المدنيون في الموصل من داعش.. الى الحشد الشعبي
30-12-2018
زين العابدين السعيدي
المدنيون في الموصل
من داعش.. الى الحشد الشعبي
المسافة كبيرة، والمقارنة مرفوضة؛ لأن الطهر لا يلتقي مع الرذيلة ولا يقارن بها.. من مزايا الحق أنه أوضح من الوضوح، إلا أن الرؤيا المشوهة والعقلية النشاز لدى البعض تجعله مشوشاً, وأحياناً الدوافع الرخيصة تجعل الإنسان يلبس الباطل جلباب الحق، كما هي عصابات داعش الإجرامية ومن يقف وراءها التي أرادت تطبيق الشريعة الإسلامية من خلال انتهاك حقوق الإنسان والقيم الحياتية السامية، فتعارضت الغاية مع الوسيلة – شيء مضحك جدا ومبكٍ في نفس الوقت -؛ لأن بعض الأصوات الشاذة ضميريا تعالت لإيجاد مخارج شرعية لأفعال داعش, وأوّلت بعض الآيات القرآنية الكريمة بطريقة غريبة جعلتها مصداقا لما يقوم به عناصر داعش من انتهاك حقوق، واغتصاب حريات، وارتكاب موبقات, بل الأكثر من ذلك تعالت أصوات شاذة أخرى تنكل بقوات الحشد المقدس وقواتنا الأمنية البطلة, وبدأت تبث دعايات عن بطشهم وطائفيتهم وإجرامهم حتى أوصلوا المدنيين الموجودين في الأراضي المغتصبة الى مرحلة متقدمة من اليأس؛ لأنهم بين مطرقة داعش وسندان الصورة السيئة التي وصلتهم عن الحشد..!
ولكن الله تعالى يأبى إلا أن يتم نوره ويظهر الحق للناس, فأيّدَ وسدد ومكن مقاتلي الحشد المقدس من تحرير أجزاء كبيرة جدا من الأراضي المغتصبة, وذات تحرير أي مدينة كان هناك مدنيين عزل لا حول لديهم ولا قوة، تعامل معهم أبطال الحشد بما يرضي الله تعالى وما يتواءم مع الروح الإنسانية, فأين البطش؟ وأين الطائفية؟, وأين القتل والتهجير؟
هذه أسئلة كانت عالقة في اذهان جميع المدنيين ومنها عرفوا بأن ما نقل وقيل عن الحشد المقدس هو محض افتراء, اطمئنوا وبدأوا يتعايشون مع الواقع ويقيسون الفوارق والمسافات بين داعش والحشد، ولكن المسافة كبيرة والمقارنة مرفوضة؛ لأن الطهر لا يلتقي مع الرذيلة ولا يقارن بها.
دعوني انقل لكم ما قاله ممثل المرجعية الدينية العليا وآمر لواء أنصار المرجعية فضيلة السيد حميد الياسري خلال لقائي به في الموصل، وسؤالي عن كيفية تعاملهم مع المدنيين بطريقة إنسانية وهم يخوضون معاركة شرسة ضد أعتى العصابات في العالم, فأجاب:
منذ وصولنا الى هذه القواطع وإشتراكنا في عمليات تحرير نينوى، كان لدينا هم كبير بالموازنة بين الوضع العسكري وقيادة المعارك وبين الوضع الإنساني امتثالا لتوجيهات المرجعية الدينية العليا التي تشير الى الانضباط العالي وحماية المدنيين ورعايتهم من جانب.
والجانب الآخر أننا نمثل مذهب أهل البيت عليه السلام فلابد أن نعكس صورة حسنة عنهم وتكون أفعالنا امتدادا لأفعالهم ومصداقا لأقوالهم خصوصا مع وجود بعض الأصوات المأجورة التي تتهم قوات الحشد الشعبي بارتكاب جرائم ضد المدنيين وتتعامل معهم بدون إنسانية.
ولله الحمد نجحنا الى حد كبير بعدم تعرض المدنيين الى الخطر أثناء مواجهة عصابات داعش الإجرامية, وكذلك المبادرة بإرجاعهم الى مناطقهم خلال فترة قصيرة رغم أن ذلك يولد ضغوطات على القوات التابعة لنا، إذ أن عملية إعادة المدنيين الى مناطقهم بعد التحرير مباشرة تتطلب جهدا امنيا كبيرا يتمثل بتدقيق معلوماتهم ومراقبتهم عن كثب وتوفير احتياجاتهم.
حقيقة أستطيع القول: إن داعش لم ينجح فكريا وعقائديا باختراق معظم مناطق الموصل ذات الطابع العشائري أو طابع البداوة؛ لأن سكان المناطق الزراعية والصحراوية يتمتعون بثقافات بسيطة جدا، ويعيشون على رعي الأغنام وهمهم الوحيد هو زراعتهم وأغنامهم, فكان اختراق داعش لهم هو اختراق عسكري فقط.
نحن لدينا إحصائيات دقيقة جدا تشير الى التحاق شخصين أو ثلاثة من كل قرية في صفوف داعش, مع وجود قرى لم يلتحق منها أي شخص, وقد لمسنا منهم صدقا كبيرا من خلال استقبالهم لنا وانفتاحهم علينا وفرحهم برحيل داعش، وخصوصا الشباب منهم؛ لأن عناصر داعش ضيقوا الخناق عليهم كثيرا، ومنعوهم من استخدام الهواتف وممارسة الرياضة – خصوصا كرة القدم - وهذه اللعبة هي معشوقة معظم الشباب سواء على مستوى الممارسة الفعلية لها أو مشاهدتها عبر التلفاز لذلك أقمنا كرنفالا رياضيا كبيرا حضره أكثر من ألف شخص تمثل بمباراة كرة قدم بين فريق من المدنيين، وفريق تابع الى لواء أنصار المرجعية بحضور جمع من قادة الحشد الشعبي.
وقد قدمت هدايا وجوائز من قبل هيئة الحشد الشعبي للمشاركين, وبعد انتهاء الكرنفال وفرنا ملعب كرة قدم وتجهيزات رياضية للشباب المتواجدين في مخيم النازحين, ولم نقتصر على الجانب الرياضي فقط، بل أولينا طلاب الجامعات وحملة شهادة البكالوريوس رغم قلة عددهم اهتماما كبيرا جدا؛ لأننا لاحظنا رجوع الآخرين لهم في الكثير من الأمور.
وقد طلب منا مجموعة من الشباب إقامة ندوات للتباحث والتداول وجلسات لطرح الأسئلة العقائدية والنقاشات الإسلامية, وبالفعل تم ذلك، وأقيمت هذه الجلسات والندوات كما يريدون, وان شاء الله تعالى تأتي بثمار طيبة ونتائج ايجابية.
ونحن نناشد كل من يستطيع مد يد العون ليس على صعيد الغذاء والاحتياجات المادية فحسب بل حتى على الصعيد الفكري وخصوصا العتبات المقدسة وهي لديها نشاطات فكرية كثيرة وإصدارات ثقافية متنوعة أن ترسل أعدادا خاصة من المجلات والمنشورات تخصص لهذه المناطق وهذا الوضع؛ لأنها ستجدي نفعا، وسيكون لها تأثير كبير, وستساهم بإيصال فكر المرجعية وتوجهاتها بصورة واضحة للجميع.. نسأل الله تعالى أن يوفقكم ويوفقنا لأداء وإنهاء رسالة الجهاد المقدس من كافة النواحي حتى نلقى الله تعالى بوجوه بيضاء.
بعد كل ما قاله فضيلة السيد الياسري أصبح لديّ فضول للذهاب الى مخيم المدنيين والتحدث معهم ورؤية أوضاعهم, فوجدتهم يعيشون كما يريدون، وبينهم وبين مقاتلي الحشد الشعبي علاقة طيبة جدا تصل الى حد المزاح وأكثر.. بقيت أتجول في المخيم برفقة من كان معي من كادر إعلام العتبة العباسية المقدسة حتى حدثني الحاج نافع خليف الشمري, قائلاً:
هذا المخيم أسسته قوات الحشد الشعبي من اجل حماية المدنيين الذين شهدت قراهم عمليات عسكرية حيث يوجد فيه سكان أربع قرى وهي كل من: (البوثة الشرقية, البوثة الغربية, ميدان قلي الشرقي، وميدان قلي الغربي).
وقد صلت إلينا العديد من قوافل المساعدات من الحوزة العلمية الشريفة في النجف الأشرف ومن منظمات المجتمع المدني ولكننا بحاجة الى المزيد.. اود ان ابين لكم ان لواء انصار المرجعية وكل قوات الحشد الشعبي التي مرت بمناطقنا لم تعاملنا إلا بالمعروف والاحسان, فلم تتدخل في خصوصياتنا ولم تعتد على ممتلكاتنا بل على العكس مدت يد العون لنا وساعدتنا كثيرا, وقامت بحمايتنا.
وها نحن وعوائلنا امنون مطمئنون في ظل تواجدهم, وقد اشعرونا بأننا فعلا انفسهم كما قال المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) حيث تقاسموا معنا المساعدات التي تصلهم اكثر من مرة, شتان بين هؤلاء الرجال الشجعان وبين الدواعش الجبناء الذين اعتدوا على كل شيء وسلبونا ما نملك بالقوة، وأخافوا اطفالنا وادخلوا الرعب في قلوب نسائنا, ونحن لاحول لنا ولا قوة.
الدين الذي خرج من عباءته الدواعش ليس فيه من الدين الإسلامي شيء, أما الدين الذي انطلق منه الحشد الشعبي فهو الإسلام بعينه حيث الرحمة والتوادد والتعامل بالمعروف والميل الى السلم والقيم السامية.
وقد قيل لنا أن مقاتلي الحشد الشعبي دمويون وطــــــــــــــائفيون ومنتقمون, ووجدناهم عكس ذلك تماما فهم لم ينتقموا إلا من الباطل فقط - أشداء على الكفار رحماء بينهم -, الفرق كبير جدا وكل من لديه ضمير حي يشهد بذلك.. الى هذا الحد، ولم أستمع بعدها الى ما قاله الشمري؛ لأنني بدأت أردد مع نفسي:
(حسبكم هذا التفاوت بيننا ... فكل إناء بالذي فيه ينضح)