النهضة الحسينية الخالدة
30-12-2018
صالح الطائي
النهضة الحسينية الخالدة
في معمعة التخبط السياسي والطائفي التاريخي لتشويه الحركة الحسينية الجبارة، نجد هناك من ادعى بأن الحسينعليه السلام قتل بسيف جده، وهذا هو الوهم الأكبر، والمصادرة الحقيقية لمباني عقيدة الإسلام التي تأمر بالأمر بالمعروف، فالحسين في خروجه المبارك، كان يحمل رسالة جده، وسيف جده، ومنهج جده، وطريقة جده، وإصرار جده، ورغبة جده في إصلاح الكون كله وليس العرب وحدهم.
ولكن السياسة القبيحة، وتكالب السياسيين على الدنيا، هو الذي حاول سلب مواصفات نهضة الحسين القرآنية، ليتحول الحسين بنظرهم إلى خارج على القانون، ومفرق للجماعة التي أفهموا الناس أن الفاسق الفاجر شارب الخمر الذي يجمعها، أفضل من الإمام العالم العامل المعصوم الذي يبغي إصلاحها..!.
واليوم بعد أربعة عشر قرناً على تلك الملحمة الخالدة، فشلت تلك المزايدات العارية، وأصبح يقينا أن الحسينعليه السلام خرج ليعيد الأمة إلى الطريق القويم، وان الحسين تحول إلى ملهم للمصلحين عبر العصور.. ومن يعتقد يقينا أن (كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء)، ويعتقد جازما أن (في كل عصر حسين، ويزيد) يجب أن يعتقد أن المصلح الذي يتأسى بالحسين ويحمل فكره، ويعمل وفق منهجه يجب أن تنصره الأمة ولو بكلمة، وذلك أضعف الإيمان.
ووفق هذه المعايير، أرى أن أفضل وصف يطلق على حركة الحسينعليه السلام هو اسم (النهضة)، لسبب بسيط، وهو أن النهضة تحتاج إلى تخطيط سلوكي وعقدي بأسلوب سلمي مقروناً بحراك ضاغط من أجل التغيير، والناهضون يسعون إلى استنهاض الناس، وتحريكهم، وإخراجهم من حالة الجمود واليأس والخمول.
فضلاً عن ذلك، تسعى النهضة وراء مصلحة الناس بمجموعهم، وليس مصلحة فئة محددة أو حزب أو جماعة.. وتحتاج النهضة إلى تضحية كبيرة تصل أحيانا إلى درجة التضحية بالنفس والأهل، وهذا يتبين من معرفة معنى النهضة لغوياً، إذ جاء في لسان العرب: النهوض: البراح من الموضع والقيام عنه، وأنهضته فانتهض، واستنهضه لأمر كذا: إذا أمره بالنهوض. وجاء في المنجد في اللغة: نهض بمعنى قام، والنهضة: التجدد والانبعاث بعد تأخر وركود.. وهذا ما كان عليه الحسين وما سعى إليه.
أما الثورة فهي نمط آخر للتغيير يتصف بالفجائية والكلية، وغالباً ما يرافقها العنف والشدة، وعادة يسعى القائمون بها لاستلام الحكم، ويتجنبون الموت ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.. كما أنها أمر عام، يمكن لأي جماعة تملك المقومات أن تقوم بها في إطار الدائرة الإنسانية، والثورات في تاريخنا لا تحصى، ولكن الأعم الأغلب منها لم تنجح في أن تتحول إلى عِبرة ودرس تستلهم منه الأجيال مقومات التحرك والنهوض.
بقي أن نعرف أن الإصلاح لا يمكن أن ينجح إذا لم يرتكز على سلوكيات نبيلة، والإمام الحسينعليه السلام كان الأنبل في زمانه، والمرشح الأمثل لرفع راية الإصلاح والقيام بالنهضة الإصلاحية لإعادة المجتمع إلى الطريق القويم، ولا يمكن لمصلح حقيقي أو داع للإصلاح أن ينجح في سعيه، إلا إذا اتخذ الحسين دليلاً وهادياً.