منزلة الجهاد في الاسلام

30-12-2018
طارق الغانمي
منذ أن خلق الله (عز وجل) الحياة/ هناك صراع دائم ومستمر بين الخير والشر، والحق والباطل، والكفر والإيمان، فكبح طغيان الشر والفساد، والإبقاء على الإيمان والعدل والخير، ضرورة من ضرورات الحياة البشرية، ولا يتحقق ذلك ويكون واقعاً ملموساً إلا بحمل راية الجهاد في سبيل الله تعالى، ورفع اللواء لإعلاء كلمة الحق ضد قوى الشر والإجرام والفساد.
ويحظى الجهاد في سبيل الله تعالى بمرتبة عظيمة في الإسلام، ورتبته في أعلى شُعب الإيمان، به تعلو الكلمة وتعز الأمة، وتصان الحرمات، وتحمى الديار، ويطرد الأعداء، ويوهن الخصماء، فبه يتم إقرار الحق في نصابه، ويرد البغي والظلم والطغيان، ويكافح الشر والكيد والعدوان.
الجهاد في سبيل الله تعالى: هو التجارة المنجية، والصفقة الرابحة، والبضاعة المبشرة، يحوز أهله المخلصون من المنازل أرفعها، ومن المكانة أعظمها، ومن الدرجات أعلاها، فهم الأعلون في الدنيا والآخرة.
لقد حظيت فريضة الجهاد في هذا الدين بالعناية والاهتمام، فتجد عشرات الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة الشريفة تحث على الجهاد وترغب فيه، وتبين ما لأهله من الأجر والمثوبة في الآخرة، والعزة والنصرة في الدنيا، مما لا يخفى على كل ذي دين وبصيرة.
كما جاء الوعيد الشديد على من ركنوا إلى الدنيا، وتثاقلوا إلى الأرض، وعطلوا هذه الفريضة، فعن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: (من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق)(1)، وروى أبو داود بإسناد صحيح عن أبي أمامة رضوان الله تعالى عليه، عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: (من لم يغز أو لم يجهز غازياً أو يخلف غازياً في أهله بخير؛ أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة)(2)، وهذا يعني أن ترك هذه الفريضة المباركة تجعل الأمة تتعرض إلى جملة من الاعتداءات منها: تسلط الأعداء وتحكمهم في مصير الأمة، يقتلون أبناءها، ويرملون نساءها، وييتمون أطفالها، ويحتلون ديارها، ويستبيحون حرماتها، فلا يرقبون فيها ذمةً، ولا يرعون فيها عهداً ولا حرمةً، فيعم الذل وتسود المهانة، والله تعالى يقول: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)(3).
فقد وردت الكثير من الآيات والأحاديث الشريفة التي تبرز فضل الجهاد، ومكانة الشهيد عند الله تبارك وتعالى، فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كان إذا حضر الحرب يوصي المؤمنين بكلمات فيقول عليه السلام : (إن الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام وهو قوام الدين، والأجر فيه عظيم، مع العزة والمنعة)(4).
فبذل التضحية ليس مقتصراً على المسلمين فقط، بل كل الأديان والملل إذا أرادت العزة والكرامة والعيش الكريم، عليهم أن يدعوا أقوامهم إلى بذل المزيد من التضحيات والدفاع عن إرادة الأمة، ويقدموا في سبيل ذلك الغالي والنفيس، ليتجنبوا الاضطهاد والظلم والطغيان، فالصراع بين الحق والباطل، وبين العدل والظلم، وبين الإيمان والكفر، موجود منذ الأزل.
إن الجهاد والشهادة في سبيل الله تعالى والإسلام والوطن يورثان العزة والكرامة للأمة البشرية، فالشعوب التي تجاهد وتحافظ على أرضها وكيانها وشرفها من الغزو الخارجي، والغزو العسكري والفكري والثقافي، أمة عزيزة تتمتع بأعلى معايير الكرامة والعزة والاحترام والشرف والناموس، وهذا ما أشارت له الكثير من الروايات الشريفة فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه واله وسلم : (اغزوا تورثوا أبناءكم مجداً)(5).
ويقول الله (عزَّ وجلّ): (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الذِينَ كَفَرُوا زَحفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدبَارَ)(6)، فالآية الشريفة تؤكد على عدم الفرار من الزحف عند حضرة القتال، والحفاظ على أمر الله (عزَّ وجلّ) في هذه المواطن، والصبر عليها كرم وسعادة، ونجاة في الدنيا والآخرة من فظيع الهول والمخافة.
فترك الجهاد في سبيل الله تعالى فيه ذلة للأمة، وانسلاخ عزها وكرامتها عنها، ويتخبطها العار والفقر، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم : للجنة باب يقال له: باب المجاهدين، يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلّدون بسيوفهم والجمع في الموقف، والملائكة ترحب بهم، ثم قال: فمن ترك الجهاد ألبسه الله (عز وجل) ذلاً وفقراً في معيشته ومَحقاً في دينه(7).
وعن أمير المؤمنين‏ عليه السلام : (الجهاد عماد الدين، ومنهاج السعداء)(8).
فبالجهاد تعيش الأمم منازل السعداء، وهيبة الكرماء، والغلبة على الأعداء في الدنيا، ومرافقة الأنبياء والأولياء في الآخرة.

المصادر:
(1) تفسير السراج المنير: ج1/ 284. والكشف والبيان: للثعلبي، ج1/ 369.
(2) الدر المنثور: باب 216، ج1/ ص498. وجامع لطائف التفسير:ج4/ 246.
(3) المنافقون: 8.
(4) نور الثقلين: ج1/ ص408، الوسائل: ج‏15/ ص‏94.
(5) الكافي: الشيخ الكليني، دار الكتب الإسلامية، آخوندي، الطبعة الثالثة، ج5/ ص8.
(6) الأنفال: 15.
(7) الكافي: ج5/ ص2.
(8) ميزان الحكمة: ج‏1 ص‏444.