مركز تراث كربلاء المقدسة التابع للعتبة العباسية المقدسة يعقد ندوة حوارية حول (الخانات القديمة) في مدينة كربلاء المشرفة

30-12-2018
متابعة طارق الغانمي
يرتبط تراث كربلاء ارتباطاً وثيقاً بالمدن العريقة في العراق والعالم الإسلامي, وهناك مشتركات كثيرة في التصميم والبناء المعماري بين هذه المدن, بل لمدينة كربلاء المقدسة سمة التفرد والخصوصية؛ لمكانتها القدسية في نفوس المسلمين, ومن بين التراث الشعبي الكربلائي الذي يُذكر هو ذلك التراث المعماري القديم والجميل ألا وهو الخانات؛ فالخان مبنى واسع يحوي غُرفاً كثيرة لإيواء الزوار والمسافرين, وسكناً لبعض العوائل الفقيرة, إضافة إلى ذلك استخدمت بعضها كمخازن لخزن التمور والمواد الغذائية, ويوجد في الخان زاوية لإسطبلات الخيل والبغال والحمير؛ لتكون بالقرب من الموضع الذي ينزل فيه الضيف, وكانت لهذه الخانات مثيلٌ لها في الغرب لنفس الغرض.
وقد شُيدت الخانات أيام السلاطين العثمانيين, لكن خصائص الخان وبناءه ينفرد عن البيت الكربلائي في فن العمارة، فمعظم هذه الخانات تم بناؤها بالطين والآجر, وبعضها بالجص والطابوق، واستحدثت في الغالب منذ القرن الثامن عشر، وقد يكون قبل هذا التاريخ أو بعده كما ورد في بعض الروايات.
لذا يتواصل مركز تراث كربلاء المقدسة التابع لقسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة, عقد ندواته الحوارية الشهرية بخصوص الحفاظ على تراث وآثار مدينة كربلاء المشرفة. وكان عنوان الندوة في هذه المرة حول (الخانات القديمة والأثرية), وكيفية الحفاظ على الجزء المتبقي منها, بعد هدم الكثير من هذه الخانات، نتيجة التوسعة والتطور الذي أصاب المدينة الطاهرة. وقد استضاف المركز في هذه الندوة العالم العراقي الكربلائي الكبير المتخصص في مجال التراث والآثار الدكتور الفاضل (سلمان هادي آل طعمة) والذي ألف ما يقارب (مائة) كتاب بخصوص كربلاء المقدسة, كما حضر عدد كبير من الخبراء والمختصين والمهتمين بالتراث في مدينة كربلاء المقدسة.
وقد افتتحت الندوة بتلاوة آيات عطرة من الذكر الحكيم تلاها المقرئ السيد محمد عبد الرضا الموسوي, بعدها جاءت كلمة الأستاذ (سلمان هادي آل طعمة) الذي أعطى فيها نبذة مختصرة عن الخانات القديمة في مدينة كربلاء المقدسة والتي تجاوز عددها (60) خاناً, مبيناً الأشهر منها في داخل المدينة القديمة: كخان (الباشا) المتواجد بالقرب من موقوفات السادة (آل النقيب) في باب قبلة الإمام الحسين عليه السلام, والذي قام بعمارته والي بغداد (حسن باشا) سنة (1127)هـ, وخان (الدده) ويقع في سوق القبلة المقابل لصحن سيد الشهداء عليه السلام, وتعود ممتلكاته لأسرة السادة الكربلائية المعروفة (آل الدده), وخان (النواب)، ويقع في محلة باب الطاق بالقرب من ديوان (آل جار الله) رؤساء قبيلة بني سعد, ويعرف بخان (أبو مدار).
وتحدث عن الكثير من الخانات الباقية, وكانت طريقة عرضه كشريط سينمائي من الفلكلور الكربلائي، أعادنا من خلاله إلى زمن النقاء والصفاء, زمن الخير والعطاء المعماري والفكري.
كما طالب السيد آل طعمة من أصحاب الخانات بالحفاظ عليها؛ لأنها تراث معماري أصيل لا يمكن الاستغناء عنه, ولا يجوز استبداله بمبنى جديد, مطالباً في الوقت نفسه من الدولة العراقية وأصحاب الشأن بأن يكون عملهم ترميم هذه الآثار، وليس تهديمها وإعادة بنائها.
وختم كلمته قائلاً: ذكرت بعض الخانات المهمة التي يبلغ عددها الكلي أكثر من ستين خاناً, وسأدونها في كتاب سيصدر في المستقبل القريب إن شاء الله تعالى يضمّ كل الخانات في مدينة كربلاء المقدسة.
ثم بعد ذلك افتتح المجال للمداخلات والتساؤلات من قبل الحاضرين، والتي قام الأستاذ سلمان هادي آل طعمة بالإجابة عنها وتوضيحها, والتي بدأها الأستاذ المساعد في جامعة كربلاء (محمد عدنان آل طعمة) فيما يخص بتاريخ بعض الخانات, ثم الباحث في علم الآثار الأستاذ (عبد الحسين خلف الدعمي), ثم (عبد الرزاق عبد الكريم) رئيس مجلس مجلة (السدرة الثقافية) والمشرف العام عليها والتي تهتم بالجانب التراثي والثقافي والاجتماعي والديني، مكرساً المجلة بما تحتوي من تراث في خدمة مركز تراث كربلاء المقدسة, والشيخ (سجاد عبد الحليم) مدير مؤسسة شهيد المحراب في مدينة كربلاء المقدسة, والأستاذ (عبد الله الخيكاني) منقب في مفتشية الآثار في كربلاء المشرفة، طالباً من الدكتور (سلمان آل طعمة) البحث والتنقيب عن الخان الذي دخل منه الوهابيون سنة (1261) هجرية إلى مدينة كربلاء المقدسة, ثم الأستاذ (أحمد المسعودي) ماجستير في التاريخ الإسلامي والذي قارن الفوارق بين الخانات في داخل المدينة, والخانات خارج المدينة: كخان العطيشي مثلاً, ثم الشيخ محمد ناظم البيضاني, وختمها الاستاذ (حسين الخفاف)، والذي طالب بوضع رموز للعيان تدل على الخانات المهدمة في مدينة كربلاء المقدسة.
ثم ختمت الندوة بكلمة مدير مركز تراث كربلاء فضيلة الدكتور السيد (إحسان الغريفي) والتي بين فيها مكانة كربلاء التاريخية في العالم الإسلامي, لذا كان من الضروري أن يكون فيها مركز تراثي يعنى بتراثها وماضيها وحاضرها، ليستنير به الآخرون، ويكون مرجعاً للباحثين, لذلك قامت العتبة العباسية المقدسة بإنشاء وتأسيس هذا المركز المبارك لمدينة كربلاء المقدسة ولأهاليها الكرام.
كما بين أهداف تأسيس هذا المركز وكانت كالآتي:-
1- الحفاظ على تراث هذه المدينة المباركة؛ لكونها مدينة عالمية مهمة.
2- تهيئة مرجع معلوماتي لتاريخ وحاضر مدينة كربلاء المقدسة بما يحتاج من وسائل وأدوات تقليدية كانت أو حديثة، ليرتشف منه الباحثون وطلاب الفكر والعلوم والمعارف.
3- ذكر مآثر وفنون الشخصيات الكربلائية، وتوثيقها وفاء لأصحابها؛ كي لا تبخس حقوقهم.
4- خلق التواصل بين الأجيال الحاضرة والماضية ليقتدوا بهم.
5- إبراز قدم المدينة؛ لكونها من المدن التاريخية.
كما وضح أبرز نشاطات المركز على مدى تأسيسه، فقد شارك بنشاطات ثقافية متنوعة والتي عقدتها المؤسسات التعليمية والأكاديمية, وكانت المشاركة من أجل التواصل ونشر الوعي، وتعريف المجتمع بتراث مدينة كربلاء المقدسة؛ وذلك من خلال المعارض والنشاطات الثقافية التي أقامتها الجامعات والكليات والمعاهد العراقية.
وتحدث عن اصدارات المركز، فقد قام بتأليف وإصدار بعض الكتيبات التاريخية والتراثية ومنها: (أسباب نهضة الإمام الحسين وأخيه العباس عليهما السلام, وكربلاء في عهد الدولة العباسية, والعائلات العلوية التي سكنت مدينة كربلاء المقدسة بعد واقعة الطف التاريخية). كما تحدث عن مشاريع المركز لإصدار مجلتين تراثيتين الأولى: عامة تحمل اسم (الغاضرية)، وهي مجلة فصلية، وقد أرسل العدد الأول منها إلى التصميم، وستصدر قريبا إن شاء الله تعالى.
وأما المجلة الثانية: فهي مجلة فصلية ومتخصصة ومحكمة تعنى بالتراث الكربلائي، وتهتم هذه المجلة بالبحوث الاكاديمية الرصينة في مختلف الاختصاصات، وتنشر في العدد الواحد عشرة بحوث مقسمة على خمسة أبواب.
وأيضاً من نشاطات المركز أنه قام بتشكيل مكتبة تخصصية لكل كتاب مطبوع ويتعلق بكربلاء, وتسعى هذه المكتبة إلى إعداد موسوعة تراث كربلاء، وإلى إعداد مكتبة الكترونية ومكتبة صوتية, وكذلك إنشاء موقع الكتروني باسم موقع مركز تراث كربلاء المقدسة يحتوي على معلومات عديدة حول تاريخ كربلاء ومعالمها التاريخية والتراثية والأثرية والفلكلورية وشخصياتها الدينية والعلمية وبيوتاتها وعشائرها.
كما بين في ختام كلمته، بأن مركز تراث كربلاء المقدسة سيقيم معرضاً فوتوغرافياً لمعالم كربلاء القديمة والتراثية والأثرية، ولشخصيات المدينة، إضافة إلى لوحات فنية وأفلام وثائقية خاصة بكربلاء, وسيقام المعرض في منطقة ما بين الحرمين الشريفين للمدة من (18 ذي الحجة ولغاية 24 ذي الحجة) من هذا العام.