المرجعيّة الدينيّة العُليا تنتقدُ ظاهرة إطلاق الوعود في فترات المحن

30-12-2018
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّة الدينيّة العُليا تنتقدُ ظاهرة إطلاق الوعود في فترات المحن ‏والتخلّفُ عنها في أوقات النجاة..‏‏ تطرّقت المرجعيّة الدينيّة العُليا ‏الى ظاهرة عدم الإيفاء بالوعود ‏والتخلّف عنها ونكرانها في أوقات وأزمنة النجاة والرّخاء، أي أنّ ‏الانسان إذا مرّ به شيء، ووصل الى ‏حالة اليأس يتشبّث بمن ينقذه، ‏فإذا عبر هذه المشكلة رجع الى سالف عهده..‏
جاء ذلك خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة المباركة (11ذي القعدة 1438هـ) ‏الموافق لـ(4آب 2017م) التي أقيمت في الصحن ‏الحسيني الشريف، وكانت بإمامة ‏سماحة السيد أحمد الصافي(دام عزّه) والتي بيّن فيها ما نصّه:‏
‏ إخوتي أخواتي أعرض عليكم بعض ما ذكره القرآن الكريم من الآيات الشريفة في ‏سورة الإسراء، وقبل أن أدخل في الآيتين، أودّ أن ‏أبيّن أنّ التعامل مع القرآن الكريم ‏يختلف باختلاف المُعتقِد، لكن كنظرة عامّة لكلّ من يمتلك الموضوعيّة عليه أن ‏يتعامل مع أغلب ‏الآيات الشريفة بقواعد كليّة، وهذه القواعد ترسم بعض النقاط المهمّة ‏في حياة المجتمعات، فمن الممكن أن يستفيد منه الاقتصادي ‏والسياسي والاجتماعي ‏فضلاً عن الفقيه، في بعض الحالات القرآن يتعامل معنا كأفراد وتارةً يتعامل معنا ‏كمجتمع، وهذا المجتمع ‏تكون المسؤولية فيه مُلقاة على الجميع، فتارةً هناك مسؤوليّة ‏تقع على مجتمع وعادةً القرآن يعبّر عنه (أمّة) ويحمّلها المسؤوليّة، لاحظ ‏مثلاً: (كُلّما ‏دَخَلَتْ أمّةٌ لَعَنتْ أُختَها) هو لا يتحدّث عن كلّما دخل واحد لعن أخاه -مثلاً- الذي ساعده ‏على الضلال أو الإضلال، بل يعبّر ‏عنها أمّة؛ لأنّ القرآن لا يعفي مسؤوليّة الأمّة إذا ‏شاركت أو ساهمت في حالة من حالات الإضلال. ‏
سأستعرض مقطعاً في سورة الإسراء، وهو مقطعٌ يعبّر عن حالة من حالات عدم ‏الوفاء، أنّ الإنسان إذا مرّ به شيء، ووصل الى حالة ‏اليأس يتشبّث بمَنْ ينقذه، فإذا ‏عبر هذه المشكلة رجع الى سالف عهده..!!‏
القرآن الآن يعرض الصورة عن ذاته تبارك وتعالى، يقول: بعض الناس يتحدّث: ‏‏(وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ)، لاحظوا هذه العبارة ‏ثمّ يرجع القرآن حتى البرّ يذكره، ‏يقول: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ..) باعتبار أنّه انقطعت بكم السبل، والبحر مورد ‏للهلكة ومورد ‏للموت فلا يوجد أحدٌ ممكن أن نلجأ اليه، قال: (..ضَلَّ مَن تَدْعُونَ..)، لا ‏يوجد أحدٌ تدعونه أنقذني أنقذني.. فنرجع الى نداء الفطرة، ‏والله تعالى يحتجّ علينا ‏بالفطرة إخواني، قال: (ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ..).‏
‏ ثم قال: (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ) يعني أنّ ذاك الذي صدر منكم كان كلاماً، ‏‏(أَعْرَضْتُمْ) كأنّ شيئاً لم يكن، وكأنّكم لم تكونوا ‏بالأمس تخافون أن يتخطّفكم الطير، ‏أنتم الآن في محنة تنادون: يا إلهي لو أنجيتنا..!! الله تعالى أيضاً أنجاهم، والآن أنتم ‏في حالة ‏الطمأنينة ماذا تكون النتيجة؟ قال (أَعْرَضْتُمْ)!! وحقيقةً هذه الآية يجب أنّ ‏نتأمّل فيها، كيف يتعامل ابنُ آدم مع نفسه مع التزاماته مع ‏أخلاقيّاته.‏
‏ الله تعالى لا يستعجل بعجلة العباد؛ لأنّ الله لا يفوته شيء من زمن آدم(عليه السلام) ‏وقابيل وهابيل، قابيل كان مجرماً، ومرّت هذه ‏الفراعنة الى ما شاء الله أن تبقى الدنيا، ‏الله لا يستعجل بعجلة العباد، وإنّما هذا دورٌ نمرّ به أنا وأنت وفلان وفلان، ونبدأ هناك ‏نتحاسب ‏إنّ ربّك لبالمرصاد (وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا).‏
لاحظوا ثمّ قال: (أفأمِنْتُم) الذي أنجاكم باقٍ وبيده المصائر: (أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ ‏جَانِبَ الْبَرِّ) البرّ ليس نهاية المطاف كأنّك آمن، الآية ‏جدّاً دقيقة تأمّلوا بها وأيضاً ‏فليتأمّل المتأمّل، أيضاً هذه الأمور بيده (أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ) أنت لست ‏في مأمن ممّا كنت ‏فيه،.‏
‏ الله تعالى يريد أن يحتجّ عليك، أنت صاحبنا بالأمس وأنت الذي كنت تقول لئن هداني ‏الله ولئن أنجاني الله فأنا في ضيق، الله تعالى ‏أنجاك، الله تعالى أخرجك من الضيق ‏لماذا تُعرض؟! (أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا ‏لَكُمْ وَكِيلًا)، ‏هذا في الحقيقة كأنّه نوعٌ من التحدّي مع الله تعالى.‏
‏ الله تعالى يقول أنتم تتحدّون الله..!! ما قيمتكم؟ ما هو شأنكم؟ الذي يتحدّى لابُدّ أن ‏يكون بمستوى التحدّي ومستوى المتحدّي، أنتم لا ‏أمان يمكن أن يعصمكم، وهذه ‏الآيات في منتهى البلاغة لمن ألقى السمع ولمن اتّعظ ولمن رأى كيف تسير الأمور.‏
‏ أعاننا الله تعالى وإيّاكم على أنفسنا كما أعان الصالحين على أنفسهم، ونسأله سبحانه ‏وتعالى أن يعجّل لهم بالنصر المؤزّر، وأن تكتحل ‏أعين الجميع بذلك اليوم المبارك ‏يوم يخرج جميع الظالمين والدواعش من أرض البلاد، حفظ الله العباد والبلاد.. ‏والحمد لله رب ‏العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.‏