وجدت مذهب أهل البيت عليهم السلام منطلقاً من عقيدة ثابتة

30-12-2018
طارق الغانمي
مدير العلاقات الداخلية والدولية في روسيا الأستاذ تاراس تشيرينيكو:
(وجدت مذهب أهل البيت عليهم السلام منطلقاً من عقيدة ثابتة
وفق منهج إنساني سليم قادر على التواصل مع الآخرين)
أصوات كثيرة في هذا العالم صدحت بالولاء لمحمد وآل محمد، ونبعت من قلوب تمردت على أهوائها، وتفتحت بصيرتها على أنوار الحقيقة، فجاءت متعطشة؛ لتحكي خلجاتها القلبية المتفجرة بلسانٍ صادق وعواطف جياشة. ومن تلك النماذج التي اهتدت بـمصابيح الهدى وسفن النجاة، فقادها نور الهدايا نحو عقيدة العترة الطاهرة عليهم السلام هو الموالي الروسي الأستاذ تاراس تشيرينيكو، مدير العلاقات الداخلية والدولية في الحكومة الروسية، ورئيس الجمعية الشيعية الجعفرية في مدينة سانت بطرسبورغ، وهي ثاني أهم المدن الروسية بعد العاصمة موسكو، وسكانها لا يتجاوز السبعة ملايين نسمة، وفيها أكثر من (700) ألف ينتمون إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام .
من مواليد (1976)م، مولود في مدينة سانت بطرسبورغ، ومن عائلة تمتاز بفن النحت، فوالده فنان مشهور جداً في روسيا، أما والدته فهي تنتمي إلى عائلة تجارية مشهورة، ولديها الكثير من الأنشطة التجارية مع بلدان كثيرة في زمن القيصري، ولا سيّما في بلدان الشرق الأوسط.
تحصيله الدراسي متخرج من جامعة لوفن البلجيكية بتخصص في علوم الاقتصاد والبنوك، وخريج جامعة الكويت تخصص في الأدب العربي.
عمل لمدة ست سنوات كمدير لأحد البنوك الإسلامية في موسكو، ومن ثم هاجر من روسيا إلى أوروبا، وبالتحديد إلى دولة التشيك، واستمر على هذه الحال إلى أن تمت مخاطبته بشكل رسمي من قبل الحكومة الروسية في عام (2012)م لإدارة العلاقات الداخلية والدولية للبلد.

صدى الروضتين التقت به أثناء تواجده في مهرجان ربيع الشهادة الثقافي العالمي، لتجري معه هذا الحوار، وتتعرف عن كثب على أهم محطاته في الحياة.
صدى الروضتين: ما هي قصة ركوبك سفينة النجاة؟
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي سابقاً، وسقوط الشيوعية، وانفتاح الحدود على مصراعيها أتت فرصة كبيرة للسفر إلى عدة دول منها الإسلامية، ودخول الكثير من الكتب الدينية باللغة الروسية، ومع انعدام الديانات في زمن الشيوعية، شعر الناس بفراغ ديني كبير، فبدأ الكثيرون منهم بالعودة إلى جذورهم التاريخية ، فمنهم من عاد إلى الإسلام بشكل كبير، ومنهم إلى المسيحية وغيرها، كما بدأ الكثير من الروس باعتناق الدين الإسلامي بمختلف مذاهبه، والتطلع على المناهج الإسلامية والمسائل الدينية، وازدياد هذه الظاهرة سنة بعد سنة.
حينها بدأت القراءة عن كافة المذاهب الدينية، ولا سيّما مذهب أهل البيت عليهم السلام والتعرف عليه عن كثب، فوجدته منطلقاً من عقيدة ثابتة وفق منهج إنساني سليم، قادر على التواصل مع الآخرين، على غيره من المذاهب التي تؤمن بالتكفير والترهيب والتفريق.
وبعد اعتناقي هذا المذهب المبارك، بدأت دراسة اللغة العربية بشكل مكثف، واستطعت أن أتقنها جيداً من خلال حصولي على شهادة البكالوريوس في الآداب من الجامعة الكويتية سنة (1995)م، وهذه التجربة أعطتني مساحة واسعة في الترجمة، وفي تقوية اللهجة العربية وتعلم قواعدها ومناهجها.
ومن ثم عملت على ترجمة بعض كتب أهل البيت عليهم السلام إلى اللغة الروسية، منها كتاب نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، وترجمة الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام ، وترجمة مختصر ميزان الحكمة، وترجمة تفسير الميزان للعلامة محمد حسين الطباطبائي، وكتاب اقتصادنا للسيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس الله سره)، بالإضافة إلى كتب متنوعة أخرى.
صدى الروضتين: ما هي الأنشطة التي تقوم بها الجمعية الشيعية الجعفرية؟
هي جمعية ثقافية وعلمية وبحثية تركز في نشاطاتها على البحوث العلمية وعلوم الفلسفة والمعتقدات المذهبية، وهي واحدة من الجمعيات الإسلامية الخمسة الكبرى في مدينة سانت بطرسبورغ، ولها خصوصية عن الجمعيات الأخرى بأنها تركز على الدراسات والأبحاث العلمية، والدراسات الفلسفية والإسلامية في داخل روسيا، وهي المؤسسة الوحيدة التي تنشط باللغة الروسية، وتقوم بالترجمة الكتب والمقالات إلى هذه اللغة، والمؤسسة أيضاً لديها كُتّاب مختصون بها تقوم بكتابة المقالات والترجمة حسب ما يقتضيه المجتمع الروسي.
كذلك نقوم بين الفترة والأخرى بعقد المؤتمرات والندوات وتبادل الزيارات مع الشخصيات الأكاديمية والإسلامية من خارج البلد.
صدى الروضتين: ما هو تقييمكم لانتشار ظاهرة التشيع في روسيا؟
هناك اقبال واسع للناس في روسيا بالدخول إلى التشيع؛ بسبب واقعية هذا المذهب في اقناع الطرف الآخر، بالإضافة إلى المعاملة الحسنة مع كافة الطوائف، والثقافة الكبيرة التي يمتلكها أتباع هذا المذهب المبارك، والأخلاق التي يمتلكونها.
صدى الروضتين: ما هي علاقتكم بالسلطات الحكومية هناك؟
الشخصيات الشيعية في روسيا تملك نفوذاً واسعاً في هذا البلد، ولها علاقات حميمة مع الحكومة؛ لكونهم يؤمنون بمبدأ السلم والسلام، والدولة الروسية تحاول تقوية العلاقات بينها وبين هذه الشخصيات لذلك لا نواجه أي صعوبة مع الحكومة وخاصة في التبليغ والمؤتمرات والندوات وأي نشاط رسمي.
صدى الروضتين: كيف حاولت أن توافق بين عملك كرجل أعمال وبين التبليغ الديني؟
برأيي لا يكون المُبلِّغ مُبلِّغاً جيداً من دون أن يملك ثقافة واسعة وعلاقات جيدة مع شرائح المجتمع كافة حتى يستطيع أن يوصل رسالته بشكل سليم إلى الطرف الآخر.
صدى الروضتين: أهم الصعوبات التي واجهت عملكم هناك؟
تعرضنا إلى تهديدات شديدة من قبل الوهابيين وخاصة في المساجد وقاموا بتهديدي مباشرة، وقالوا لي: لا نسمح للشيعة بالتبليغ إلى الإسلام، وأوقف عملك هذا وإلا سوف نقتلك، وقاموا بكل الوسائل من أجل منعي من ذلك، لكن لم أعر لهم الأهمية، وبدأت أكثر عزيمة وإصراراً في نشر مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وسأستمر بالتبليغ حتى لو كلفني حياتي ولا أبالي بكل التهديدات.
صدى الروضتين: كيف تحيون الشعائر الحسينية في روسيا؟
مدينة سانت بطرسبورغ توجد فيها خمس حسينيات رسمية، ولا توجد مشاكل مع السلطات بل العكس الحكومة هي من تحمي الحسينيات، لذلك نحيي الشعائر الحسينية بكل بساطة وحرية.
صدى الروضتين: انطباعكم عن مهرجان ربيع الشهادة الثقافي العالمي؟
هذه مشاركاتي الأولى في هذا المهرجان، ويمكنني أن أصفه بأنه نزهة ثقافية وفكرية أكثر من رائعة، حيث توجد فيه تبادل الآراء والخبرات والثقافات، وأن كل أهل الأنصاف وأهل العدالة أصبحت اليوم توجهاتهم نحو الإمام الحسين عليه السلام من كل الديانات والقوميات والطوائف؛ لأنه رمز لكل أحرار العالم، ومنه تنطلق الحريات والكرامات.
كما يعطينا فرصة للتقريب بين المذاهب الإسلامية والديانات السماوية الأخرى، ويسعدني أن أتعرف على مفكرين وباحثين ومثقفين من مختلف الديانات والقوميات والجنسيات، وهو فرصة طيبة لنشر فكر أهل البيت عليهم السلام ، وبصفتي كباحث إسلامي أشجع على إقامة مثل هكذا ملتقيات ومؤتمرات التي تعود بمنفعة كبيرة على الدين والمذهب.
وهذه الملتقيات تستطيع أن توحد الصفوف، وتحارب الإرهاب والتطرف، وتنبذ الطائفية، وتقضي على التعصب الديني.
صدى الروضتين: كلمة أخيرة؟
أسال الله تعالى أن ينزل البركة على الشعب العراقي المجاهد، وأن يعطيه السلام والأمان، وأن يحفظ هذه الأرض المباركة من شر الأعداء، وأشكركم جزيلاً على كرم الضيافة والاستقبال الحار، وأنا سعيد جداً بتواجدي بينكم؛ لأنكم محطة فخر واعتزاز لكل مسلم وموالٍ لأهل البيت عليهم السلام لما تبدونه من حفاوة كبيرة للزائر، وأتمنى العودة للزيارة في السنين القادمة إن شاء الله تعالى.