المرجعيّة الدينيّة العُليا تتناول جانباً من عهد أمير المؤمنين عليه السلام الى مالك الأشتر

30-12-2018
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّة الدينيّة العُليا تتناول جانباً من عهد أمير المؤمنين عليه السلام
الى مالك الأشتر واليه على مصر في ضرورة رعاية الفقراء والمحتاجين وتأدية حقوقهم..
تناول ممثّل المرجعية الدينيّة العُليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي(دام عزّه) في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة (8ذي القعدة 1437هـ) الموافق لـ(12آب 2016م) التي أُقيمت بإمامته في الصحن الحسينيّ الشريف جانباً من عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الى واليه على مصر مالك الأشتر في ضرورة رعاية الفقراء والمساكين والمحتاجين وتأدية الحقوق التي استُحفِظَ عليها اليهم.
مبيّناً: "أنّ القصد الأساسي من بعض ما يرد في هذه المقاطع من مضامين هو توجيه هذه الأمور الى الحكّام والولاة، وأنّ من أبرز مصاديق المحتاجين وأهل البؤس الذين أوصى بهم الإمام عليه السلام في عهده وأكثرهم استحقاقاً للعناية والرعاية في هذا الوقت هم النازحون عن مدنهم وقراهم"، مستشهداً بأوضاع العوائل النازحة ومعاناتها.. حيث قال:
أيّها الإخوة والأخوات سنتناول جانباً من عهد أمير المؤمنين عليه السلام الى واليه على مصر مالك الأشتر حيث يقول عليه السلام :
(ثُمَّ اللَّهَ.. اللَّهَ.. فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ الْمَسَاكِينِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى وَالزَّمْنَى، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً، وَاحْفَظْ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ، وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ وَقِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِي الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ، فَإِنَّ لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلْأَدْنَى..).
يقول الإمام عليه السلام : (ثمّ الله.. الله.. في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم..) أمير المؤمنين عليه السلام يأمر واليه على مصر أن يتّقي الله ويحذر في هذه الطبقة السفلى، ومعناها أن يرعى ويعتني بحقوقهم ويؤدّي حقوق الذين لا حيلة لهم، أي الذين لا وسيلة لهم يلجؤون من خلالها الى الاكتساب والحصول على المعيشة من: (..المساكين والمحتاجين وأهل البؤسى والزمنى) البؤسى هم الذين وقعوا في البؤس وشدّة الحال بسبب شدّة الفاقة والفقر، والزمنى هم الذين أُصيبوا بالزمانة أي المقعدون غير القادرين على العمل إمّا لمرض أو لعوق عندهم فلا يستطيعون أن يعملوا، فهؤلاء المقعدون يُطلق عليهم أهل الزمنى، تارةً قد يكون مصاباً بمرضٍ مزمن لا علاج له، وتارةً قد يكون فيه عوق أو شيء آخر فيطلق عليهم أهل الزمنى، وكذلك أهل البؤسى –نلتفت - هنا يقول الإمام عليه السلام : (الله.. الله) لماذا كرّر لفظ الجلالة؟ كان من الممكن الاكتفاء بمرّة واحدة، كأنّ الإمام يريد أن يُشعر الحاكم بأهمّية موضوع العناية والرعاية بهؤلاء الفقراء والمساكين والمحتاجين والمقعدين وأهل العوق والمرضى الذين لا وسيلة لهم للاكتساب وتحسين أمور المعيشة، الإمام يقول: فليشتدّ اهتمامك وعنايتك ورعايتك بهم، لذلك يقول: (الله.. الله) أي اتّقِ الله واحذر من غضب الله في هؤلاء، وكرّرها مرّتين ليؤكّد شدّة الاهتمام والعناية بهؤلاء لذلك كرّر لفظ الجلالة مرّتين، (..في الطبقة السفلى) أي الطبقة الأدنى، لماذا عبّر الإمام عن الفقراء المحتاجين المعوّقين والمرضى الذين لا حيلة لهم في الاكتساب بالطبقة السفلى الأدنى؟ وقد ذُكِرَ في القرآن الكريم (إِنَّ أَكرَمَكُم عنْدَ اللهِ أَتْقاكُم) هذا العلوّ والارتفاع الأدنى ليس المعيار فيه إنّما هو الفقر، الفقر والحاجة والعوز ليست هي المعيار في أن يكون الإنسان أدنى من غيره، فكيف يعبّر عنه؟ هنا المقصود بالطبقة السفلى أنّهم الطبقة الأدنى اجتماعيّاً، المعيار واضح عند الله تعالى وفي الإسلام لكن المقصود الطبقة الأدنى اجتماعيّاً من حيث الإمكانات المادية والمالية والشؤون الدنيويّة عند المجتمع هي الطبقة الأدنى، لذلك عبّر عنهم الإمام عليه السلام بالطبقة السفلى، (..من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسى) أي الذين هم في بؤسٍ وفقرٍ شديد هذا قسم، والقسم الآخر وهم (الزمنى) المقعدون الذين لا يستطيعون العمل والاكتساب.
أيّها الإخوة والأخوات، من أبرز مصاديق المحتاجين وأهل البؤسى الذين أوصى بهم الإمام عليه السلام في عهده وأكثرهم استحقاقاً للعناية والرعاية في هذا الوقت هم النازحون عن مدنهم وقراهم، ومن المؤكّد أنّ رعايتهم وتأمين المستلزمات الضروريّة لهم الى حين وعودتهم الى مدنهم وقراهم هي بالدرجة الأساس واجب الحكومة ومسؤوليّتها، ولكن في ظلّ تقصيرها وقصورها نهيب بالمواطنين جميعاً كلٌّ حسب إمكاناته أن يُساهم في مساعدة هؤلاء الأعزّاء بالطريقة التي تتسنّى له مع رعاية كرامتهم وحرمتهم.
اللهمّ تفضّل على فقرائنا بالعفّة والغنى، وعلى مرضانا بالشفاء والعافية، وعلى أحيائنا باللّطف والكرامة، وعلى أمواتنا بالمغفرة والرحمة، وعلى النازحين والمهجّرين من أوطانهم بالعودة اليها سالمين غانمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.