المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا تؤكّد من جديد على ضرورة الإنفاق في سبيل الله
30-12-2018
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا تؤكّد من جديد على ضرورة الإنفاق في سبيل الله وأهمّيته في حماية المجتمع..
أكّدت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا من جديد على ضرورة الإنفاق في سبيل الله تعالى، وأهميّته في حماية المجتمع، وحذّرت من النفس الإنسانيّة التي تمنع الإنسان من الإنفاق وتسوّف له ذلك، وتأمره بالبخل، كما حثّت المرجعيّةُ العُليا على توجيه الصرف المالي للإنفاق بصورةٍ معتدلة ومتوازنة دون تبذير أو إسراف.
جاء هذا في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة (14ربيع الآخر 1438هـ) الموافق لـ(13كانون الثاني 2016م) التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف بإمامة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي(دام عزه) والتي ممّا جاء فيها:
أيّها الإخوةُ والأخوات سبق أن ذكرنا أنّ نظام الإنفاق في الإسلام يُعالج الكثير من المشاكل الاجتماعيّة للفرد والمجتمع ومنها مشكلة الفقر.. ويضع حلولاً لظاهرة التباين الطبقيّ الاجتماعيّ، كما أنّه يؤسّس للتكافل الاجتماعي ويطهّر النفس من عدّة رذائل نفسيّة وأخلاقيّة ويشيع روح المحبّة والتوادد والتقارب بين الناس ويقوّي القدرة الدفاعيّة للمجتمع الإسلاميّ..
ولأهمّيته حثّت الشريعة الإسلامية في النصوص القرآنيّة والأحاديث الشريفة على البذل والإنفاق للمال، ورغّبت في ذلك بأساليب متعدّدة، وقد ذكرنا بعض النصوص في بيان ذلك..
ولابُدّ أن نشير الى أنّ الإنفاق على قسمين: إنفاقٌ واجبٌ يأثم الشخص بتركه، وإنفاقٌ مندوب يُثاب على القيام به.
ومن الإنفاق الواجب إخراجُ ما في الأموال من الزكاة والخمس، والإنفاق على واجبي النفقة من الأبوين والزوجة والأولاد، والإنفاق على الأخ المسلم بطعام أو دواء أو غير ذلك لحفظ حياته مثلاً، والإنفاق لحفظ بلاد المسلمين وأعراضهم وما ماثل ذلك.
وقد وردت في القرآن الكريم أساليب متنوّعة في الحثّ على الإنفاق بقسميه الواجب والمندوب، فمن جملة الأساليب القرآنيّة للحثّ على الإنفاق الواجب: التخويف من عدم البذل والوعيد على ذلك..
كقوله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (سورة آل عمران: 180).
فهؤلاء الذين يبخلون بهذه الأموال قد وقعوا في أوهام متعدّدة؛ بسبب انقلاب المفاهيم لديهم ومنها:
1- أنّ البخيل يتصوّر أنّ عدم الإنفاق وجمعه للمال سيكون خيراً له؛ لأنّه سيوفّر هذا المال لنفسه رصيداً يتمتّع به، ويدّخره الى أيّام سيكون في حاجةٍ اليه أو ليوسع على نفسه ومتعلّقيه في حاجاته الحياتيّة ورفاهيّته..
2- يتصوّر أنّ هذا المال ماله وقد جمعه بتعبه ونشاطه فلا حقّ لغيره فيه..
وتوضّح الآية الكريمة خطأ هذه التصوّرات والظنون، وتعكس المفاهيم لدى البخيل بماله فتبيّن أنّ هذا الشُّح سيكون وبالاً عليه، ويتحوّل الى شرّ، حيث يطوّق ما بخل به في يوم القيامة، وأمّا التوهّم الثاني فترفعه الآية الكريمة بأنّ المال مالُ الله تعالى، وقد تفضّل به عليهم، فللّه ملكُ السموات والأرض يهب ويرزق عباده بحسب ما يشاء ويمنعه ممّن يشاء، وفي النهاية سينتقل ما جمعه وبخل به لوارثه، ولا يأخذ منه شيئاً..
ومن جملة الأساليب القرآنيّة التأنيب والتوبيخ على عدم الإنفاق.. منها قوله تعالى: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (سورة محمد: 38).
فالآية الكريمة تبتدئ المخاطبة مع الذين يبخلون بأسلوبٍ حكيمٍ حيث تقول (تُدعَوْن) فالله تعالى يدعوكم، وبدلاً من أن تحصل منكم الاستجابة لله تعالى في دعوته، وتسرعون لكسب الخير ونيل الجزاء، وتستنهضون هممكم، وتسترحمون قلوبكم للفقراء، فإنّ استجابتكم هي الشحّ بمال الله تعالى على عياله، وبخلكم هذا إنّما ينعكس عليكم من الخسران للصفقة الرابحة مع الله تعالى وهو (عزّ وجلّ) لا حاجة له بالمال تنفقونه بل إنفاقُ المال يعود بنفعه عليكم.
شروط الإنفاق وآدابه:
سبق أن بيّنّا أنّ بعض غايات الإنفاق هي تهذيب النفس وتنقيتها من شوائب الشحّ والبخل وحبّ الدنيا وترويضها على صفات ممدوحة من الجود والسخاء والإحساس بآلام الفقراء والمعوزين وانبعاث الرحمة من القلب تجاه الطبقة الفقيرة، إضافةً الى غاية إشباع حاجات الفقراء وحلّ مشاكلهم.. فهي تجمع بين غاياتٍ معنويّة وغاياتٍ ماديّة.. فنظام الإنفاق يبتغي من صاحب المال أن يتحسّس آلام الآخرين ويعيش مشاكلهم كما لو كان هذا الحال قد حلّ بنفسه وأسرته، وأن يشعر بأنّ ما أعطاه الله تعالى من مالٍ ليس له فقط بل له وللآخرين من أفراد مجتمعه، وبالتالي يصل الى ما يريده الإسلام منه من تهذيبٍ للنفس وصقلٍ لصفاتها الحسنة وترويض على فعل الخير.