المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة يلتقي بعوائل وذوي شهداء تفجير مدينة الكرادة

30-12-2018
طارق صاحب الغانمي
بقلوب يعتصرها الألم والأسى
المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة
يلتقي بعوائل وذوي شهداء تفجير مدينة الكرادة الغادر
في صورٍ لا يسع الإنسان إلا أن يقف مذهولاً أمامها؛ لما تحمل من ألم فظيع وعمل شنيع، شباب بعمر الورد وأطفال وعائلات بأكملها أُبيدت من الوجود، وليس لها ذنب إلا أنها ذهبت للتسوق والتبضع تهيؤاً لعيد الفطر المبارك.. لذا استضافت العتبة العباسية المقدسة لمدة يومين عوائل وذوي شهداء فاجعة الكرادة الأليمة التي راح ضحيتها في نهاية شهر رمضان المبارك السابق مئات من الشهداء الأبرياء والجرحى، مما خلف الكثير من الثكالى والأرامل واليتامى في جريمة مروعة لم يشهد مثلها التاريخ الإسلامي الحديث.
وكان في استقبال هذه العوائل المفجوعة المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزه)، الذي جدد تعازيه ومواساته إليهم من خلال كلمة ألقاها عليهم في قاعة التشريفات في الصحن العباسي المطهر.
ثم بين قائلاً: إن الإمام الحسين عليه السلام يمثل عقيدتنا وهو الإمام المعصوم والمفترض الطاعة، وكل واحد منا يشعر أنه لو كان في زمانه لذهب إليه يقبّل أقدامه نتيجة رسوخ عقيدة محبة أهل البيت عليهم السلام في نفوسنا وعقولنا، ولكن ما الذي حصل في يوم عاشوراء؟ وكيف كان المشهد العاشورائي؟ كانت معه طفلة وزوجة وأخت، ومجموعة نساء، وأخوه أبو الفضل العباس عليه السلام ، وبقية إخوته وأولاده عليهم السلام ، ومعه مجموعة من خيرة الأنصار، هذا هو الفرق بيننا وبينهم، أنهم عندما جاؤوا مع الإمام الحسين عليه السلام خصوصاً عندما وصلوا إلى كربلاء وعلموا أن المسألة لا خلاص فيها من الموت، حيث تيقنوا أن مسألة الموت هي أيام ولكن لا يعلمون أي يوم، فهذه الحالة النفسية التي شعروا بها أي أنه بعد يومين أو ثلاثة أيام سيموت، يعني يشاهد طفلة أمامه، وهو يعلم أن هذه الطفلة سيفارقها، ويشاهد زوجته وهو يعلم أنه سيفارقها، مع كل هذه المشاهد، فكان عندهم إيمان وعقيدة حاضرين.
مضيفاً: مهما بلغنا من يقين العلم إلا أننا لا نستطيع أن نفهم شخصية الإمام الحسين عليه السلام ، فالإنسان إذا فهم هذه الشخصية يتألم بمقدار فهمه لها، لكن بالنتيجة لا نستطيع أن نفهمها الفهم الحقيقي، قدراتنا لا تتيح لنا أن نفهم شخصية عظيمة كشخصية سيد الشهداء عليه السلام نبكي ونحزن، لكن نحن لا نعرفها ونحيط بها.
وكانت في يوم عاشوراء شخصية واحدة تفهم شخصية الإمام الحسين عليه السلام وهو الإمام السجاد عليه السلام ، كم هو الألم الذي أصابه وأصاب العائلة، ولكن ليس كألم الإمام السجاد عليه السلام ؛ لأن إدراكه يفوق إدراك البقية فهو من كان يفهمها.
موضحاً: إن السيدة زينب عليها السلام عالمة غير معلمة، ولكن عندما استشهد الإمام الحسين عليه السلام أخبرها الإمام السجاد عليه السلام بأن ذلك رأس أبي، وبدأ الجيش الأموي عملية الانتقام بحرق الخيام، هذه الأحداث لم تثن عزيمته، وبقي صابراً محتسباً؛ لأنه هو الإمام الوحيد الذي يعلم مقام والده، وكان يعلم جسارة ما صنع هؤلاء الأعداء.
وأشار سماحته: إن زيارة عاشوراء تبين أن مصيبة الإمام الحسين عليه السلام هي مصيبة السماوات والأرض، هذا المقدار من المشهد الذي عرضناه بالمشهد الطبيعي لو فرضنا نحن الآن في عصر عاشوراء ماذا نرى؟ سنرى جثثاً غير محترمة، الخيل تطأها، نرى نساء وأطفالاً سبيت ونرى أطفال تتباكى، ونرى إماماً عليلاً مريضاً، ونرى امرأة كبيرة في السن تحاول أن تلملم العائلة، بحسب الظاهر هذا المشهد محزن، بالمقابل نرى جيشاً قوياً قتل الإمام الحسين عليه السلام ظاهراً واستحوذ على معسكره، يضحكون ويمرحون ويتفاخرون إنهم قتلوه عليه السلام ، ثم بعد ذلك تركوا الجثث على الأرض ليبشروا أنهم قتلوا الإمام الحسين عليه السلام ، هذا مشهد محزن جداً، وحال الإنسان يتألم مع هذه العائلة التي لم تذهب بوقار ما كانت عليه من قبل شهادة الإمام الحسين عليه السلام ، بل ذهبت بسبي وشتيمة الأب والأخ، والأعداء يعرّفون الإمام الحسين عليه السلام أنه خارجي، هذا المنظر لو نشاهده الآن يتعبنا ويؤلمنا كثيرا فالإمام الرضا عليه السلام يقول: (إن يوم الحسين أقرح جفوننا).
متابعاً: إن الإمام السجاد والسيدة زينب عليهما السلام على بصيرة من أمرهم، يعلمون هذا المشهد بشكل تام، حاول المقابل أن يذلهم فما استطاع، الإمام بدأ يخطب بدأ يتحدث عن قضايا مرتبطة بالله تعالى لم يكذبه أحد، ومولاتنا زينب عليها السلام عندما خطبت وتكلمت وعدتهم بعقوبة الله تعالى، مضت الأيام والليالي، الآن أقوى شخصية في العالم هي الإمام الحسين عليه السلام ؛ بسبب التضحية الكبيرة التي أقدم عليها مع عائلته، وعليه نحن نشعر بالفخر للانتماء لسيد الشهداء عليه السلام .
الآن في هذا المصاب الذي آلمنا وآذانا لاشك نحن نحزن ونبكي، لكن لا نقول ما يسخط الله تعالى، هذه الأشياء التي حدثت وذكرياتكم مع محبيكم ذكريات مؤلمة، وقد يكون بعضكم لا زال يبكي وهذا حق؛ لأن الذي فقد عزيز علينا، لكن هذه ليست نهاية المشهد، فاستهدافكم بهذه الطريقة قطعاً فيه لمسة طائفية، واستهدافكم ليس من أجل أشخاص، بل من أجل ما تحملون في قلوبكم وهو الارتباط المباشر بأمير المؤمنين وبسيد الشهداء عليهما السلام ، وهذا يدل على قضية هي أن الذي أقدم على قتل الطفل الرضيع عند الحسين عليه السلام هو عينه الذي أقدم على قتل أبنائنا.
مؤكداً (دام عزه): سترون ذلة هؤلاء بشكل يولد عندنا الحالة التي نراها الآن في حكومة سيد الشهداء عليه السلام ، انتهى ذلك العنفوان والطغيان نحن بحمد الله تعالى ورثة ذلك المنهج منهج سيد الشهداء عليه السلام ، وهو منهج يرتبط مباشرة بالله تعالى والنبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم ، وأمير المؤمنين عليه السلام ، منهج دفع ضريبته الإمام الحسين عليه السلام ، ونحن الآن نفتخر أننا ندفع ضريبة هذا المنهج.
مخاطباً العوائل: الآن هناك رجال دين في جبهات القتال، وهناك حالات لأناس في منتهى العوز والفقر، لكن فيهم الروح، وسماحة المرجع الديني يقول: (أنا عندما أمر بهم أتذكر دائماً أصحاب الحسين عليه السلام )، هؤلاء الآن يندفعون إلى الموت بكل قوة، وحقيقة لا يبالون بما تركوا من أولاد وزوجات وإخوة، بالنتيجة الموت حق يأتي علينا جميعا اليوم أو غداً، لكن الإنسان عندما يصل إلى الاستهداف؛ لكونه محباً لأمير المؤمنين عليه السلام هذا شيء كبير ويجعلنا نتمسك بهذا المنهج.
الآن أنتم في الدعاء وفي الزيارة حاولوا أن تبينوا هذا الموقف في داخلكم أنه يا أمير المؤمنين (عليك السلام) إنما استهُدفنا لكوننا من مواليك، فلا تتركنا يوم القيامة، نعم نحزن ونبكي ونتألم، لكن لن يفتوا من عضدنا، فالسيدة زينب عليها السلام عندما ذهبت إلى جسد أخيها الإمام الحسين عليه السلام قالت: (اللهم تقبل منا هذا القربان)، نحن أيضاً نقول: اللهم تقبل منا هذه القرابين، واجعلها ذخراً لنا يوم القيامة، واجعلنا نصبر ونزداد إيمانا.
واختتم السيد الصافي قائلاً: مدينتكم مدينة مباركة مدينة عتيدة في ولائها لأهل البيت عليهم السلام ، وإن شاء الله تعالى يجبر بخاطركم ويسددكم لما فيه خير الدنيا والآخرة، ونحن نستمد العزيمة من صبركم أمهاتنا الكريمات وأخواتنا آبائنا وإخواننا، كل هذه الأشياء ستكون رفعة لكم والله تعالى يقلب على رؤوس هؤلاء المجرمين، ويجعلهم أذلاء إلى الأبد إن شاء الله تعالى، الإنسان قد يرى المصيبة كبيرة ويتكلم كلاماً يخرجه عن الأجر - لا سمح الله - ولكن عندما يرجع إلى نفسه يستغفر الله تعالى، فالله تعالى أرادهم بهذه الطريقة يرفرفون بأجنحتهم وأرواحهم، ويكونون شفعاء لنا ولكم يوم القيامة.
ومن جانبهم جدد أهالي الضحايا أمام المتولي الشرعي (دام عزه) مطالبتهم بأن تسرع وزارة الصحة العراقية بإجراءات تسليم ما تبقى من جثث ضحاياهم؛ ليتسنى لهم دفنهم وإجراء باقي المراسيم.