الأمم السالفة
دعت المرجعية الدينية العليا الى السماع للنصيحة والاتعاظ من الأمم السالفة، مبينةً أن الله (عز وجل) أرسل الرسل لتقديم الحجج على ‏الاقوام بعبارات لا تصب بمصلحتهم الشخصية، وكانوا يريدون الاصلاح لأممهم، ولكن لماذا هؤلاء لا يستجيبون للحق؟
جاء ذلك خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة المباركة (22 محرم 1439هـ) الموافق (13تشرين الأول 2017م) والتي أُقيمت في ‏الصحن الحسينيّ الشريف، وكانت بإمامة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه) مما جاء فيها:‏
اخوتي وأخواتي.. ‏
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم في سورة الفرقان الآية السابعة والثلاثين وما بعدها بسم الله الرحمن الرحيم: ((وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا ‏الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) ‏وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا) الى آخر المقطع...‏
هذه الآيات الشريفة تتحدث عن موضوع هو في غاية الاهمية، فالأنبياء عليهم السلام مع كونهم مبعوثين من قبل الله تعالى الى ‏أممهم، يمثلون أمراً خاصاً وهو الحق، فلا يوجد نبي من الأنبياء لا يدعو الى غير الحق، وهناك نكتة مهمة هي أن الأنبياء عادة ما ‏يتمتعون بقدرة بيانية خاصة، تكون بها العبارات التي تصدر عنهم مفهومة وواضحة بلسان قومهم، فيحتج النبي المصلح الحكيم ‏المربي على هؤلاء، وتكون عباراته دائماً عبارات لا تصبُّ في مصلحته الشخصية، بل بالعكس، فبعض الانبياء يوجد في عائلته من ‏لم يستجب له، وهذا خلاف مصلحته الشخصية، ولكن مع ذلك الحق بما هو حق لا بد أن يُسْحَر به، ولا بد أن يُبيَّن.‏
وكان الانبياء عليهم السلام يريدون الاصلاح لأممهم وهم بالنتيجة مصلحون، ونحن نقرأ في زيارة الحسين: السلام عليك يا وارث ادم ‏يا وارث نوح يا وارث ابراهيم وموسى وعيسى ومحمد وأمير المؤمنين، ويقول عليه السلام : (خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاحِ في أُمَّةِ جَدّي) ‏فبما أنه وارث الأنبياء وقد خرج لطلب الإصلاح، فإن الأنبياء عليهم السلام مصلحون (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ)، فالأنبياء ‏عليهم السلام كنوح وصالح وشعيب يملكون الحق بما هو حق، لكنَّ أممهم كانت لا تستجيب اليهم، وعدم استجابتهم هو من يستدعي ‏الالتفات والتساؤل، فلماذا لم يستجيبوا الى دعوته؟
دعونا نبحث عن المشكلة، فعندما ندقق في المسألة نرى ان هؤلاء يجمعهم شيء واحد وهو ان الاستجابة لهذا المصلح تضر ‏بمصالحهم، فهُم تارة يتهمونه بأنه ساحر، وتارة يتهمونه بأنه يأتيهم بأساطير الأولين، وتارة يتهمونه بأنه لا يعلم ولا يعرف ما يعلمون ‏ويعرفون، وتارة يتهمونه بالجنون، كل هذه الاتهامات سببها أنهم لو لم يقوموا بها تصديا له ستحدث لهم مشاكل جمة، وسيتكلّم أحدهم ‏معذِّلا الآخر عن عدم الاستجابة لذلك النبي أو الحكيم، فلجؤوا الى أن يجعلوا امام سواد الناس وقاءً غاشياً عن الحق بما هو حق، فإما ‏أن يُتَّهم او يُغشى الناس لكي لا يستمعوا اليه.‏
لاحظوا بلاغة القرآن في وصف محاججة نبي الله نوح لقومه في قول الله سبحانه وتعالى: (لَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) وفي ‏الحقيقة هذا رقم مهول، فلقد كان عليه السلام كل هذه السنين يوجههم ويرشدهم وينبههم ويهديهم الى الحق، فما كان منهم إلا أن ‏يجعلوا اصابعهم في آذانهم، حتى لا يسمعوا ما يقول، ونوح مع ذلك لم ينفك من ارشادهم الى ان استحكم عليهم العذاب والعياذ بالله.‏
أراد الباري (عز وجل) التنبيه -في القرآن الكريم- على نتيجة عدم اصغائهم الى الحق، ومحاولتهم ان ينكروا على النبي طوال هذه ‏السنين دعوته، فهم بذلك ألغوا ما لعقولهم من دور مرجو، ولم يجعلوها تقوم بعملها من تأمل وغيره، بل استمعوا الى كلام الاقوياء ‏منهم، ومن أخطر الأمور أن يكون هناك اتباع لأناس هم في حقيقتهم أراذل القوم لا يمكن لهم أن يكونوا الا أذلاء، اتباع أعمى جعل ‏منهم أذناب أسيادهم يفعلون ما يأمرونهم به بمجرد أن يطلبوا منهم، كأن يقولوا لهم: آمنوا.. اكفروا.. اتركوا.. اقتلوا، فيؤمنون ‏ويكفرون ويتركون ويقتلون، والعجيب في الأمر أنهم أحرار، ولكن عندما خضعوا وخنعوا أصبحوا أذناباً لهم.‏
‏ نسأل الله سبحانه وتعالى ان يسترنا بستره، وأن يحفظنا جميعاً، ويحفظ بلدنا من كل سوء، ويقيه وبلاد المسلمين من كل سوء، وآخر ‏دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.‏