المرجعيّة الدينيّة العُليا... تتناول بعض الآيات القرآنية الشريفة التي تخصّ الأمور الاجتماعية

30-12-2018
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّة الدينيّة العُليا...
تتناول بعض الآيات القرآنية الشريفة التي تخصّ
الأمور الاجتماعية وتحتاج لبصيرةٍ وتركيزٍ فيها..
تناول ممثّلُ المرجعيّة الدينيّة العُليا سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه) في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة (15ذي القعدة 1437هـ) الموافق لـ(19آب 2016م) التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف بإمامته بعض الآيات القرآنية الشريفة التي لها علقة ببعض الأمور الاجتماعية، وقد ابتدأها بالآية الشريفة (152) من سورة الأنعام التي يوجد فيها ترابط ما بين بعض الظواهر الاجتماعية التي بيّنتها لنا الشريعة السماوية السمحاء، حيث بيّن قائلاً:
إخوتي أخواتي أعرض على مسامعكم الكريمة بعض ما بيّنه القرآن الكريم من الأمور الاجتماعية التي عادةً ما نحتاج الى البصيرة فيها والتركيز على هذه المضامين التي قد نُبتلى بها، وفعلاً قد ابتلينا بها، قال الله تبارك وتعالى في سورة الأنعام الآية (152): (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)..
يقول القرآن: لا تقربْ مال اليتيم إلّا بالتي هي أحسن، ولابُدّ أن نفي بالكيل والميزان ونتعامل معهما بالقسط والعدل، وثالثاً إذا أردنا أن نقول لابُدّ أن نقول بالعدل حتى وإن كان المقول فيه ذا قربى لي، هذه ثلاثة أشياء ذكرتها الآية الشريفة في هذا المعرض.
الموضوع الأوّل: قال الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ...) أنا فقط أبيّن قضية لطريقة القرآن الكريم في عرضه لبعض الموارد التي فيها خطورة، تارةً القرآن يقول: (لا تأكل مال اليتيم) كما هو في آيات أخرى، وتارةً القرآن يقول (لا تقرب مال اليتيم) كما يقول (لا تقربوا الزنا)، هذا النهي عن أصل القرب من الفعل يدلّ على أنّ ذلك الفعل فيه مشاكل كبيرة وخطيرة، اليُتْم ابتلاء المجتمع به وليس ابتلاء الشخص نفسه.
إخواني التفتوا اليُتْم ليس عيباً، وإنّما اليُتْم هو حالةٌ من ابتلائنا تجاه اليتيم، ولذلك جاء الخطاب ليس لليتيم باعتباره صغيراً بل الخطاب لنا، قال (لا تقربوا) المخاطَب لابُدّ أن يكون عاقلاً رشيداً حتى يتوجّه له الخطاب، مال اليتيم لا تقربْه إلّا بالتي هي أحسن لأنّك أمينٌ على مال اليتيم، وواضح أنّ اليتيم هو الذي فقد الأب والجدّ من جهة الأب، مال هذا اليتيم أمانة عندكم فلا تقربوا هذا المال، وإنّما هذا المال له ومن حقّه الى أن يبلغ أشدّه أي الى أن يكون بالغاً رشيداً عاقلاً، في تلك الحالة المال ماله وهو أحرى أن يتصرّف به حاله حال بقيّة العقلاء، لكن أنتم لا تقربوا مال اليتيم، هذه كلمةٌ الآن نقولها لكلّ من يُبتلى بهذه المسألة: "إحذرْ أن تتصرّف بأموال اليتيم تصرّفات بخلاف مصلحته أو فيها مفسدة - والعياذ بالله -، لا تأخذ المال لك فأنت أمينٌ".
ثم قال جلّ وعلا: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى...) حقيقةً هذه المسألة من المسائل الابتلائية، يُبتلى بها السياسيّ والاجتماعيّ وصاحب المؤسّسة وغيرهم، القرآن ينبّه الإنسان أنّه إذا أراد أن يقول أيّ قول لابُدّ أن يجرّد الحقيقة من كلّ شيء لتبقى الحقيقة بما هي حقيقة، أمّا إذا كان معه ذا قربى يُحاول أن يزوّق الكلام ويحرفه لجانبه أو يحرفه عنه إن كان يتضرّر بالحقيقة، القرآن الكريم يقول لا توجد محسوبيّات في هذه الأوامر، (وإذا قلتم اعدلوا..) عندما تتصدّون لأيّ شيء لابُدّ لكم أن تعدلوا وتضعوا الأمور في موازينها ومواقعها الصحيحة، أمّا إذا كان ذا قربى يتبدّل الكلام له أو ضدّ عدوّه فلا..، وهذه المسألة يُبتلى بها الناس؛ لأنّ الطبع الإنساني يميل الى القريب، القرآن الكريم يقول في موازين العدالة لا.. هذه الموازين غير مقبولة، نعم.. من الواجب أن تصل رحمك لكن ليس بهذه الطريقة فهذه الطريقة باطلة، وطبعاً كلّما تصدّى الإنسان لمسؤولية صرخت فيه هذه الآية إعدل إعدل، لذلك هذه الآية واضحة (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى..) يعني أنّ المقول فيه حتى لو كان ذا قربى أنت لا تخشَ في ذلك، ثمّ قال: (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون من الأوفياء بعهد الله تبارك وتعالى، وأن نلتزم بما وصّانا به جلّ وعلا، اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، تابع اللهمّ بيننا وبينهم بالخيرات، اللهمّ اغفر لنا ذنوبنا في القول والعمل، وتجاوز عن سيّئاتنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.