المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا تُواصل تذكيرها مَنْ بيدهم مقاليد الحكم

30-12-2018
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا تُواصل تذكيرها مَنْ بيدهم مقاليد الحكم بعهد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لمالك الأشتر..
واصلت المرجعيّةُ الدينيّة العُليا تذكيرها من بيدهم مقاليد الحكم والمتصدّين لمنصب معيّن بعهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لواليه مالك الأشتر (عليه رضوان الله تعالى)، حيث بيّن ممثّل المرجعيّة الدينيّة العُليا سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه) في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة (21رجب 1437هـ) الموافق لـ(29نيسان 2016م) التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف، وكانت بإمامته، مقاطعاً من هذا العهد مبيّناً:
نبقى مع عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى واليه على مصر مالك الأشتر، ومن جملة ما ذكر(عليه السلام): (وليس يَبقَى منْ أمورِ الولاةِ إلاّ ذِكرُهم، وليسوا يُذكَرُونَ إلّا بسيرَتهم وآثارهم، حَسَنةً كانتْ أو قَبيحَةً، فأمّا الأموالُ فلابُدّ أنْ يُؤتى عليها فيكون نفعُها لغيره، لنائبة مِنْ نوائب الدهرِ تَأتي عليها، فتكون حَسرةً على أهلها.
وإنْ أحبَبتَ أنْ تَعرفَ عواقبَ الإحسانِ والإساءةِ، وضياعَ العقولِ بين ذلك، فانظرْ في أمورِ مَنْ مَضى مِنْ صالحي الولاةِ وشرارهم، فَهَل تَجِد منهم أحداً, مِمَنْ حَسُنَتْ في الناسِ سيرته، وخَفَّتْ عليهم مؤنتُه، وسَخَتْ بإعطاءِ حَقٍّ نفسُه, أضَرّ به ذلك في شدّةِ مُلكه، أو في لذّاتِ بدنه، أو في حُسنِ ذكره في الناسِ، أو هل تَجِدُ أحداً مِمَّنْ سَاءتْ في الناسِ سيرته، واشتَدّتْ عليهم مؤنته, كانْ له بذلك مِن العِزِّ في مُلكهِ مِثْلَ ما دَخَلَ عليه مِن الَنَقصِ به في دنياه وآخرته..) ثم ختمها (عليه السلام):
(فلا تَنظرْ إلى مَا تَجمَعُ مِن الأموالِ، ولكن انظرْ إلى مَا تَجمَعُ مِن الخيراتِ، وتَعملُ مِن الحسناتِ).
مضيفاً: أحبّ أن أعرض الى الإخوة الأكارم أنّ في بعض الحالات الكلام يكون لعامّة الناس الكلّ يشمله هذا الكلام، الإنسان لا يكنْ همّه أن يجمع المال، بل يكن همّه أن يجمع من الحسنات ومن الطاعات.. هذا أمر حسن لكلّ أحد، لكن عندما يتصدّى الإنسان لمسؤولية معيّنة قد تكون سياسيّة لاشكّ أنّ هذه الأمور ستكون فيه أشدّ وستكون فيه أولى.. ولذلك الإمام (عليه السلام) تكلّم مع مالك عندما أرسله والياً لم يتكلّم معه عندما كان معه في الكوفة مثلاً.. أراد أن ينبّه مالك الى أشياء مهمّة تضرّ بولايته إن لم يلتفت وتقوّي ولايته إن التفت.. وهذا الكلام قد يكون لكلّ أحد.. لكن كونه والياً يتصدّى لأمور المسلمين، لابدّ أن تكون رقابته لذاته أكثر، وأن يكون نصحاؤه أكثر.
وتابع السيد الصافي: هذا النصّ مهمّ وطريقة للتعامل مع أيّ متصدٍّ، فعليه أن يلتفت الى ما يقوله أمير المؤمنين (عليه السلام) وأمير المؤمنين (سلام الله عليه) ممّن أجمع عليه المسلمون، إمّا على نحو الوصيّ بعد النبيّ (ص) أو كونه خليفة رابعاً، وبالنتيجة هذا الكلام من شخص كان خليفة للمسلمين ووجّه ولاته بكلمات لفلان وفلان من جملتهم مالك الأشتر.
مؤكّداً: الكلام فيه دقّة وعلى من يتصدّى أن يفهم كيف يتعامل مع هذا النصّ. قال (عليه السلام): (ليس يبقى من أمور الولاة إلّا ذكرهم، وليسوا يُذكرون إلّا بسيرتهم وآثارهم حسنةً كانت أم قبيحة..)، وهذا واقعٌ نعيشه لم يبقَ من أمور الولاة إلّا الذكر، وخرج عمّا كان من تحت يده وبقي الذكر، ولم تبقَ إلّا سيرتهم والناس يذكرونهم بحسب آثارهم، فترى شخصاً يقول: "رحمه الله.. كان خيّراً لنا"، وناس تقول: "لا رحمه الله كان شرّاً علينا"، وبقيت الآثار شاخصة والسيرة شاخصة والناس تتكلّم بهذه الآثار، فترى الناس ترى شخصاً يقول: "رحمه الله" وآخرين يقولون: "لا رحمه الله كان شرّاً علينا".
مضيفاً: ثم يقول (عليه السلام): (فأمّا الأموال فلابُدّ أن يؤتى عليها فيكون نفعُها لغيره، أو لنائبةٍ من نوائب الدهر تأتي عليها فتكون حسرة على أهلها..)، لاحظوا المنافسة، الإمام (عليه السلام) بيّن وسائل الإغراء لا تقع أنت فيها الإنسان عندما يتمكّن، ثروات وجيش وهذه كلّها تجعله يكتنز بلا رقيب وحسيب، الإمام (عليه السلام) يقارن: (فأمّا الأموال فلابدّ أن يؤتى عليها فيكون نفعها لغيره، أو لنائبةٍ من نوائب الدهر تأتي عليها فتكون حسرة على أهلها..) وهذا حقيقةً نوعٌ من التهديد خطير.
واختتم السيد الصافي: إنّما الدنيا دول وتدور، وعلى الإنسان أن يلتفت ويعتبر من طواغيت التاريخ، ثمّ يقول (عليه السلام): (فلا تنظر إلى ما تجمع من الأموال، ولكن انظر إلــى ما تجمع من الخيرات، وتعمل من الحسنات، فإنّ المُحسِنَ مُعانٌ..). هذا هو المنهاج الذي رسمه أمير المؤمنين (عليه السلام) الى مالك الأشتر (رضوان الله تعالى عليه)، والحمد لله ربّ العالمين.