المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا تتطرّق الى بعض نصوص أمير المؤمنين عليه السلام
30-12-2018
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا تتطرّق الى بعض نصوص أمير المؤمنينعليه السلام لولاته حول ضرورة عمارة الأرض وتهيئة مستلزمات المعيشة للمواطنين..
تناول ممثّل المرجعية الدينيّة العُليا سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه) في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة (1ذو القعدة 1437هـ) الموافق لـ(5آب 2016م) التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف بإمامته بعضاً من نصوص أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه السلام الى ولاته حول ضرورة عمارة الأرض، وتهيئة مستلزمات المعيشة للمواطنين، مبيّناً أنّ تركها بلا استثمار من الأمور المعيبة حيث قال سماحته:
إخوتي الأعزاء أخواتي أنقل لكم نصَّيْن عن أمير المؤمنينعليه السلام بما يتعلّق بعمارة الأرض.
الأوّل: قالعليه السلام من جملة ما قال: (...وأمّا وجه العمارة فقوله تعالى: "هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا"، فأعلمنا سبحانه أنّه قد أمرهم بالعمارة، فيكون ذلك سبباً لمعايشهم بما يخرج من الأرض من الحَبّ والثمرات وما شاكل ذلك، ممّا جعله الله معايش للخلق).
وقال أيضاً في نصٍّ آخر -وهو من كتابه الى مالك- قال: (وتفقّد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإنّ في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم إلّا بهم؛ لأنّ الناس كلّهم عيالٌ على الخراج وأهله، وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج؛ لأنّ ذلك لا يدرك إلّا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلّا قليلاً).
طبعاً لا يخفى على الإخوة الأعزّاء أنّ هناك حثّاً من الشارع المقدّس على استثارة جميع الطاقات والدخول الى تهيئة مستلزمات المعيشة، ولعلّ بعض الآيات عندما تقول أو تشير الى الضرب في الأرض، فهو إشارة الى العمل بعنوانه العام، وهذا العمل بعنوانه العام مقوّم من مقوّمات الفرد أو مقوّمات المجتمع أو من مقوّمات الدولة، ولذلك كانت الأرض هي محطّ الخيرات دائماً والى يومنا هذا، ترك الأرض بلا استثمار من الأمور المعيبة، وأمير المؤمنين عليه السلام لعلّه قرّع بعض ولاته عندما جرّد الأرض، قالعليه السلام له: (..أمّا بعد، فقد بلغني عنك أمر...) لاحظوا الشدّة التي ذكرها الإمام مع هذا الوالي (...بلغني عنك أمرٌ إن كنت فعلته فقد أسخطت ربّك وعصيت إمامك وأخزيت أمانتك...) رتّب عليها الإمام ثلاث حالات!! ماذا فعل؟ قال: (...بلغني أنّك جرّدت الأرض، فأخذت ما تحت قدميك، وأكلت ما تحت يديك...) أي أنت إنسان لم تحافظ على مصلحة الناس، ولم تحافظ على الأموال العامة، وإنّما جرّدت الأرض ولم تبقِ لهم بقيّة، وقد أخذته أنت كلّه، (...فارفع إليّ حسابك، واعلم أنّ حساب الله أعظم من حساب الناس.. والسلام).
النصّ الأوّل الذي قرآناه قال: (فأعلمنا سبحانه وتعالى أنّه قد أمرهم بالعمارة، فيكون ذلك سبباً لمعايشهم) لاحظوا إخواني الدقّة في التعبير، القرآن الكريم يقول: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) الإنسان إذا لم يعمّر الأرض يكون كما يقول الإمام: لقد عصيت وأخزيت وخنت، وهذا التعمير مبنيّ على معايش الناس وقوام معايش الناس، فأرزاق الناس قائمة على عمارة الأرض، وعمارة الأرض لا شكّ تحتاج الى أناسٍ يقدّرون هذه الأرض وكيف يعمّرونها، أمير المؤمنينعليه السلام عندما كتب عهده الى مالك لم يغفل أمير المؤمنين أمر الخراج، لكن التفتوا لم يصبّ اهتمامه على الخراج، وهذا الكلام من أمير المؤمنين لبعض من جاء بعد أمير المؤمنين على طول التاريخ، تجد أنّ من تصدّوا للأمور اهتمّوا بالخراج دون إعمار الأرض، وفعلاً لم يمكثوا إلّا قليلاً.
قوام الدولة مبنيّ على استغلال هذه الخيرات، لاحظوا النصّ لمالك(رضوان الله تعالى عليه) قال: (...وتفقّد أمر الخراج بما يصلح أهله) تفقّد ميزانية الدولة تفقّد أمر الخراج، والخراج هو المال الذي يؤخذ ضريبةً ويأتي الى بيت المال ثمّ يوزّع الى مستحقيه أو مصالح الدولة، لاحظوا (...فإنّ في صلاحه وصلاحهم...) أي صلاح الخراج وصلاح هؤلاء الناس (...صلاحاً لمن سواهم...) هو المقوّم، إذا صلح الخراج وصلح الناس المقيمون عليه غيرهم يصلح، لاحظوا (...ولا صلاح لمن سواهم إلّا بهم...) يعني بصلاح الخراج وصلاح أهل الخراج، أمّا إذا فسدا أو إذا قلّ، فلاشكّ أنّ أمير المؤمنين عندما يقول: "لا صلاح لمن سواهم إلّا بهم" فلا يمكن أن تصلح الحال، اقتصاد خاوٍ وأموالٌ تُسرق وأرض لا تُعمّر هذا أمرٌ لا يقبل به أمير المؤمنينعليه السلام مع مالك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطيّبين الطاهرين.