مؤتمر العميد العلمي العالمي الثاني... حاضر يبشر بزهو المستقبل وتطلعاته الحضارية

30-12-2018
هيئة التحرير
مؤتمر العميد العلمي العالمي الثاني... حاضر يبشر بزهو المستقبل وتطلعاته الحضارية



تحت شعار (نلتقي في رحاب العميد لنرتقي)انطلاق فعاليات مؤتمر العميد العلمي العالمي الثاني تحت عنوان: (إدارة أزمة المصطلح من الخلاف إلى الاختلاف)

تزخر مؤتمراتنا ومهرجاناتنا العلمية والفكرية والثقافية بالكثير من الأفكار والبحوث النهضوية التي تشغل حيزاً مهما في منظومتنا المنهجية التي أصابها الوهن في بعض مفاصلها؛ نتيجة سياسة الإقصاء والتهميش وتحجيم الحريات التي مارسها الطغاة على مر العقود والأزمنة... فكان مؤتمر العميد العلمي العالمي الثاني المنهل الذي يرتوي منه الظامئون إلى وهج الحقيقة والعلوم الناصعة المنبثقة من المؤسسات الفكرية لأهل البيت عليهم السلام ومواليهم، فجاء ملبياً لطموحات كانت بالأمس القريب حلماً بعيد المنال، لكن الله سبحانه شاء أن يمنح هذا الشعب الصابر المجاهد ما كان يصبو إليه من استمرار الخط البياني وتصاعده لمشروع بناء الحضارة، واستعادة إنسان وادي الرافدين لمكانته التاريخية.

جاء حفل الافتتاح مبتهجاً بجهود الكوادر المخلصة، التي واصلت الليل بالنهار؛ لإخراج المؤتمر وحفله المبارك بحلة زاهية، تبقى عالقة في نفوس الحاضرين لأعوام قادمة، فقد استُهلّ حفل الافتتاح بآيات من الذكر الحكيم بصوت القارئ (عمر العلا الكفائي)، أعقبتها كلمة الأمين العام للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزه)، والتي بيّن فيها قائلاً:
أهلاً وسهلاً بكم وأنتم في ضيافة العتبة العباسية المقدسة، ونحن أيضاً في ضيافتكم فكراً وأدباً وعلماً، ونسأله تبارك وتعالى أن تمتزج الضيافتان معاً، حتى نصل الى تطبيق الشعار المبارك الذي رُفِع في هذه الدورة الثانية وهو: (نلتقي في رحاب العميد لنرتقي)، ولاشكّ أنّ الكلام والفكر سيكونان لكم، والفائدة ستكون منكم، حتى نشترك سويةً سواءً كان في تأسيس شيءٍ أو الاستفادة من ماضٍ عتيدٍ عريق نحاول أن نُظهره بحُلّة أخرى.
يطيب لنا دائماً أن نجلس مع الإخوة للاستفادة منهم، والوقوف على بعض المشاكل التي تعيشها الأمة سواء في هذا الدور أو لعلّها في أدوار سابقة، ولكن لا زالت ظلال تلك المشاكل تحوم حولنا، وواقعاً لنا كلّ الفخر والاعتزاز بكم جميعاً، ونسأله تعالى أن تستمر هذه اللقاءات بل حتى أنّ اللقاء بمجرد اللقاء نعتقد أنّ فيه فائدة؛ لأنّه يقرّب المسافات كثيراً.
مضيفاً: الدراسات الإنسانية والفكرية - ومنها مجلة العميد ومؤتمر العميد - تتفرّع منها مجموعة أفكار، وبالنتيجة مجموعة مشاكل ليس من السهل أن تُحسم في جلسة واحدة، بل في جلسات، ولكن لو أردنا أن نقترب رويداً رويداً للتخلّص منها، فلابدّ أوّلاً أن نشخّص المشكلة، فالإنسان إذا لم يستطع تشخيص المشكلة، فإنّه سيخوض في غمار معركة فكرية لا يعلم كيف دخل فيها، وإنّما استُدْرِج استدراجاً، والعالم والباحث لا يمكن أن يُستدرَج، وإنما هو يَسْتدرج تحديد المصطلح وتحديد الإشكال، والاسم باصطلاح المناطقة تعريف الاسم سواء كان للحدّ أو بالرسم التام هذا أمرٌ لابدّ منه بدءاً، ولابدّ لأيّ باحث من أن يحدّد اصطلاحه بشكلٍ دقيق، مسائل فكرية إنسانية لعبت خلال تأريخنا الإسلامي دوراً كبيراً سواءً كان في تقويم بعض الأشياء أو في إجهاض أخرى، بل أكثر من ذلك ذهبت المسألة أن تتعدّى من دور البحث العلمي الى مسألة الدم نتيجة الاختلاف في الاصطلاح خصوصاً.
مبيناً: إذا كانت الجهة تتمتّع بمميزات السلطة أو بقوة السلطة، وكانت السلطة تتبنّى هذا الموقف، فستتعامل مع الطرف الآخر معاملة قاسية جداً، وانتهت الى قتل واستشهاد كثير من العلماء على اختلاف المذاهب، ووصلت الحالة من الاختلاف في المصطلح الى تبنّي جهة لها المنعة والسلطة، والجهة التي تتبنّى إذا كانت لها سلطة فستُمارس هذه السلطة في أقسى ما يمكن من سجن وقتل للعلماء، ولا زالت بعض هذه الأفكار تدخل الينا نتيجة تشجيع بعض الجهات السياسية، وهي قد لا تكون بهذا العمق الفكري.
ويحدثنا التاريخ عن مسألة خلق القرآن، هل القرآن مخلوق؟ هل القرآن حديث؟ هل القرآن قديم؟ هذه المسألة أخذت منا الكثير، وتفرّعت عنها مسائل خلافية كثيرة، والى يومنا بعض المصطلحات لم تحقّق بشكلٍ جيد، والإنسان ممكن أن يقتل والطرف المقابل لا يعرف المصطلح الذي من أجله قد سفك هذا الدم، لاشكّ أنّ هذه مسألة خطرة، فخطورة الجانب الفكري لا تقل عن خطورة الجانب التكنولوجي، أو الجانب الطبيعي الآخر للعلوم الطبيعية.
موضحاً: هناك مشاكل، لكن الجوانب الإنسانية والفكرية قد تكون مشاكلها أكثر، المرجوّ من الباحث أيّاً كان أن يكون موضوعياً، عندما يواجه مسألة محددة أن يكون موضوعياً في ذلك، إذا لم يتحدّد الاصطلاح بشكلٍ جيد لا يمكن أن يحكم، والسادة الأفاضل في غنىً عن القول أنّ تشخيص الموضوع هو مقدمة للحكم، إنّ الإنسان إذا لم يكن الموضوع عنده واضحاً لا يُمكن أن يحكم.
في الدراسات الإنسانية تدخل المسائل في العقيدة، فقد يكفّر ذاك ويقرّب هذا بخلفية الباحث عندما يخرج عن الموضوعية، والموضوعية اليوم لعلّها تعنينا أكثر من الأمس، اليوم العالم تطوّر والإمكانات العلمية توفّرت، وأصبحت بعض الأمور القاتلة بيد أفراد وليست مقصورة على الحكومات، وهذه التربية تنعكس سلباً علينا.
اليوم العالم الإسلامي يعاني من أزمة حقيقية لا يستطيع أن يخرج منها، ومن مشكلة واقعية يتحمّل بالدرجة الأساس من أسّس لها، وقعنا الآن في مصطلح رهيب - نحن معاشر المسلمين بكلّ طوائفنا – وهو مصطلح (الشرك)، وأصبح اتّهام الآخر بأنّه مشرك أو يكفر أسهل شيء، بعد أن كان من أصعب الأشياء، والقرآن الكريم قد أخبرنا وجاءت المدارس غذّت هذا المعنى، وأصبح يتّهم الأخ الذي يُصلّي ويحجّ ويتوجّه الى قبلة الإسلام ويقرأ القرآن أصبح مشركاً بين عشيةٍ وضحاها، مَنْ يتحمّل هذه المسؤولية؟.
أما المحور الثاني من كلمة سماحة السيد الصافي فبيّن فيه:
هناك مسألة مهمة تكمن في إبراز المكنون التراثي، فنحن أمة كتبت، وأمة تركت آثاراً، وأمة مفكرة، فنحن أمام مسألة مهمة، وهي إبراز مكنون ما عندنا، تراثُنا تراثٌ غنيّ، وتراث عريق، والأوائل كتبوا في أشياء إنسانية وعلوم كثيرة، ولكننا نعجز عن إبرازها للآخرين، المشكلة هناك تقصير في إبراز مكنون ما عندنا بلغة عصرية محببة مع المحافظة على جوهر الشيء، وأعتقد أنّ هذا من الواجبات العرفية.
هناك كمٌّ هائل من العلماء المسلمين في كلّ المجالات وفي كافة أرجاء الوطن العربي، وهناك كنوز حقيقية موجودة، لكن الجيل لا يعرفها ولم يقرأها، على العكس من الفكرة الغربية، فنحاول أن نبتهج بها وأن نندفع اليها، فمسؤولية العلماء الأعلام والمفكرين أنّ هناك أفكاراً أكثر رصانة وواقعية ودقة، وأكثر ملائمة لمتطلبات العصر، لكن المشكلة في إبرازها، نحن مسؤولون مسؤولية حقيقية أمام التراث الكبير الذي خُلّف لنا، مسؤولون أن نبرزه ليحلّ المشاكل، هناك مشاكل عصية يمكن أن تحلّ، وإذا حُلّت هذه المشاكل سنعرف أيّ أمة نحن، أمة قوية، أمة منيعة، أمة عصية على التمزيق، لكن شرط أن يتصدّى لذلك من يتصدّى، مَنْ عنده منعة وقوة، سواء كان في جانب سياسي، أو كان في جانب فكري مؤثر، وهذه مسؤولية الأمة جمعاء بلا تحديد، لا مسؤولية هذا المذهب أو ذاك، هذا التراث الذي نعتزّ به لابدّ من إبرازه، ولو ألقينا نظرة حول التراث في العالم العربي، نجد أن بعض هذا التراث ليس من مكنوناتنا، وإنّما من حضارةٍ قبل حضارة الإسلام أصلاً، أمّا حضارتنا نحن التي بنيناها وحفرناها بدم ودمع وجهد فهي عرضة للضياع.
مضيفاً: "لابدّ أن نؤسّس مركزاً لتراث هذه الرقعة الجغرافية، وهذا ليس له علاقة بمذهب دون آخر، هذا حقّ الآباء الذين ذهبوا على الأبناء الحاضرين، ولعلّ الجيل القادم يحاسبنا مع توفّر الإمكانات والاهتمام، سيحاسبنا يقول: (يا ليت الآباء اهتمّوا)، الدول الأخرى تعتزّ بحضارتها ونحن عندنا أكثر، لكننا أمة قد قصّرت في تراثها، التراث الأصيل الحقيقي التراث الذي يحلّ لنا المشاكل، وهذه المسؤولية هي مسؤولية الجميع، ولكن لا نطلبها من الآخرين غير المختصّين، تُطلب من الباحث من العالم والمفكّر؛ لأن العالم حقيقةً يعلم أين يضع قدمه، وكيف يستنطق التاريخ والتراث حتى يحلّ مشاكل البلاد والعباد.
تلتها كلمةٌ لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية، قام بإلقائها مدير دائرة البحث والتطوير الأستاذ الدكتور (غسان حميد)، والتي استهلّها بالشكر والثناء للعتبة العباسية المقدسة على رعايتها لهذا المحفل الأكاديمي في هذا التوقيت، وفي ظلّ الأوضاع التي يعيشها البلد. كما قدّم خلال هذه الكلمة استعراضاً مصوّراً لما تقوم به وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من خلال مديرياتها والدوائر المرتبطة بها من جامعات وكليات ومعاهد، من أعمال ونشاطات تخصّ البحث العلمي، والطرائق والآليات المتبعة في تطوير منهجية الدراسات الأولية للجامعات العراقية والبحوث، وكيفية الارتقاء بها وبما يتلاءم والتطوّر العلمي العالمي. كما أشاد بالخطوات الجادة التي خطتها مجلة العميد المحكمة التي تصدر من قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة.
أعقبتها كلمة اللجنة التحضيرية للمؤتمر التي ألقاها نيابة عنهم الدكتور (سرحان جفات) وبيّن فيها:
إنّه لشيءٌ جميل أن يلتئم هذا الجمع العلمي المبارك مرّة أخرى لمناقشة واحدة من القضايا العلمية الجليلة وهي قضية (المصطلح)، استشعاراً منّا بأهمية هذا الموضوع إذا ما نظرنا الى المصطلح بوصفه أداةً معرفية، ووسيلةَ تفكير، وسبيلاً من سبل البحث عن الحقيقة العلمية، مؤسَّساً على أُسسٍ مكينة واضحة المعالم والتوجهات... وبناءً على ذلك، تبدو أزمة المصطلح أزمة وجود قبل أن تكون أزمة ثقافة ومشكلة وعي، وإنّ ثقافةً يتداخل الدالّ والمدلول في مصطلحاتها، ويحيك ما نتداوله من مصطلحات على الشيء ونقيضه، لجديرةٌ بأن تكون مادةً لأقلام أهل البحث والتقصي من الباحثين الجادين الوعاة.
إنّ البحث في المصطلح في هذا الوقت العصيب الذي يمرّ به بلدنا وأمّتنا ليس ترفاً فكرياً، بل هو رسالةٌ علمية تبتغي التوثيق والتصحيح، وإعادة العافية الى نهجنا وأدواتنا في التفكير ومقاربة الأشياء، مستأنسة بفتوى الوجوب الكفائي التي أطلقها المرجع الأعلى سماحة السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظلّه الوارف) التي ابتغت تصحيح النظر الى مصطلحات مثل الجهاد والذود عن الوطن، وغير ذلك من المصطلحات التي أُريد لها أن تُلقى في غيابة جُبّ التكفير والتطرّف.
مضيفاً: لقد كان لمؤتمرنا (مؤتمر العميد العلمي الأوّل) جملة من التوصيات التي سعى القائمون على المؤتمر لتحقيقها، وفي طليعتها أن تكون مجلة العميد من مجلات (IMPA CT عجل الله تعالى فرجه الشريفACTOR) وقد تحقّق لها ذلك، إذ حصلت أعداد السنة (2012م) على أكثر من ثلاث نقاط، وحصلت أعداد السنة (2013م) على أكثر من أربع نقاط، وهو رقم لم تصل اليه أيّ مجلّة إنسانية من المجلات التي تعتمدها وزارة التعاليم العالي العراقية، بل لم تصل اليه أي مجلّة في أرجاء الوطن العربي.
كما أوصى المؤتمرون بأن تكون للعميد شقيقة تعنى بالدراسات العلمية، وقد أُنجزت هذه التوصية كذلك، وهي مجلّة تعنى بحقل العلوم التطبيقية الصرفة. كما أوصى المؤتمر بإيجاد تشكيل بحثي يرعى حركة البحث العلمي، وتوجد علائق معرفية بين الباحثين التوّاقين الى اللقاء العلمي مع نظرائهم من الدارسين فكان (مركز العميد الدولي للبحوث والدراسات) ثمرة كريمة وفرصة علمية مضافة، حاولت العتبة العباسية المقدسة أن توفّرها للباحثين والدارسين.
واختتم قائلاً: يطيب للقائمين على هذا المؤتمر أن يرحّبوا بالسادة الضيوف الحاضرين لفعاليات المؤتمر، فنحن نزداد غنىً بوجودكم معنا، ونحن نتكامل مع كل إضاءة منكم، وكيف لا ونحن نؤمن بأنّ (النظر الى وجه العالم عبادة) و(من وقّر عالماً فقد وقّر ربّه).
جاءت بعدها كلمة الوفود المشاركة في المؤتمر، قام بإلقائها نيابةً عنهم الأستاذ إدريس هاني من المغرب والتي عبّر في مقدمتها عن فرحته وسروره لمشاركته في هذا المؤتمر؛ كونه يقام بتوقيت مناسب وينطلق من مكان مقدس، وبين قائلاً:
نتشرّف بوجودنا في حضرة العميد أبي الفضل العباس عليه السلام ، هذا الرمز في تراثنا وتاريخنا وأحد رموز الحضارة العربية والإسلامية وجمع منظومة قيمتها، فأخلاق أبي الفضل العباس عليه السلام الذي أنكر ذاته في مشهدٍ عظيم، وعمل من أجل الآخرين، ولكنه نال الفضل كلّه، فكان هو أبا الفضل، وأبا القيم في إدارة أزمة المصطلح من الخلاف الى الاختلاف.
موضحاً: "هذا العنوان في الحقيقة يضعنا أمام إشكالياتٍ منها ما شكّل تحدّياً في أوّل تجربة وجودية للإنسان، وأنّ الله سبحانه وتعالى علّم آدم الأسماء كلّها قبل أن ينخرط في تجربة الوجود، وقبل أن يخضع الى خبرة الوجود في هذه الدنيا، فكان التحدي الأوّل هو تعلّم الأسماء كلّها؛ ذلك لأنّه في اعتقادنا أنّ المشكلة الفكرية والمعرفية والثقافية هي في أساسها مشكلة مصطلح وإدارة مصطلح وحكمة مصطلح؛ لأن المشكل الأخلاقي يكمن في المنطق نفسه؛ لأنّه المعنيّ بالتعريفات والمعنيّ بالأسماء، حتى في التجارب الفقهية والأصولية لابدّ من مداخل مباحث الألفاظ.
مضيفاً: ها هنا تتحدّد الأسماء، وتتحدّد الألفاظ، وتتحدّد المصطلحات من منطلق أنّ اللغة في حدّ ذاتها التي نولد فيها، نحن أبناء اللغة؛ لأنّ اللغة هي التي تختزل وتلخّص كلّ حكاية الفكر والتجربة الثقافية للإنسان، ولكن المشكلة في المنطق هي أنّهم أخرجوه عن مباحث القيم والأخلاق، هل يمكن أن نتحدّث عن أخلاق في المنطق وأخلاق في التعريفات، يعني في مباحث المنطق أيضاً؟ نعم، هذا ممكنٌ جداً؛ لأنّ الإصرار على المغالطة والمفارقة بكلّ أشكالها كلّها يكمن خلفها، وفي العناد الذي يكمن خلفها موقف لا أخلاقي، وجال الأصوليون في هذا الموضوع وتسامحوا كثيراً، حتى أنّهم جعلوا القطع حجة في ذاته أيّاً كانت مصادر هذا القطع.
واختتم: نحن الآن في مورد استيراد المصطلحات أيضاً، نحن في المجال العربي نستورد المصطلحات، وعندنا مشكلة مضاعفة، أوّلاً المصطلح وثانياً نقل المصطلح، وعملية نقل المصطلح من ثقافة الى أخرى هي عملية ليست سهلة أبداً، إذا استحضرنا اللغة من وجهة نظر المناهج الحديثة؛ لأنّ المصطلح يلخّص الثقافة، عملية انتقال المصطلح من مجال تناولي الى مجال آخر يترك تصميمات ثقافية، ويحدث اختلالاً في البنية الثقافية، وهذا يجعلنا أمام حقيقة هي أنّ المصطلح حينما نتبنّاه يجب أن نحافظ على وزنه العربي؛ لأنّه يجب أن نفرّق بين اللغة الطبيعية واللغة المصطلحية.

ليستمع بعدها الحاضرون الى قصيدة شعرية بهذه المناسبة، ألقاها من سلطنة عمان الدكتور (سلطان جاسم)، بعدها تمّ عرض فلم وثائقي عن مسيرة مجلة العميد ومؤتمرها وما حققّته، ليُختتم المحفل بورقة بحثية للباحث الدكتور(عادل نذير) تحت عنوان: (الحوار والجدل بين القرآن والقضية الحسينية) قدمها في ثلاثة محاور: (الحوار ومصاحباته المصطلحية بين اللغة والاستعمال القرآني، حاجة الأمة إلى الحوار، والإمام الحسين عليه السلام بين ثوابت الحوار ومتغيراته).


الجلسات البحثية لمؤتمر العميد العالمي الثاني فيض من عصارة الفكر الإنساني الخلاق

عندما تطرح قضية معينة على طاولة النقاش، فلكل منا وجهة نظره أو رأيه أو انطباعه عن ذلك الموضوع المطروح، أو تلك الحالة أو المسألة التي تناقش. ولما كانت الظروف التي يعيشها البشر وبيئاتهم, ومستوى وعيهم وثقافتهم وتجاربهم في الحياة مختلفة، بالإضافة إلى اختلافهم في العمر والخبرة في الحياة واختلاف الأمزجة والنفسيات، كان من الطبيعي تبعاً لذلك الاختلاف، أن يكون لكل منا وجهة نظر أو رأي خاص به، قد يتطابق ويتفق مع الآخرين، أو قد يختلف معهم، بغض النظر عن صحة هذا الرأي أو عدم صحته.
لذلك جاء مؤتمر العميد العلمي العالمي الثاني الذي تقيمه وتشرف عليه العتبة العباسية المقدسة في هذا العام بعنوان مختلف عن السنة الماضية وهو (إدارة أزمة المصطلح من الخلاف إلى الاختلاف), نتيجة الظروف القاهرة التي تعاني منها الأمة الإسلامية؛ بسبب اختلاف المذاهب والأديان، بحيث تطورت المسألة بمجرد أن تختلف معه بالرأي ووجهات النظر يصدر فتوى تكفير وقتل بحقك, ليأتي مؤتمر هذا العام لوصف العلاج للجروح التي تعاني منها هذه الأمة, حيث إن وجود أكثر من وجهة نظر أو رأي حول الموضوع الواحد لا يمكن تفسيره على أنه حالة سلبية، بل العكس من ذلك، فإنها حالة إيجابية مفيدة لابد منها في أي نقاش يجري بين مجموعة من الأفراد؛ لما في ذلك من فوائد كثيرة وكبيرة، فأعقل الناس من جمع إلى عقله عقول الناس، فيستفيد المرء من تلك الآراء والمناقشات التي تدعم رأيه وتنصره، وتكون له دافعاً للاعتداد برأيه وعدم الحياد عنه، أو قد تكون متضاربة ومختلفة مع رأيه ومخالفة لوجهة نظره، وفي هذه الحالة يستفيد أيضاً من تلك الآراء في تصحيح بعض آرائه وأفكاره الخاطئة إذا كانت آراء الآخرين وأفكارهم أشمل وأعمق وأدق من آرائه ووجهة نظره، وذلك بعد اقتناعه واعتقاده شخصياً بها، ففي نهاية المطاف لابد من أن يصل كلٌ من طرفي النقاش إلى محصلة نهائية يتفقون بها، ومحطة نهائية يقفون عندها.
لذا كانت الجلسات البحثية لمؤتمر العميد العلمي العالمي الثاني عامرة بتبادل وجهات النظر، والطرح الموضوعي الذي يخدم قضايانا العلمية المعاصرة، فكانت عبارة عن ثلاث جلسات احتضنت هذا الثراء، وهي كالآتي:
الجلسة البحثية الأولى:
جرى خلال هذه الجلسة التي كانت برئاسة الدكتور (عادل زيادة) من مصر طرحُ ثلاثة بحوث استهلّها الباحث الجزائري الأستاذ الدكتور (بدر الدين زواقة) من جامعة (بانتة) الجزائرية ببحثه الموسوم: (مصطلح الإعلام الإسلامي المقاربة والمفارقة) والذي بين فيه:
إنّ الإعلام مثّل قديماً وحديثاً محوراً أساسياً واستراتيجيا، ونقطةَ انعطاف في دنيا الناس من حيث الدراسات والبحوث التي أُنجزت من جهة، ومن جهة أخرى من حيث وسائله وتقنياته، وكان لهذين البعدين الأثر الأساس والدور الهام في تطوّر شبكة العلاقات الإنسانية، والتحكّم في فنون الاتّصال ومهاراته، ودراسة الجمهور وقياسه، والإعلان وأشكاله، والدعاية وأنواعها، والإخراج وصنوفه، والدراما وآثارها، والرقميات وتقنياتها.
وأضاف الباحث: أنّه من المجالات المهمة والأساسية في الإعلام والاتّصال مهمة التأسيس والتنظير والتعقيد، حيث كان الإعلام مسمى يمارس بمعناه الاتّصال الى ظهور الطباعة التي حوّلت الإعلام من مسمى وممارسة الى اسم وفن وعلم وممارسة.
وبظهور الطباعة في الغرب وأثرها في تطوّر تكنولوجيا الاتّصال وفي عصر النهضة الأوروبية التي أسّست للعلم ونظرياته وفرضياته ومناهجه، كان للإعلام والاتّصال الاهتمام الكبير في عملية التنظير والتأسيس. وقد رصده الباحثون الغربيون - في غياب الرؤية العربية الإسلامية لاعتبارات واقعية وموضوعية - من حيث تتبّع ظواهره وآثاره، فظهرت بعض النظريات الابتدائية في فهم سلوك الجمهور تجاه وسائل الإعلام، وتطوّرت بحسب الفرضيات الموضوعة والبيئة والظروف.
جاء بعده دور الباحث العراقي الأستاذ الدكتور المساعد (حيدر مصطفى هجر) من (جامعة ذي قار - كلية الآداب) وكان بحثه بعنوان: (مصطلح التفسير وإشكالياته) وقد بين فيه قائلاً:
لم يختلف اللغويون في معنى التفسير، فقد جاء على معنى واحد وهو الكشف والبيان والإيضاح، ولكن اختلف المفسّرون في معناه اصطلاحاً، فبعضهم يعرّفه تعريفاً غير جامع، وبعضهم يعرّفه تعريفاً غير مانع، ولأجل التوصّل الى معطيات صحيحة تساعد في معرفة تعريف التفسير، وتقييم تلك التعاريف، قام الباحث باستعراض مجموعة من التعريفات لمفهوم التفسير عند مجموعة من المفسّرين قديماً وحديثاً، ثمّ قام بتحليل تلك التعاريف، فتوصّل الى مجموعة من المعطيات هي:
1- التفسير علم لأنّه يحتوي على العناصر الموضوعية.
2- التفسير هو استخدام مجموعة من الآليات والقرائن من داخل النص وخارجه.
3- التفسير أسلوب وفن وطريقة عرض للتبيين والإقناع، يعتمدها المفسّر في بيان ما تحصل عليه من قناعات للمتلقي.
4- التفسير بوصفه محصّلة للعملية التفسيرية هو ما استقرّ عليه رأي المفسّر بعد البحث التخصصي، فهو على هذا يكون بمعنى اسم المصدر.
وللتفريق بين مصطلحات الشرح والفهم والتفسير وعدم الخلط بينها، قام الباحث بتوضيح العلاقة بين الفهم والتفسير، والشرح والتفسير بعد أن ذكر المعاني اللغوية والاصطلاحية للفهم وللشرح، ومن خلال هذا توصّل الباحث الى أنّ للعلماء اتّجاهات في بيان العلاقة بين الفهم والتفسير والعلاقة بين الشرح والتفسير.
واختُتِمت هذه الجلسة ببحثٍ حمل عنوان: (إشكالية ترجمة المصطلح القرآني في ترجمات معاني القرآن الكريم الى اللغة العبرية.. أسماء السور القرآنية أنموذجاً) للأستاذ المساعد الدكتور ستار عبد الحسين جبار الفتلاوي من جامعة القادسية كلية الآداب، تناول فيه ما يلي:
أسماء السور القرآنية وترجمتها في الترجمات العبرية لمعاني القرآن الكريم.
وقد اختار من الترجمات العبرية الأربعة المطبوعة ترجمتين (الأقدم والأحدث) وهي ترجمة العالم الألماني اليهودي تسيفي حاييم ريكندورف عام (1857م) والعالم اليهودي اوري روبين عام (2005م)، حيث سلّط الضوء في البداية على معنى الترجمة والمصطلح لغة واصطلاحاً، والقرآن الكريم عند اليهود، والترجمات العبرية لمعاني القرآن الكريم، وإشكاليات ترجمة أسماء السور القرآنية في ترجمتي ريكندورف واوري روبين ودراستها لغوياً، ويتّضح منها أهمية دراسة المصطلح القرآني، فمعرفة معاني أسماء السور القرآنية يساعد على فهم المعنى المطلوب ويختصر المسافة الطويلة في ا