إزاحة الستار عن القبة الجديدة لمرقد أمير المؤمنين عليه السلام بعد إعادة تذهيبها

30-12-2018
حيدر داوود
"شعّ الخلودُ بتاجها وتلألأت فوق النجوم ثريا"
إزاحة الستار عن القبة الجديدة لمرقد أمير المؤمنين عليه السلام
بعد إعادة تذهيبها
يوم تاريخي شهدته مدينة النجف الأشرف، وفي رحاب العتبة العلوية المقدسة، وتزامناً مع ولادة النبي الأكرم محمدصلى الله عليه واله وسلم وحفيده الامام الصادق عليه السلام ، أقامت الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة حفلاً كبيراً بمناسبة إزاحة الستار عن قبة مرقد أمير المؤمنين وسيد الوصيين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، بعد إعادة تذهيبها، مع رفع الإكليل والشعاع الذهبي والكف في قمة هرمها، وذلك خلال حفل بهيج حضره سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى الشيخ محمد إسحاق الفياض (دام ظله الوارف) ورئيس ديوان الوقف الشيعي سماحة السيد علاء الدين الموسوي (دام عزه) والأمين العام للعتبة العباسية المقدسة السيد محمد الأشيقر (دام تأييده) والسيد جعفر الموسوي (دام تأييده) الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة وممثلو العتبات المقدسة والمزارات الشيعية الشريفة، بالإضافة لحشد جماهيري كبير ضمّ شخصيات دينية واجتماعية وأكاديمية، ومحبي أمير المؤمنين عليه السلام من داخل وخارج العراق.
لتبدأ مراسيم هذا الحفل بتلاوة آيات بينات تلاها على مسامع الحاضرين القارئ أحمد النجفي.. وترحماً على أرواح شهداء قواتنا الأمنية وابطال الدفاع المقدس تم قراءة سورة الفاتحة، جاءت بعدها كلمة الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة ألقاها أمينها العام سماحة السيد نزار حبل المتين (دام عزه) بين فيها:
نبارك للجميع هذا اليوم المبارك بمولد سيد الكائنات النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم وحفيده الامام الصادق عليه السلام ، ونحن في يوم مولدك يا سيدي يا رسول الله المبارك الذي أزاح عن الدنيا ظلماتها، واستنارت بشمسك الخالدة، واليوم نقف بجوار ابن عمك ووصيك وخزانة علمك وراية نصرك سيف الله الغالب علي ابن ابي طالب عليه السلام مع جمع من محبيك لنحتفي بقبته الشريفة، ونتطلع الى انمائها البهية، والتي أصبحت مأوى لقلوب شيعته، ومناراً للهداية والسلام والمحبة والوئام بقبة عندما رآها الشاعر السوري محمد مجذوب، خاطب الإمام علي عليه السلام قائلاً:
قمْ وارمقِ النجفَ الشريف بنظرة
يــرتدّ طرفـك وهــو بـاكٍ أرمـــــدُ
تلك العـظـامُ أعزّ ربُّك قـدرهــــا
فتكـاد لـولا خــوفُ ربـِّك تُـعـبــــدُ

أبدا تبــاركهـا الوفــود يحـثــــــهــا
من كـل حدب شوقــها الـمتـــوقـدُ
إنها القبة التي تنتمي لقبة رسول الله محمدصلى الله عليه واله وسلم ، فهما أبوا هذه الأمة، بقول الرسول الكريم: (يا علي، أنا وأنت أبوا هذه الأمة)، ولأنه من رسول اللهصلى الله عليه واله وسلم بمنزلة هارون من موسى عليهما السلام ، ولأنه باب علمه، وزوج بضعته، ووصيه، وأمينه على شرعه، وأول من آمن به وصدق بما انزل عليه.
فنحن اليوم نجتمع لنزيح الستار عن قبة تناهل اليها الملوك، وانحنت تحتها التيجان منذ هارون العباسي الى الداعي الصغير، وعظم الدولة والشاه عباس الأول والشاه الصفي، وهم الذين قاموا بإعمارها وتجديد بنائها منذ سبعمائة سنة والى يومنا هذا، حيث بقيت معالم التصميم للعلامة الشيخ البهائي (رضوان الله عليه)، وهذه إحدى ميزات العتبة العلوية المقدسة التي حافظت على هذا التراث القديم دون التلاعب فيها، وحتى عندما أعيد تذهيب القبة المباركة، حرصنا على إعادة نفس الوحدات الذهبية بإعادة تذهيبها، وهو أمر ليس بالسهل والميسور.
ومن ناحية أخرى، حرصنا على إعادة الكف والشعاع الذهبي الذي أخفي طيلة ستة وثلاثين عاماً، عندما أزاله النظام المقبور من القبة الشريفة حقداً وحسداً وانتقاماً، نتوجه الى الباري(عز وجل) أن يتقبل منا هذا العمل بأحسن قبول، ونتوسل بأمير المؤمنين عليه السلام ، ونقدمه بين يدي حاجاتنا الى الله تعالى، بأن يمنّ على عراقنا بالأمن والأمان والطمأنينة والسلام، ويمنّ على مراجعنا العظام بطول العمر، وينصر قواتنا الأمنية والحشد الشعبي على أعداء الإنسانية، وأن يمنّ على جميع جرحانا بالشفاء العاجل.
بعدها كانت الكلمة لرئيس ديوان الوقف الشيعي سماحة السيد علاء الموسوي (دام عزه) بين فيها قائلاً:
يوم مبارك سعيد على أمة الإسلام بميلاد النبي الأعظم صلى الله عليه واله وسلم وحفيده الامام الصادق عليه السلام ، ويوم إزالة الستار عن قبة الامام علي عليه السلام الشريفة بعد تجديد تذهيبها بجهود متميزة سريعة، ضربت رقماً قياسياً في مثل هذه الاعمال التي اعتادت عليها عتباتنا المقدسة.
وفي عصر مرجعية السيد الحكيم (قدست روحه الطاهرة)كان السيد الحكيم (رحمه الله) قد رأى أن قبة أمير المؤمنين عليها السلام قد تغير لونها، وتحتاج الى إعادة تذهيبها. ولا بد من التصدي لهذا الأمر، وإعادة تجديد التذهيب بشكل يليق بهذا المقام العظيم، فاستدعى خواصه، وكان يتحدث معهم في كيفية جمع الذهب اللازم لذلك، وقد تكفل بهذا المشروع المحسن الحاج محمد رشاد ميرزا (طاب ثراه) وحده، وتم تذهيبه خلال ثلاث سنين.
وهذه المرة الثانية التي يتم فيها التذهيب، المرة الأولى (أصل التذهيب) كان في أيام نادر شاه، والمرة الأولى لتجديد التذهيب في أيام السيد الحكيم(رحمه الله)، والمرة الثانية لتجديد التذهيب هي التي نشهدها الان.. والحمد لله على هذا الإنجاز الذي يضيف الى فرحتنا اليوم فرحة عظيمة أن تكون قبة أمير المؤمنين عليه السلام جديدة لامعة وضاءة وهاجة في وسط العراق.
لتأتي بعدها كلمة للشيخ علي محمدي رئيس الأوقاف في الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي بارك فيها لجميع المسلمين بولادة للنبي الاكرم محمد صلى الله عليه واله وسلم ، وشكر الباري (عز وجل) على هذا التوفيق الكبير الذي وفقهم في الحضور في هذا المكان المقدس، وقدم أيضاً الشكر لكل من ساهم في انجاز هذا العمل الجبار من عاملين ومتبرعين وفنانين وغيرهم، ممن أضافوا حتى ولو لمسات بسيطة.
وفي الختام، دعا الباري (عز وجل) أن يوفق الابطال المرابطين في جبهات القتال الذين يقاتلون الآن جرذان الآفاق داعش ومن لفّ لفهم، وان يديم هذه الانتصارات وان يوفقهم لما فيه خير للامة الإسلامية وخير للعراق ان شاء الله.
كما شكر الشعب العراقي على ما قدمه من ضيافة وكرم لا يوصف للشعب الإيراني خلال الزيارة الأربعينية للإمام الحسين عليه السلام .
كما كانت هناك كلمة لممثل شركة الكوثر الحاج حسن بولارك ليبين في كلمته:
نشكر الباري(عز وجل) على هذا التوفيق الكبير الذي خص به مجموعة من محبي اهل البيت عليهم السلام مع انها خدمة متواضعة في ساحة المولى امير المؤمنين عليه السلام ، وان التعاون والمشاركة الفاعلة التي حصلت بين العتبات المقدسة ودعم من المرجعية العليا وديوان الوقف الشيعي وامناء العتبات المقدسة ما حدا بأن يتحدوا وينظموا جهودهم لتوسعة وتطوير العتبات المقدسة.. فقد خطوا خطوات مهمة في تاريخ العتبات المطهرة.
أما الآن، فقد جئنا لنشهد مراسيم إزالة الستار عن القبة الشريفة، وقد شهدنا في هذا المشروع تضافر الجهود الفنية العالية للفنانين والصناعيين المؤمنين بهذا المشروع، ومن الجدير بالذكر أن هذا المشروع الذي يحمل عنوان (يا علي) بدأ العمل فيه منذ الشهر أيلول من العام الميلادي الماضي، حيث انجز ترميم وإعادة نصب (9217 طابوقة) بأحجام متفاوتة، ولمدة خمسة عشر شهرا، وبمشاركة 1275 شخصاً، منهم الفنانون والعمال، وبإشراف قسم الصيانة في العتبة العلوية المقدسة.
تم بعدها عرض فيلم وثائقي عن مراحل انجاز مشروع إعادة ترميم القبة الشريفة وتذهيبها.. ليأتي دور الشعر في هذا الحفل المبارك بقصيدة شعرية ألقاها الشاعر السيد مهند السيد مصطفى جمال الدين، وأنشودة بعنوان (ضياء العصمة) ألقتها فرقة الانشاد في العتبة العلوية المقدسة.. ليختتم الحفل بإزالة الستار عن القبة الشريفة لتسطع نوراً في الزمان سنيا، وسمت مجداً في المدى علوياً.
صدى الروضتين أجرت عدة لقاءات، وكان اللقاء الأول مع الأستاذ مرتضى الاعرجي عضو إدارة الأمانة العامة للعتبة العلوية المطهرة بين لنا قائلاً:
نبارك للأمة الإسلامية هذه المناسبة المباركة، بإعادة تذهيب القبة المطهرة، وإعادة ترميمها بنجاح بعد مراحل مرت فيها القبة الشريفة، لتظهر بحلتها الجديدة، فكانت المرحلة الأولى من المشروع هي مرحلة ما دون الحزام، وقد نفذتها الكوادر الفنية في العتبة العباسية المقدسة.
والمرحلة الثانية هي مرحلة ما فوق الحزام، واستمرت هذه المرحلة قرابة العام، وقد نفذت من قبل شركة الكوثر الإيرانية، وأبرز ما في هذه المرحلة هو إعادة الشعاع الذهبي الذي سرق في زمن اللانظام السابق، وقد أعيد تصنيعه من جديد بنفس الشكل السابق.
الأستاذ محسن محمد علي مسؤول ورشة التذهيب في العتبة العلوية المطهرة بين قائلاً:
تم إعادة ترميم الطابوق نفسه لقبة الامام علي عليه السلام بعد ان تم تذهيبه بذهب من عيار (24)، وكل طابوقة احتوت على خمسة عشر غراماً تقريبا من الذهب، وبلغ عدد الطابوق في القبة الشريفة (9217 طابوقة)، أما رقبة القبة فاحتوت على (2525 طابوقة)، أي ما يقارب (12 ألف طابوقة)، تم إعادة تذهيبها وترميمها، وإزالة الآثار التي تركها القصف المدفعي من قبل اللانظام السابق في الانتفاضة الشعبية لعام 1991م.
الدكتور الأستاذ عبد الهادي الابراهيمي مختص في شؤون العمارة الإسلامية بين لصدى الروضتين مميزات قبة امير المؤمنين الامام علي عليه السلام قائلاً:
القبة الشريفة لمرقد الامام علي عليه السلام مميزة عن باقي القباب للعتبات المقدسة، فهي قبة ذات شكل بصلي، وفريدة عند مقارنتها بباقي قباب المراقد المقدسة، اذ يطلق عليها بالإيوان العلوي، وهي ذو مراكز ستة، وتمتاز أيضا برقبة طويلة ومنائر اسطوانية وعمارة صفوية.
كما تحتوي على ريازة عباسية من ناحية المنائر الاسطوانية الشكل، وتعتبر أول قبة تم تذهيبها في العراق، حيث كانت مكسوة بالقاشان الأزرق، ولكن بعد عهد الدولة الصفوية ومجيء السلطان نادر شاه أمر بقلع القاشي وتذهيب قبة المرقد العلوي المطهر، وتمثل قبة أمير المؤمنين عليه السلام أحد أبرز المعالم الدينية والتاريخية في العراق من حيث طرازها المعماري وشكلها الهندسي وعمقها التاريخي.