الحشد الشعبي المقدس والفتوى الخالدة..
30-12-2018
نجاح بيعي
الحشد الشعبي المقدس
والفتوى الخالدة..
المرجعيّة الدينية العليا, وبحكم موقعها التاريخي والديني والإجتماعي, يُحتّم عليها أن تكون لها القيادة والريادة على نحو التكليف الشرعي في التطبيق العملي, لكل خطوة تخطوها وموقف ومطلب تطلبهُ هي من الآخرين أيّاً كانوا..!. فتطبق المطلب على نفسها أولا ً, ومن خلال جهازها المرجعي المتمثل بمعتمديها وممثليها الشرعيين, وكل فضلاء وأساتذة الحوزة الدينية ومن ثمّ الآخرين، هذا من جانب.
ومن جانب آخر.. أنا أعلم أن خطب منبر جمعة كربلاء ومنذ انطلاقها, هي بالإضافة الى طرحها للمواضيع الجديدة, فهي إمّا أن تكون مكملة وشارحة لما قبلها, أو مُمهدة ومُؤسسة لما بعدها من مواضيع شتى تهم الأمة والبلد ومصلحتهما العليا.. ولا سبيل الى فصل بعضها عن بعض أحياناً, لوجود الطابع التكاملي الذي تتمتع بها أغلب الخطب.
الحشد الشعبي انبثق مِن بُعدين لا ثالث لهما:
بالرجوع إلى يوم جمعة 13/6/2014م, يوم إعلان فتوى الوجوب الكفائي ضد عصابات داعش, نرى المرجعيّة العليا وبعد أن استهلّت خطابها بـ(إنّ العراق وشعب العراق يواجه تحدّياً كبيراً وخطراً عظيماً، وإنّ الإرهابيين..) ووجهت الخطاب الى عموم الشعب العراقي بلا تمييز, داعية إياهم الى تحمّل المسؤولية الوطنية والشرعية والتاريخية: (..إنّ المسؤولية في الوقت الحاضر هي حفظ بلدنا العراق ومقدساته من هذه المخاطر..). كانت المرجعيّة تعي تماماً بأن البُعد الأول للفتوى المباركة قد انطلق من خلال وضع الأمة (الشعب العراقي) أمام مسؤولياتها.
ولكي يتسنّى للمرجعية العليا أن تقوم بأعباء تطبيق الفتوى المباركة, من موقع الريادة والقدوة, بالتخطيط والإشراف والمتابعة المستمرة والبذل, حتى تحقيق غرض الفتوى الحقيقي المنطلق, والذي هو (قتال داعش وإنهاء خطره من العراق) كانت تنتظر (وهي الواثقة من ذلك) استجابة جماهير الشعب العراقي لنداء الفتوى وبه تحقق البُعد الثاني.
وبالفعل.. وبعد أن انطلقت الشرارة الأولى من على المنبر الحسيني, هبّ الشعب مستجيباً للنداء المقدّس, فنهض العملاق العراقي الذي بنهوضه أذهل العالم بحق, فتشكّل بعد ساعات من النداء, جيش تطوعيّ قوامه أكثر من (3) ملايين مقاتل خلال (48) ساعة, حتى غصّت بهم الشوارع, واكتظت بهم مراكز التطوع, وامتلأت بهم ساحات المواجهة مع العدو, وسمّي فيما بعد بـ(الحشد الشعبي).
وقد صاحب انطلاق الشرارة المقدسة, استنفار الجهاز المرجعي الذي اشرنا اليه؛ لاحتواء هذا الحشد والقيام بأعباء إدارته والإشراف عليه وإسناده بكل ما يحتاج إليه, ومن غير أن يلغي دور الدولة، وما تقوم به الحكومة في ذات المجال.
فبالفتوى واستجابة الشعب, انطلق الحشد الشعبي بملامحه القدسيّة التي أضفتها المرجعية العليا عليه, حينما أشارت بشكل موجز من خلال تعبيرها في الخطبة ــ العطاء والتضحيات ــ في فقرة (وهذه توفّر حافزاً لنا للمزيد من العطاء والتضحيات في سبيل الحفاظ على وحدة بلدنا وكرامته وصيانة مقدساته..)
فحشد الفتوى المباركة يضمُّ الى جانب المقاتلين (التضحيات), كل من يجد في نفسه القابلية والقدرة والإمكانيّة على الدعم والإسناد والبذل بكل شيء (العطاء) من أجل رفد المعركة ضد الإرهابيين.