المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا تُواصلُ تناوُلَها لقصص القرآن الكريم التي فيها الكثير من العِبَر

30-12-2018
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا تُواصلُ تناوُلَها لقصص القرآن الكريم التي فيها الكثير من العِبَر خصوصاً فيما يتعلّق بمسألة الافتتان بالمال..
واصل ممثّلُ المرجعيّة الدينيّة العُليا سماحةُ السيد أحمد الصافي(دام عزّه) في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة (14ذي الحجّة 1437هـ) الموافق لـ(16أيلول 2016م) التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف بإمامته، تناوُلَ قصص القرآن الكريم التي فيها الكثير من العِبر والحِكم، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة الافتتان بالمال، مستكملاً أحداث القصّة التي ذكرها القرآن الكريم والتي وقعت في زمن نبيّ الله موسى عليه السلام ، وهي قصّة قارون، حيث قال:
إخوتي أخواتي.. ذكرنا فيما سبق قصّةً عن مسألة الافتتان بالمال، وذكرنا أنّ القرآن الكريم عرّج على شخصيةٍ أُعطي صاحبُها مالاً كثيراً، وعبّر عنه القرآن الكريم بتعبيراتٍ مَضَتْ، لكنّه أُصيب بالغرور، وأيضاً كان فتنةً لصنفَيْن من الناس، صنفٌ تمنّى أن يكون على شاكلته، وصنفٌ من الذين أوتوا العلم كانوا يتميّزون بالعقل والسكينة، ويعرفون أنّ هذا ليس هو مقياسُ الشخصيّة، وهذا الشخص هو قارون، القرآن الكريم يقول: إنّ قارون هذا كان في مجموعةٍ طيّبة: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ..) معنى ذلك أنّه تجاوز الحدود وبغى.
قارون كان يعتقد أنّ نقصه هو المال، فإذا كان عنده مال أكثر، فهو لابُدّ أن يكون شخصيّةً كبيرة، وهذا حتى في زمن موسىعليه السلام عندما دخل موسى وهارون على فرعون، أمير المؤمنينعليه السلام له خطبةٌ في هذا الجانب يقول: دخلا على فرعون وهما يلبسان الصّوف، فاستصغر فرعونُ موسى وهارون، أهذان يهدّداني بملكي؟ من أنتما؟. لماذا؟ لأنّ فرعون يرى أنّ القيمة الحقيقية ليست في هؤلاء، فهو يراهما فاقدين للقيمة الحقيقية التي تمثّل عنده القصر والمال والذهب.
في زمن النبيّ صلى الله عليه واله وسلم أيضاً أهل مكّة اعترضوا، كيف يجعل الله محمداً صلى الله عليه واله وسلم هو النبيّ، وإلّا كان ينبغي أن يكون رجلاً عظيماً: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ).
الأمّة عندما تفقد الموازين في تقييم الأشخاص، حقيقةً يصعب أن يجد الحقّ له طريقاً وسط هذه الجعجعة، ووسط هذا الحضور الوهميّ.. الأمّة كانت في زمن قارون أمّة لم تفهم الحقائق، وعُذِّب موسى عليه السلام من أمّته عذاباً شديداً، الله تعالى ابتلى أمّته بابتلاءات من الصعب أن يتحمّلها شخص لولا أنّ موسى نبيّ من الأنبياء.
قارون احتال على الأمّة، وأراد أن يُبيّن أنّ العلم الذي عندي هو الذي جاءني بهذه الأموال: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ...) طبعاً هذه الزينة عند البعض هناك مناقشة في المفردات في الظهور، منهم يقول: "في" بمعنى "مع" والبعض يقول: "في" باقية على الظرفية، الشاهد أنّ قارون خرج على قومه في زينته، وطبعاً هذا الخروج هو خروج احتفال، وأراد أن يسرق الأضواء يقول في نفسه: هذه هي القيمة الحقيقية، قال: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ...) هنا جاء الابتلاء والافتتان: (...قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ..) هذا الذي عند قارون شيءٌ مفخرةٌ عندهم فهم يُريدون هذا الشيء الظاهريّ، ولم يكتفوا بذلك وإنّما نعتوه بنعتٍ قالوا: (...إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) ليس هذا فقط، وإنّما هذا عنده شأنيّة، وهو عظيم أنّه يأتي بهذه الأموال..!
لا شكّ أنّه لا يخلو الحال من بعض العقلاء، سواءً سمع الناس كلامهم أم لم يسمعوا، لكن بالنتيجة الإنسان عليه أن يُبيّن عليه أن يوضّح أنّ هذا ليس هو مقدار القيمة: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا...) لاحظ الخطاب!! أهلُ العلم لم يُخاطبوا قارون؛ لأنّ هذا القارون لا يسمع كلاماً بعد، جَمَع من الأموال ما وصلت الى أُذنه فسدّتها عن الحقّ، لكن الكلام مع الذين يُريدون أن يكونوا مثله، عسى هذا الكلام أن ينفع ولا يكونوا مثل قارون: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ..) لم يقولوا: ويلك يا قارون؛ لأنّ قارون انتهى خَرَج عن أن يسمع: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي..) وانتهى المطلب.
إذن، هؤلاء افتتنوا بمجرّد أن رأوا هذا السلطان عند القارون، وتمنّوا أن يؤتوا مثلما أوتي قارون، فنبّه أهلُ العلم أهلُ البصيرة أهلُ التقوى نبّهوا هؤلاء أنّه ويلكم انتبهوا، إنّ هذا عبارة عن شيءٍ زائف، ماذا كانت النتيجة؟ (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ) أي خسفنا بقارون.
أسأل الله سبحانه وتعالى بمحمد وآله أن يحمينا جميعاً ويفتح لنا فتحاً يسيراً ومبيناً، ويرينا في بلدنا وبلاد المسلمين كلّ خير وعافية وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.