المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا: قصص القرآن الكريم فيها الكثير من الحِكَم التي يجب الاعتبار بها..
30-12-2018
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا:
قصص القرآن الكريم فيها الكثير من الحِكَم
التي يجب الاعتبار بها..
تناول ممثّل المرجعية الدينيّة العُليا سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه) في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة (29ذي القعدة 1437هـ) الموافق لـ(2أيلول 2016م) التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف بإمامته جانباً من قصص القرآن الكريم التي فيها الكثير من العبر والحِكَم، مؤكّداً على ضرورة الاعتبار بها لكونها تؤثّر على السلوكية، مستشهداً بقصّةٍ يستفيد منها الأخلاقيّ والغنيّ والفقير وقعت في زمن نبيّ الله موسىعليه السلام وتناولها القرآن الكريم حيث قال:
إخوتي أخواتي لا شكّ أنّ القرآن الكريم فيه عبرٌ كثيرة وفيه قصصٌ وفيه حكمة وفيه أوامر وفيه نواهي، وبالنتيجة هو تبيانٌ لكلّ شيء، لعلّ القصة التي يتناولها القرآن الكريم قصّةٌ تهدف الى مسألةٍ مهمّة وهي العِبرة، وإنّ في القصص التي يذكرها القرآن الكريم عبرةً كبيرةً لنا، فتجد مثلاً إبراهيم عليه السلام - وهو خليل الله تعالى - يجعل الله تعالى مقابله طاغية من الطغاة وهو النمرود، ويحاول أن يسخر عندما يفشل في الحجّة فيرمي ابراهيم في النار، لكنّ الله تعالى ينقذه، وهكذا بقيّة الأنبياءعليهم السلام .
اليوم نستعرض قصّة كانت في زمن نبي الله موسى عليه السلام ألا وهي قصة قارون، ماذا أراد القرآن الكريم أن يبيّن لنا في قصّة قارون؟ وقارون يمثّل الرمز لكلّ غنيّ ولكلّ من يكتنز المال، ويمثّل الرمز أيضاً لكلّ فاسدٍ بنصّ القرآن الكريم، وقارون هذا كان في حالةٍ من الزهو والغرور بحيث يرى أنّ ما فيه هو باستحقاقه، أيضاً في المقابل هناك طائفتان طائفةٌ أُعجبت بما عند قارون: (يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ)، وطائفةٌ أخرى تنبّهت أنّ هذا الذي عند قارون ليس هو مقياس القيمة الحقيقية لنا (قيمة كلّ امرئٍ ما يُحسن)، القرآن عندما يصوّر لنا قارون؛ لأنه يوجد من يتشبّه في زماننا هذا بقارون، النَفَسُ نَفَسٌ قاروني، لعلّ اسمه غير قارون لكنّ النّفَس هو نفسٌ قارونيّ.
القرآن يركّز على جانب من حياة قارون يقول هذا الجانب احذروا منه، فحياة قارون طويلة والقرآن لا يستعرض جميع حياة قارون، وإنّما بما يتعلّق بهذه الفقرة قال تعالى في الآية (76) من سورة القصص: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ).
إذن، هو من المجموعة التي آمنت بموسى، هو لم يؤمن لكن من هؤلاء القوم من بني اسرائيل، وبعض المفسّرين يقول هو من أقرباء موسى أصلاً، البعض يقول هو ابن خالته والبعض يقول ابن عمّه، نحن عرضنا بخدمتكم سابقاً ولا بأس بالإعادة قد تكون فيها فائدة، ذكرنا قضيّة النبيّ صلى الله عليه واله وسلم وكم من الناس كانوا له أعداء، والنبيّ جاهد ودافع عن الرسالة واستُشهِدَ من أهل بيته – حمزة - ومن أصحابه، وكانت له مجموعةٌ من الأعداء وكانوا منافقين لكنّ القرآن غالباً لا يذكر الأسماء مثال على ذلك: (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا..) أو (فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) القرآن حمى رسوله وذكر أبا لهب بالاسم، وهو عمّ النبيّ، لم يقل القرآن: تبّت يدا رجلٍ...، وإنّما ذكر أبا لهب حمايةً للنبيّ؛ لأنّ هذا من أهل بيت النبيّ وكلامه سيكون مسموعاً أكثر عند الأعداء، أبو لهب له خصوصية أخرى؛ لكونه من العائلة وحاول أن يشوّش على الناس فأنزل الله به سورة كاملة.
يأتي القرآن يستعرض قال: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ...) أي ظلمهم واعتدى عليهم، ما أُعطي قارون؟ لاحظوا قال: (...وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ...) ثم قال: (...إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ...) قضية أخلاقية، مع طغيانه لكن اجترأ عليه مَنْ أراد أن ينصحه: (...إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)
كان قارون لا يحبّ النصيحة بل يدافع عمّا عنده، القرآن يقول عن هذا القارون: (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا...) أولم يعلم هذا القارون أنّ الله قد أهلك وأباد وأفنى من قبله أي من قبل قارون مَنْ هو أشدّ منه قوّةً وأكثر جمعاً..؟
نسأل الله تعالى العصمة والتسديد والتوفيق، اللهمّ اغفر لنا ذنوبنا واغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، تابع اللهم بيننا وبينهم بالخيرات، اللهم أجبْ دعوتنا واحفظ بلادنا من كلّ سوء وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.