وفد رفيع المستوى يشارك الموالين احتفالية مهرجان الغدير
30-12-2018
طارق الونداوي
وفد رفيع المستوى من العتبة العباسية المقدسة
يشارك الموالين احتفالية مهرجان الغدير
السنوي الخامس في مدينة النجف الأشرف
ضمن أيام الفرح والسرور التي تمر على أتباع أهل البيت عليهم السلام ؛ احتفاءً بعيد الله الأكبر عيد الغدير المبارك؛ شارك وفد رفيع المستوى من العتبة العباسية المقدسة ترأسه الأمين العام المهندس محمد الأشيقر (دام تأييده) احتفالية افتتاح مراسيم مهرجان الغدير السنوي الخامس في النجف الأشرف، الذي تقيمه وترعاه العتبة العلوية المقدسة سنوياً، وأقيم في هذه السنة لأول مرة في رحاب صحن فاطمة عليها السلام بمشروع التوسعة الجديدة.
وقد شهد الحفل حضوراً بهياً من قبل أمناء العتبات المقدسة في العراق (العلوية والحسينية والكاظمية والعباسية)، ورئيس ديوان المزارات الشريفة، وممثلين عن ديواني الوقفين الشيعي والسني، ومحافظ النجف الأشرف، ووزيري التعليم العالي والبحث العلمي والعدل، والوكيل الأقدم لوزارة الثقافة، ورئيس هيأة المواكب الحسينية، وعدد من مسؤولي الدوائر الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، ونخبة من شيوخ ووجهاء العشائر العراقية.
استُهل الحفل المبارك بقراءة آيً من الذكر الحكيم، تلاها على أسماع الحاضرين مقرئ العتبة العلوية المقدسة فضيلة الشيخ جاسم النجفي، بعد ذلك قراءة السورة المباركة الفاتحة على أرواح شهداء العراق والحشد الشعبي والقوات المسلحة.
ثم جاءت كلمة الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة للعلوية ألقاها الأمين العام سماحة السيد نزار هاشم حبل المتين (دام عزه) والتي جاء فيها:
سلامٌ من بقعة السلام ودار السلام، من ذكوات العصمة والحكمة والرحمة، سلامٌ عليكم وأنتم في رحاب باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، ومعدن العلم والحلم والجود والكرم والفصاحة والسماحة، نغترف جميعاً من نمير غدير الحبّ والسلام، نروي به ظمأ نفوسنا وعطش أرواحنا، لتبتل بها عروق مشاعرنا في يوم هو يوم الولاية، وعيد هو عيد الله الأكبر، اليوم الذي اقترن بأمير النحل علي عليه السلام .. قال الله تعالى في كتابه الكريم: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
نستذكر اليوم موقف النبيّ الأعظم صلى الله عليه واله وسلم في عودته من حجة الوداع، حينما نزلت عليه هذه الآية الشريفة، حيث أوقف النبيّ صلى الله عليه واله وسلم مائة ألف من المسلمين أو يزيدون كانوا قد حجوا معه حجة الوداع ذلك العام، حتى بلغوا منطقة تدعى (غدير خم)، حيث مفترق طرقهم إلى موطنهم، نادى مناديه أن يرد المتقدم، وينتظر المتأخر حتى يلحق، ثم قام فيهم خطيباً وهو آخذٌ بيد سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى..! قال: "من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) (دلائل الإمامة للطبري الإمامي:18).
وقد جعل الله تبارك وتعالى هذا اليوم عيداً؛ لما فيه من الفضل والكرامة، حتى قال فيه أمير المؤمنين وسيد الوصيين (صلوات الله عليه): (إن هذا يوم عظيم الشأن، فيه وقع الفرج، ورفع الدرج، وصحت الحجج، وهو يوم الإيضاح والإفصاح عن المقام الصراح، ويوم كمال الدين، ويوم العهد المعهود، ويوم الشاهد والمشهود، ويوم تبيان العقود عن النفاق والجحود، ويوم البيان عن حقائق الإيمان، ويوم دحر الشيطان، ويوم البرهان، هذا يوم الفصل الذي كنتم توعدون، هذا اليوم الملأ الأعلى الذي أنتم عنه معرضون) (مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب:2/243).
مضيفاً: لعل هناك سؤالاً يستثير العقل هنا: ما هو السرّ الذي جعل من هذا اليوم يوماً مباركاً كهذا؟ ولِمَ صار له كل هذا الفضل؟ ولماذا صار لهذا الحدث من الأهمية بمكان جعل النبي صلى الله عليه واله وسلم يهتم به إلى هذه الدرجة ويوليه هذه الأهمية؟ ولماذا أكد عليه أئمتنا المعصومون عليهم السلام ، بل واهتم به جميع من بعثه الله تعالى واتخذه عيدا وعرف حرمته؟
وفي معرض الإجابة يمكن أن يقال: لم يكن هذا اليوم المبارك هو مجرد حدث عابر، ولم يكن ليكتسب كل هذا الفضل والأهمية لولا أن لهذا الحدث أبعاداً واسعة باتساع التاريخ، ويكفي في ذلك أن الله تعالى عبّر عنه بإكمال وتمام النعمة.
مشيراً: إن النبي صلى الله عليه واله وسلم في ذلك اليوم المشهود قدم للمسلمين والبشرية كافة أنموذجاً إلهياً كاملاً، ليأخذ بهم إلى جادة الهدى والرشاد، ويجنبهم الوقوع في الغواية والضلال، ويسلك بهم المحجة البيضاء، وكان به عليه السلام تمام الدين، إذ لا يمكن أن يكون الدين كاملاً من دون وصيّ وحجة لله تبارك وتعالى يقوم مقام النبي صلى الله عليه واله وسلم، فيدلهم على الصواب في الوقائع الحادثة، ويرشدهم إلى كل ما يحتاجونه من أمور دينهم ودنياهم.
وقد كان أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) هو ذلك الوصيّ، وهو ذلك الصراط المستقيم الذي ينجو كل من تمسك به، وهو العروة الوثقى التي لا انفصام لها.
وهو صلوات الله وسلامه عليه يحدثنا قائلاً: (إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أمرني في حياته على جميع أمته، وأخذ على جميع من حضره منهم البيعة والسمع والطاعة لأمري، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ذلك، فكنت المؤدي إليهم عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أمره إذا حضرته، والأمير على من حضرني منهم إذا فارقته، لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شيء من الأمر في حياة النبي صلى الله عليه واله وسلم ولا بعد وفاته.
حتى أن بعض الصحابة كان يقول: إن بايعوا أصلع بني هاشم (يقصد علي بن أبي طالب عليه السلام ) حملهم على المحجة البيضاء، وأقامهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم.
فكانت تلك سمة أمير المؤمنين وسيد الموحدين، يسهد بها صحابة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والمسلمون.
موضحاً: وقد كان مولانا (صلوات الله عليه) بعد أن آلت الخلافة الظاهرية والحكومة إليه حتى ضرب أروع المثل العليا في العدل، ومثل سيرة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أروع تمثيل، وبسط البر والخير على جميع الرعية، فكانت حكومته عليه السلام ، على رغم قصر مدتها وكثرة الصعاب ووقوع الحروب فيها، حكومة عجزت جميع الأنظمة أن تلد نظيرتها.
لقد كانت حكومة أمير المؤمنين عليه السلام الحاكم المعصوم، الذي لا يغلبه الهوى، ولا يقوده الجشع إلى شيء من حطام الدنيا التي طلقها ثلاثاً، وهو القائل عليه السلام : هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طعام له في القرص، ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطاناً، وحولي بطون غرثى وأكباد حرى.
وفي تعبيره عليه السلام بـ(لعل) إشارة إلى انعدام ذلك أو شبه انعدامه، فلا فقر في حكومة الإمام، ولا بطالة، ولا نقصاً في الأموال والثمرات.
متابعاً: كان أمير المؤمنين عليه السلام يجسد الإنسانية بأروع صورها، فلم تكن تلك الخيرات ينعم بها أصحابه وشيعته والمقربون منه وحاشيته فقط، بل كانت تعمّ كل إنسان يعيش في ظل تلك الحكومة المثالية، ويكفي في ذلك ما يحدثنا التاريخ به من أن أمير المؤمنين عليه السلام مرّ بشيخ مكفوف كبير يسأل: (أي: يستجدي ويطلب من الناس)، فقال عليه السلام : ما هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، نصراني، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لقد استعملتموه، حتى إذا كبرَ وعجز منعتموه..! أنفقوا عليه من بيت المال.
فأي صورة للإنسانية أروع من هذه الصورة الناصعة؟ وأي مواطنة أبلغ من هذه المواطنة التي يضمن بها المواطن حقه مهما كان دينه وانتماؤه؟ وهل هناك مثال أفضل من هذا ليحتذي به في حقوق الإنسان، وحرية المعتقد، وقبول الآخر؟
أجل لقد كان أمير المؤمنين علي عليه السلام التجسيد الحقيقي والتطبيق العملي للقرآن وللحق، بل كان هو القرآن الناطق بين الناس، وكان هو مع القرآن والقرآن معه، وكان هو مع الحق والحق معه، يدور معه حيثما دار.
مختتماً: إن احتفالنا واحتفاءنا بهذا اليوم الميمون هو احتفاء بجميع القيم والمناقب لأمير المؤمنين عليه السلام ، كما أمرنا النبي صلى الله عليه واله وسلم بالتمسك بولايته عليه السلام هو أمرٌ بالتمسك بكل المُثل العُليا للإسلام.
وكل هذا يدعونا للفخر والاعتزاز بوليّنا وإمامنا، ويحثنا على السير وفق نهجه القويم وصراطه المستقيم، وأن نحذو حذوه قدر ما نستطيع، ومن الله التوفيق.
ثم ارتقى المنصة سماحة العلامة السيد سامي البدري التي ألقى فيها كلمة عقائدية استعرض فيها مناقب أمير المؤمنين عليه السلام ، ودوره في إعلاء كلمة الحق، وإرساء دعائم الدين الإسلامي؛ كونه وزيراً للرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم، ووصياً له على أمته من بعده.
وتخللت الحفل فقرات أخرى منها تكريم مؤسسة المواكب الحسينية عدداً من مسؤولي العتبة العلوية المقدسة، وعلى رأسها الأمين العام لدعمه المستمر للمواكب الحسينية وإقامة الشعائر خلال مختلف المناسبات في أيام السنة.
كما تضمن الحفل إلقاء قصيدة للشاعر حيدر رزاق شمران الكعبي لينشد فيها حب أمير المؤمنين عليه السلام ، وانتصارات الحشد الشعبي والقوات الأمنية البطلة، وأيضاً كان هناك دور لفرقة إنشاد العتبة العلوية المقدسة التي تغنت بيوم الغدير الأغر وبصاحب الذكرى عليه السلام .
ليختتم الحفل المبارك بتكريم أمناء العتبات المقدسة، وبضمنهم الأمين العام للعتبة العباسية المقدسة، وعدد من الشخصيات التي حضرت إلى هذا الحفل البهيج.