المرجعية الدينية العليا تطالب الحاكم بضرورة أن يربي حاشيته
30-12-2018
شبكة الكفيل العالمية
المرجعية الدينية العليا تطالب الحاكم ـــ أي حاكم ـــ بضرورة أن يربي حاشيته وبطانته على عدم الخوف والخشية منه، وبدون طمع لهم في مكافأة أو ثواب منه..
جاء ذلك خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة التي أقيمت بإمامة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزه) في الصحن الحسيني الشريف يوم الجمعة 28 رجب الأصب1437هـ الموافق 6 آيار2016م.
مبيناً: إن الحقائق ستغيب عن الحاكم، وستخفى حقيقة الوضع في بلاده خصوصا السيئة منها، من قبل حاشيته وأعوانه وبذلك تنمو بيئة صالحة لتراكم المظالم وهو ما يؤدي الى سقوط الدولة وحكومتها.
مضيفاً: إن عدم خوف الحاشية وكذلك عدم توقعهم منه قربة أو مكافأة سيمنح له منهم النصيحة، ويجعلونه على حقيقة الأمور دون خيفة وهو ما يتطلب من الحاكم أن "يعود مشاوريه ومساعديه على قول الحق، وأن يكون مستعداً لقبول الحقائق المرّة".
مشيراً إلى أن المبادئ الواردة في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى واليه مالك الأشتر هي مبادئ مهمة للحكام والساسة، بل بعضها يهمُّ عامة الناس أيضاً، ويُضمن من خلالها استقرار الوضع السياسي، وانتظام أمور الرعية، واستقرار الأوضاع العامة، وتحقيق العدالة والتقدم لعموم المجتمع.
يقول (عليه السلام): "ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلَّا يُطْرُوكَ وَلَا يَبْجَحُوكَ بِبَاطِلٍ"، حيث طالب الحاكم بأن يروض الحواشي ويمرنهم ويربيهم على عدم المدح والثناء بإزاء الأعمال الحسنة أو ترك الأعمال السيئة.. إن تكرار هذا العمل من قبل الحاشية سيؤدي تدريجياً الى التأثير في قلب الوالي، فيزرع الزهو والغرور والعجب من نفسه، وهو منبع لكثير من المفاسد، كما أن الاطراء وتعودهم عليه يفسد نفس المادحين.
يقول (عليه السلام): "ولا يَكُونَنَّ المُحْسِنُ وَالمُسِيءُ عِندَكَ بِمَنزِلَةٍ سَوَاءٍ"، باعتبار أن من أهم أصول الادارة الجيدة هو التمييز بين المحسن والمسيء، فضلاً عن كونه مبدأ إلهياً حيث وعد الله تعالى الصالحين بالثواب الجزيل والنعيم الدائم في الجنة ووعد المسيئين بالنار والعذاب الأليم، وهو ما يندرج تحت عنوان الترغيب والترهيب.
موضحاً: إن مبدأ الترغيب والترهيب أصل في جميع الأقوام البشرية مع تنوعهم العقائدي والفكري والثقافي والسياسي، وصولاً لتعامل رب الأسرة مع أفراد أسرته، معتبراً أن السر في ذلك هو أن أكثر فعل الاحسان انما يكون طلباً للثواب والمكافأة أو طلباً لزيادة الرتبة والموقع.. فإذا رأى المحسن مساواة منزلته لمنزلة المسيء، وانه لا فرق بينه وبين المسيء كان ذلك صارفاً له عن الإحسان، ومزهداً له في عمل الخير والإحسان.
كما دعا أمير المؤمنين (عليه السلام) حكامه على الأمصار بضرورة أن ينظروا بعين الفحص والتدقيق والتأمل في الاعراف والعادات الموروثة من الاسلاف والمعمول بها لدى الناس، فإن كانت هذه العادات من السنة الحسنة والصالحة، ولها أثرها وفعلها الحميد والحسن في المجتمع، وعززت من الروح الجماعية والاجتماعية في المجتمع، وكذلك الالفة والمحبة بين الناس، فلا داعي لنقضها، بل يترك الناس يعملون بها وينتفعون من بركاتها وآثارها الصالحة والنافعة، وإن طمسها سيؤدي الى اضعاف مصداقية الحاكم امام المجتمع، ويبعث في نفوسهم النفور والعصيان، فيضع حاجزاً بينه وبين الناس؛ نظراً لإبطال الحاكم ما تعارف عليه الناس من السنة والعادات الجميلة بينهم والتي تحقق مصالحهم، وتبعث الرضا والطيب في انفسهم.
قال (عليه السلام): "مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَمُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ"، وهذا تأكيد على أهمية الارتباط بالعلماء والحكماء وأهل الخبرة ومجالستهم؛ لأن ذلك سيجعل الحاكم أكثر علماً ودراية بالأحكام الإلهية، وكيفية ادارة الأمور، فضلاً عما سينتفع به من تجاربهم وعلومهم في تشخيص الموضوعات المهمة، وعندما تزداد معرفة الوالي من خلال مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء، فإن ذلك من شأنه إصلاح أمر البلاد، وبقاء السنن الحسنة للماضين في واقع الحياة الاجتماعية.
وحثّ سماحته ـــ أسوة بأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ـــ الحكام، بضرورة مجالسة العلماء وأهل الحكمة والرأي لاستثمار والانتفاع بما يتمتعون به من علم وخبرة وإيمان ونفاذ وبصيرة وقدرة على رؤية الامور بمنظارها الصحيح، ووضع الاشياء في موضعها المناسب؛ لأنهم أعرف من غيرهم بحقائق المصالح والمفاسد والقدرة على التشخيص الصحيح لأمور وشؤون الدولة وإدارة شؤون الناس فهم ليس لديهم طمع في منصب او موقع او امتياز بل يفكرون في مصلحة البلاد والعباد.. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك).
فكأن الامام (عليه السلام) يرشد الحاكم الى صفات من يستشيرهم بجانبه تحقيق لتثبيت ما يصلح عليه امر البلاد واستقامة الناس.. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.