رياح اللواقح من أسرار الخليقة والنعم الإلهية

30-12-2018
زيد علي كريم الكفلي
رياح اللواقح
من أسرار الخليقة والنعم الإلهية

من أعظم الآيات الدالة على عظمته وقدرته ومن آيات الله الدالة على أنه الإله الحق وحده لا شريك له، ومن معجزاته الباهرة التي أبهرت العقول، وليذيقهم من رحمته الذي أحيا به البلاد والعباد مستبشرة بذلك النفوس ألا وهو خلق الرياح التي لا يرها البشر، ولكنهم يحسون بها، ويدركون آثارها، ولها منافع عظيمة لأهل الأرض.
قال أهل اللغة :
(الرّيح) الهَوَاء إِذا تحرّك والرائحة (مؤنث) (ج) ريَاح وأرواح وأرياح وَالرَّحْمَة وَالْقُوَّة يُقَال الرّيح لآل فلَان وَرجل سَاكن الرّيح وقور وهبت رِيحه جرى أمره على مَا يُرِيد، اللواقح لواقح جمع لاقح، وهي تشير الى دور الرياح في تجميع قطع السحاب مع بعضها لتهيئة عملية سقوط الامطار، وهناك فرق بين الرياح والريح، وهو أن الرياح مقرونة بالطيب والريح مقرونة بالعذاب(1).
الرياح في القرآن والتفسير :
بعد أن عرض القرآن الكريم في الآيات السابقة من أسرار الخليقة والنعم الالهية كخلق الجبال والأرض والنباتات وما تحتاجه الحياة من مستلزمات يشير في هذه الآيات الى حركة الرياح وما لها من اثار، ذكرت الرياح في القرآن في مواضع كثيرة، مرة تكون رحمة وأخرى عذاباً، ومن هذه الآيات ما دلت على الرحمة رياح اللواقح:
((وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ))(2)
(لواقح) جمع (لاقح) وهي تشير هنا إِلى دور الرياح في تجميع قطع السحاب مع بعضها لتهيئة عملية سقوط الأمطار، وقد ذهب بعض العلماء المعاصرين إِلى أن الآية تشير إِلى عملية تلقيح النباتات بواسطة الرياح، وبها يستدلون على الإِعجاز العلمي للقرآن، على اعتبار أن عصر نزول القرآن ما كان يحظى بما وصل إِليه عصرنا من العلوم الحديثة، وأنّ إِخبار القرآن بهذه الحقيقة العلمية (علمية التلقيح) من ذلك الوقت لدليل على إِعجازه العلمي، مع قبولنا بحقيقة تلقيح النباتات ودور الرياح فيها.
ويعتبر ما جاء في الآية المباركة من روائع الكلم، حيث شبّه قطع السحاب بالآباء والأمهات يتم تزاوجهم بواسطة الرياح، فتحمل الأُمهات، ثمّ تلقي بما حملت (قطرات المطر) إلى الأرض، وأرسلنا الرياح وسخرناها تُلَقِّح السحاب، فيدر بالماء ويمطر، وتلقح الشجر فيتفتح عن أوراقه وأكمامه، وتحمل المطر والخير والنفع وتنقل البذور من أرض إلى أرض حتى إذا سُقيت اكتست خضرة وربيعا، ومهما عمل البشر وبكل إمكانياتهم فهم أعجز من أن يزرعوا صحارى تمتد مد الناظرين بساطا أخضر بأنواع النبات الطيب في مشارق الأرض ومغاربها، ولكن الرياح تفعل ذلك بأمر الله تعالى وقدرته وتدبيره، فأنزلنا من السحاب ماء أعددناه لشرابكم وأرضكم ومواشيكم، وما أنتم بقادرين على خزنه وادِّخاره، ولكن نحفظه لكم رحمة بكم، وإحسانًا إليكم(3)
وقد تشتد الرياح فتتحول الى عذاب كما ذكر في قوله تعالى: (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ العَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ)(4) كما أن الريح تكون عذاباً في اهلاك اقوام كعاد التي اهلكت بالريح، إذ أرسلنا عليهم الريح التي لا بركة فيها ولا تأتي بخير وَلَا ينزل مِنْهَا غيث وَلَا يلقح مِنْهَا شجر، ما تَدَعُ شيئًا مرَّت عليه إلا صيَّرته كالشيء البالي(5)
وجاء ذكر الرياح في الأحاديث النبوية: عن رسول الله J قال: لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها، وخير ما أُمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح، وشر ما فيها، وشر ما أمرت به. (كان إذا اشتدت الريح قال اللهم لقحا لا عقيما)(6)
وعن ابن عباس (رضي الله عنه) أن رجلا لعن الريح عند النبي J، فقال: (لا تلعنوا الريح فإنها مأمورة وإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه)(7)
فالرياح مرة تكون ريح عذاب، ومرة اخرى تكون رياح رحمة كما ذكر في قوله تعالى: (إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا) و(أرسلنا عليهم الريح العقيم) (وأرسلنا الرياح لواقح) و(أن يرسل الرياح مبشرات) اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابا، اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا .
فهرست المصادر:
1- المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة (إبراهيم مصطفى/ أحمد الزيات/ حامد عبد القادر/ محمد النجار)، ص381
2 -الحجر/22
3- تفسير الأمثل للشيرازي،ج8/ ص56
4- الذاريات/ 41 - 42
5- الدر المنثور، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)، ج7/ص621
6- صححه الشيخ الألباني كما في السلسلة الصحيحة المجلد (5) ح(2058) وحسنه في صحيح الجامع (4670)
7- رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني كما في السلسلة الصحيحة المجلد (2) ح(528)