المرجعيّة الدينيّة العُليا تبيّن أنّ عهد أمير المؤمنين عليه السلام الى مالك الأشتر يتضمّن مبادئ مهمّة للحكّام والساسة
30-12-2018
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّة الدينيّة العُليا تبيّن أنّ عهد أمير المؤمنين عليه السلام الى مالك الأشتر يتضمّن مبادئ مهمّة للحكّام والساسة يُضمن من خلالها استقرار الوضع السياسيّ وانتظام أمور الرعيّة..
تناول ممثّل المرجعيّة الدينيّة العُليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزه) في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة (14رجب 1437هـ) الموافق لـ(22نيسان 2016م) التي أُقيمت في الصحن الحسيني الشريف بإمامته جانباً من عهد أمير المؤمنين عليه السلام الى مالك الأشتر، مبيّناً أنّه يتضمّن مبادئ مهمّة للحكّام والساسة يُضمن من خلالها استقرار الوضع السياسي وانتظام أمور الرعيّة واستقرار الأوضاع العامّة وتحقيق العدالة والتقدّم لعموم المجتمع، حيث قال:
"أيّها الإخوة والأخوات نقرأ على مسامعكم الكريمة مقطعاً آخر من عهد أمير المؤمنينعليه السلام لمالك الأشتر يتضمّن مبادئ مهمّة للحكّام والساسة يُضمن من خلالها استقرار الوضع السياسي وانتظام أمور الرعية، واستقرار الأوضاع العامّة، وتحقيق العدالة والتقدّم لعموم المجتمع، مع شرحٍ لفقراته فيقولعليه السلام:
(أَنْصِفِ اللَّهَ وأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ ومِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ ومَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ، ومَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَمَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ وَكَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ).
ثمّ يقولعليه السلام: (وَلَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ).
يقول عليه السلام في عهده الى مالك الأشتر (رضوان الله تعالى عليه): (انْصِفِ اللَّهَ وأَنْصِفِ الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك...) نوضّح ذلك:
إنصاف الله هو العمل بأوامره والانتهاء عن نواهيه مقابلاً لنِعَمه وهو أوّل الإنصاف فإنّه سبحانه قد أنعم علينا نعماً لا تُحصى، فليس من الإنصاف أن نعصيه بها ونكفر بهذه النعم ونستعملها بمعصيته، الله تعالى أنعم علينا بنعمة الوجود ونعمة العقل وغيرها من النعم التي لا تُعدّ ولا تُحصى، بل الإنصاف أن نستخدمها في طاعته والانتهاء عن نواهيه وأن لا نرضى لأنفسنا إلّا ما يرضاه الله تعالى لنا من الاعتقاد بالمعارف الحقّة والأخذ بالمنهج القويم وحقائق الدين الصادقة ومعارف الهدى الحقّة فنعبد الله بما يحبّ ويرضى، وأن نختار ما اختار لنا واصطفى من أئمّة الحقّ لأنّه سبحانه اختارهم بعد علمٍ بإنصافهم وصدقهم وطهارتهم وطيبهم وليس من الإنصاف أن نتركهم فنقتدي بغيرهم فضلا ً عمّن عاداهم.
(وأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ ومن أهل خاصّتك ومن لك فيه هوىً من رعيّتك) الشيء الثاني الذي يوجّه فيه الإمام مالكاً الأشتر هو إقامة العدل في عموم الرعيّة وعدم إعطاء الامتيازات، هذا موجّه لكلّ حاكم ولكلّ شخص بيده أمور الرعيّة، وذلك بأن لا يميز نفسه أو من هو من خاصّة أهله وأقاربه أو من بطانته وحاشيته أو من له هوى ورغبة وميل في من هم مقرّبون منه من المسؤولين والوزراء، وإحياء الحقّ هي الغاية التي من أجلها أرسل الله تعالى الأنبياء والرسل حتى ينعم الناس بالعدالة والمساواة، فبالعدل فقط تقوم الأنظمة وتستمرّ ويصير للحياة طعمها ومفهومها ومعناها وتستقرّ الأوضاع عامة وتعمّر الأرض ويتطوّر الإنسان.. إنصاف الناس إقامة العدل فيهم (في الحكم والقضاء والعطاء) والخروج اليهم من حقوقهم اللازمة لنفسه ولأهل خاصّته فيترك كلّ أشكال التمييز والميل والمحاباة وإعطاء الامتيازات والمكاسب لبعض الأفراد دون بعض فيؤثر نفسه وخاصّة أهله ومن له فيه هوىً وميل ورغبة وقرابة على بقية الرعية، فيعطيهم الامتيازات في المال والمكاسب والثروة والمنصب على حساب الغير..
ومن الطبيعيّ أنّ هذا العمل ليس بالهيِّن واليسير لأنّ الإنسان يميل دوماً نحو ترجيح كفّة نفسه وأقربائه ومن له هوىً وميل على كفّة الآخرين إلّا من كان له ورعٌ وخوف من الله تعالى ومراقبة للنفس، ومن هنا ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: (سيّد الأعمال ثلاثة: إنصاف الناس من نفسك حتّى لا ترضى بشيء إلّا رضيت لهم مثله)، وقالعليه السلام لأحد أصحابه: (ألا أُخبرك بأشدّ ما فرض الله على خلقه، قلت: بلى، قال: إنصاف الناس من نفسك ومواساتك أخاك وذكر الله في كلّ موطن).
وأضاف الكربلائي: "إنّ ترك الإنصاف والتمييز بين الرعية وعدم إنصاف الحاكم لرعيته من نفسه ومن خاصّة أهله ومن له فيهم هوىً يعتبر من الظلم الفاحش والجلي، وحيث أنّ الله تعالى عادل وحكيم وعدوّ للظالمين ونصير للمظلومين ولا يرضى لعباده الظلم، فإنّ الله تعالى سيكون خصمه فلا يقبل منه عذراً ولا حجّة..