المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا... تؤكّد على ضرورة تطبيق القانون على الجميع دون تمييز لتحقيق العدالة بين الناس

30-12-2018
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا...
تؤكّد على ضرورة تطبيق القانون على الجميع دون تمييز لتحقيق العدالة بين الناس، مبيّنةً أنّ في ذلك حمايةً للمجتمع والدولة معاً..
تناول ممثّل المرجعيّة الدينيّة العُليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي(دام عزّه) في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة (22ذي القعدة 1437هـ) الموافق لـ(26آب 2016م) التي أقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف بإمامته حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حول تطبيق القانون الذي يُراد من خلاله تحقيق العدالة بين الناس على الجميع دون تمييز بين شخصٍ وآخر.
مبيّناً: أنّ الحقّ والعدل يجب أن لا يفرّق به بين الناس ولا يميّز حتى أبناء الحاكم والمنسوبين اليه، بل هم أولى من غيرهم بتطبيق القانون عليهم؛ لأنّ في ذلك حماية للمجتمع والدولة معاً، ولكي نتمكّن أن نصنع مجتمعاً عادلاً ودولةً عادلة حيث قال سماحته:
أيّها الإخوة والأخوات أودّ أن أبيّن الأمر التالي:
رُوي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: (إنّما أهلك الذين قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحدّ)، وهذه الرواية تتحدّث عن واقع الأمم السابقة التي كانت تفرّق في تطبيق القانون حتى يأخذ كلّ ذي حقٍّ حقّه، ويُعاقب الشخص الذي ينحرف عن خطّ العدل ويتخلّف عن القانون مهما كان موقعه وصفته في المجتمع، فهذه الأمم قد بادت واندثرت حينما كان الشريفُ فوق القانون ويقصد به هذا الشخص الذي يتميّز في المجتمع بموقع اجتماعيّ أو دينيّ أو عشائريّ أو اقتصاديّ أو سياسيّ حينما يعيش الناس الطبقية الاجتماعية فيميّزون بين من يسمّون بأصحاب الطبقات الرفيعة وبين أصحاب الطبقات الدنيا، فكان أولئك إذا سرق فيهم هذا الشريف سواءً أكانت سرقته من الأموال العامّة أو كانت سرقته تتّصل بالناس من حوله من الضعفاء الذين قد يأكل أموالهم بالباطل مستغلّاً موقعه، فإذا ذهب هذا الضعيف ليشكو أمره الى الجهات المسؤولة لم يعبأوا به وتركوا هذا السارق وجعلوه فوق القانون عندهم، وأمّا إذا سرق الضعيف وربّما يكون قد سرق ليأكل أو ليلبس أو ليشتري دواءً لنفسه أو لعائلته أو ليعتاش بها.
طبعاً لا نبرّر السرقة مهما كانت دواعيها، ولكن الغرض أنّها قد لا تكون لمحض الجشع والرغبة في الاستحواذ على مزيد من الأموال، فإذا سرق الضعيف فإنّ كلّ قوّة القانون تتوجّه اليه ويُطبّق عليه بحذافيره، فهؤلاء الذين بيدهم تطبيقُ القانون أو يجلسون في مواقع القضاء ومواقع السلطة والحكم يُراعون هذا الشريف أو يخشون سطوته أو يخشون حزبه أو جماعته المسلّحة، ولكنّهم لا يُراعون هذا الضعيف ولا يخشونه؛ لأنّه لا سطوة له، فيطبّقون عليه القانون ويعاقبونه.
وهناك كلمةٌ لأمير المؤمنين عليه السلام قال فيها: (إنّما أهلك من كان قبلكم أنّهم منعوا الناس الحقّ فاشتروه وأخذوهم بالباطل فاقتدوه)، قال بعض الشرّاح فاشترى الناس الحقّ منهم بالرشا والأموال أي لم يضعوا الأمور مواضعها ولا ولّوا الولايات مستحقّيها وكانت أمورهم تجري على وفق الهوى والأغراض الفاسدة، فاشترى الناس منهم الحقوق كما تُشترى السلع بالأموال، وأخذوهم بالباطل أي حملوهم على الباطل فجاء الخلف من بعد السلف فاقتدوا بآبائهم وأسلافهم في ارتكاب ذلك الباطل ظنّاً منهم أنّه حقّ لما قد ألفوه ونشأوا عليه.
ومن أمثلة ذلك في زماننا ما أصبح أمراً ثابتاً في معظم الدوائر الحكومية من أنّه لا تعيين في الوظائف إلّا بدفع المال، فمن يريد التعيين فيها وهو حقّه بموجب القانون لا يجد بدّاً من أن يدفع مبلغاً بمئات الآلاف أو بالملايين حتى يتعيّن، هذا أنموذج من منع الحاكم الناس حقوقهم فيضطرّون الى شرائها بالرشا، فأيُّ فسادٍ هذا؟؟!! أن يشتروا الحقّ الذي هو حقّهم والذي فرضه القانون لهم.. أن يشتروه بالمال!!!.
لقد أصبح هذا الطريق - أي الحصول على الحقّ بالرشوة أو الانتماء السياسيّ وغيره - هو الطريق الذي لا محيد عنه للفقراء والبسطاء من الناس الذين لا ينتمون لخطّ أحزاب السلطة وأصحابها، وليسوا من المقرّبين لهم سياسيّاً أو عشائريّاً أو مناطقيّاً أو غير ذلك، وما نلاحظه في أيّامنا هذه من استشراء الفساد والتواطؤ على الغضّ والسكوت عمّا يمارسه من ذلك أصحاب الجاه والسلطة وإنزال العقوبات الشديدة لصغار السرّاق والمختلسين وترك الكبار منهم يسرحون وينهبون كيفما يحلو لهم، وهو ما حذّر منه الإمام عليه السلام في الكلمة التي نقلناها وهو نذيرٌ بين يدي بلاءٍ لا يعلم مداه إلّا الله تعالى.
نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الخطأ والزلل في القول والعمل، ويصلح أحوالنا وينبّهنا من غفلتنا إنّه سميعٌ مجيب وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.