معرض الكتاب الدولي الثامن في النجف الأشرف

30-12-2018
حيدر داوود
200 دار نشر و35 ألف عنوان شهدها
معرض الكتاب الدولي الثامن
في النجف الأشرف
مدينة عانقت العلم عناقاً أريجي القداسة، فهي مأوى العلماء وملتقى الأدب والأدباء، مركز الإشعاع الإسلامي، ومنطلق الفكر والثقافة، باحتوائها العلماء والمفكرين على مر الأزمنة والعصور وهذا ليس بالغريب على هذه البقعة الطاهرة؛ كونها تشرفت بأن يطأ أرضها سيد البلغاء وإمام العلماء من الأولين والآخرين، وهو الذي قال عن نفسه: (علمني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ألف باب من العلم، في كل باب ألف باب). وها هي اليوم مدينة النجف الأشرف تحتفي بالمثقفين باختلاف مشاربهم الثقافية من خلال احتضانها معرض الكتاب السنوي والذي يقام بدورته الثامنة بين جنبات بقعة شرفها الله تعالى، ليفتتح بحلته الجديدة ورونقه الخاص، مكتسباً من تجاربه السابقة ومشواره الطويل ليجسد صرحاً فكرياً يأوي إليه أهل العلم والفكر والآدب.
قام قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العلوية المقدسة شعبة الإصدارات والمطبوعات والمؤسسات الدينية والثقافية ومراكز البحوث المحلية والعالمية بإطلاق الدورة الثامنة لمعرض الكتاب الدولي، بعد أن حظيت المعارض السابقة باستحسان جهابذة الفكر، وأساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف والحوزات العلمية الأخرى صانها الله تعالى من كل مكروه.
فخير ما افتتح به المعرض آيات من الذكر الحكيم تلاها على مسامع الحاضرين المقرئ السيد هاني الموسوي، ثم تلتها كلمة الأمين العام للعتبة العلوية المقدسة سماحة السيد نزار حبل المتين (دام عزه) ليبين فيها:
إن للكتابة قصة متسلسلة، وللكتاب تاريخاً متدرجاً مع الإنسان ونشوء البشرية منذ أن اخترع العراقيون الكتابة في الألف الخامس قبل الميلاد، وكان هذا الاختراع إشراقاً حضارياً على الأرض، وإيذانا بمرحلة جديدة في نظام الحياة، وكان هنالك خطاب وثيق بين الثقافة والكتاب والإنسان كعلاقة الأرض بالماء، لذا فأن الثقافة والحضارة لا تكونان إلا حيث يكون الكتاب فهو كان ولا يزال الوسيلة الكبرى لنشر الثقافة وصقل الأفكار رغم المنافسة الحثيثة من الصفحات الإلكترونية للصفحات الورقية. إن أهمية الكتاب تتضح خصوصاً إذا ما شاهدنا ما تركه القدماء وعلى الأخص سكان العراق الأقدمين، وما تركه المصريون والإغريق والرومان والفرس والصينيون والهنود من خزائن للكتاب، لذلك نعرف ما حظيت به المكتبات من اهتمام، وبعد الفتوحات الإسلامية ازداد الاهتمام بالكتاب والتدوين، فكانت البصرة والكوفة مقرين لمراكز المعرفة ومدارس الفكر، وقد كان من نزول الإمام علي عليه السلام مدينة الكوفة شأن كبير في انعاش الحركة الفكرية والعلوم الإسلامية والمعرفية في الكوفة. وبالنظر لتفرد وتقدم الإمام علي عليه السلام بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في الميادين كافة، فقد مهد لتاريخ النجف العلمي التدويني وخاصة في القرن الثاني الهجري، ومع ابتداء السكن حول الضريح المطهر نمت حركة علمية بدليل ظهور بعض الإجازات العلمية بالاجتهاد في القرن الرابع الهجري إلى أن وصلت النجف إلى ما هي عليه من تحول تاريخي خاصة بعد نزول الشيخ الطوسي رضوان الله تعالى عليه إلى النجف الأشرف.
وكان للكتاب في هذه المدينة شأن من الشأن، ويعتبر ثروة لا يفرط بها في البيوتات النجفية حتى وصلت المكتبات الخاصة اكثر من ثلاثة آلاف مكتبة إضافة إلى المكتبات العامة التي تضم ألف المخطوطات والنفائس وتفتخر النجف الأشرف باحتضانها للمطابع المتعددة، فكانت أول مطبعة حجرية في بداية القرن التاسع عشر الميلادي، وهي مطبعة حبل المتين والتي كانت تطبع الكتب باللغة العربية والفارسية.
إن للنجف الأشرف علاقة خاصة مع الكتاب ومع العلم والعلماء ومع الحكمة والحكماء؛ لكونها مركزاً هاماً للدراسات الإسلامية وخاصة في علوم الفقه والأصول وتفسير القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف واللغة العربية وكل ما يتعلق بالعقيدة والفكر والأدب، وكان الصحن الحيدري الشريف وايواناته مركزاً لحلقات الدرس العلمي ولا يزال، ونحن بجوار إمام الفكر والبيان وفي رحاب الصحن العلوي الطاهر نرحب بجميع المؤسسات الثقافية والعلمية ودور النشر من داخل العراق ومن خارجه في المعرض الدولي الثامن للكتاب.
صدى الروضتين حضرت الافتتاح، وأجرت عدة لقاءات كان من بينها مع رئيس اللجنة التحضيرية والمشرف على المعرض السيد عيسى الخرسان ليوضح قائلاً:
يقام هذا المعرض للسنة الثامن على التوالي، وبمشاركة محلية وعربية ودولية، ضم هذا المعرض أكثر من 35 ألف عنوان ومشاركة أكثر من مئتي دار نشر قادمة من مختلف محافظات العراق ومن دول عربية وإسلامية، وكانت هنالك مشاركة أجنبية من دول: (الهند، باكستان، ايران، وبريطانيا، وفرنسا) المعرض ضم أجنحة مختلفة بعضها متخصص لكتب الأطفال وأخرى تعنى بالكتاب الديني وأجنحة متنوعة العناوين والأسماء، وهنالك معرض للصور الفوتوغرافية والرسوم التي تمثل بطولات الدفاع المقدس، وكذلك كان هنالك جناح للورود والزهور تزامنا مع أعياد الربيع.
أما الجديد والتطور الذي حصل في هذا المعرض لهذه السنة، فقد حاولنا قدر المستطاع أن ننتقي العناوين التي تعرض أن تكون عناوين جديدة ومفيدة لمختلف الطبقات، ففي السنين السابقة كادت أن تكون عناوين تكرارية، وحاولنا أن نلبي رغبات مختلف الشرائح من (علماء، مثقفين، أكاديميين)، كما حاولنا أن نجعل للطفولة شأناً آخر ومستقلاً تحت عنوان قسم الطفولة.
وشهد هذا العام ما يقارب 450 عنواناً جديداً يطبع لأول مرة ويعرض في المعرض.
كما كانت لنا شروط على كل دور النشر المشاركة أن يكون هنالك تخفيضات على الأقل 30% على الأسعار لتسهيل وصول الكتاب الى المجتمع.
كما كانت لنا لجنة للسلامة الفكرية، شكلت لفحص وتسجيل الدور المشاركة ومتابعة عناوين ومحتويات الكتب المعروضة.
مؤكداً: أن اللجنة استبعدت الكتب التي تروج للطائفية والكراهية والعنف، والتي تدعو إلى الإباحية والانحلال الخلقي.
وسيكون هنالك لأول مرة تشكيل مسابقة مستمرة في كل ساعة من ساعات افتتاح المعرض يتم خلالها توزيع قطعة ورقية صغيرة مثبتة عليها أرقام تسلسلية على رواد المعرض خصوصا، وتجرى في كل فترة زمنية عملية سحب وقرعة لرقمين أو ثلاثة من الأرقام الموزعة على مرتادي المعرض والذي يظهر رقمه في القرعة تقدم له هدية من دور النشر المشاركة في المعرض وهي عبارة عن كتاب.
جناح العتبة العبّاسية المقدّسة يتألّق كعادته في كلّ مشاركة، وكان التألّق واضحاً ولافتاً للنظر، فقد شارك في هذه الفعالية الثقافية كلٌّ من قسمَيْ الشؤون الفكرية والثقافية وقسم شؤون المعارف الإسلامية والإنسانية بجناحٍ واحد... وكان لنا
لقاء مع مسؤول وحدة المعارض سيد محمد الأعرجي ليوضح لنا قائلاً:
شاركنا بأكثر من (300) عنوان في مختلف التوجّهات الفكرية والعقائدية والفقهية والأدبية من كتب ومجلات علمية محكمة، وعرضنا مصحف العتبة العباسية الجديد الذي خطته أيدي عراقية وطبع في مطبعة دار الكفيل، وكل الإصدارات التي شاركنا بها هي من نتاج العتبة المقدّسة الخالصة سواءً من ناحية التأليف أو تحقيق المخطوطات، وهي موجّهة لكلّ فئات وطبقات المجتمع العراقيّ وتلائم الجميع.
فهذه المشاركة ليست الأولى، بل كانت لنا مشاركات متواصلة؛ لكون هذا المعرض أحد أهمّ النوافذ التي يتمّ من خلالها التواصل والاطّلاع على أفكار ورؤى الآخرين وهو ما يسهم في تنمية الآفاق الفكرية.
وقد برزت دور النشر القادمة من عدد من الدول الأوربية ومنها: (فرنسا وبريطانيا)، حيث شاركت هذه الدور بعرض إصدارات وعناوين تجاوزت الـ(600) عنوان منها يتم عرضها لأول مرة، وهي دار أسمار باريس، ودار الحكمة – لندن.
وعن طبيعة مشاركة هذه الدور في المعرض التقينا بمدير دار أسمار باريس القادم من فرنسا السيد زهير علي الشامي قائلاً:
نشارك في معرض العتبة العلوية بــ(125) عنواناً، ساهمنا بها في معرض الكتاب بنسخة الثامنة، منها: الدينية والفلسفية والتاريخية... كذلك ضم جناح دارنا كتباً طبية وعلمية لكبار المستشرقين ومنهم (هنري توماس) و(غوستاف لوبون).
مضيفاً: من المؤسف عدم مساهمتنا في المشاركة في فعاليات المعرض سوى بدورتين؛ وذلك لما وجدناه من المؤهلات التي تجذبنا للمساهمة والمشاركة المستمرة فيه، ومن تلك المؤهلات هو كرم الضيافة من قبل القائمين على المعرض، وأهل المدينة المقدسة، كما نشيد بحسن التنظيم وانسيابية العمل.
ومن جانبه، التقينا بمدير مبيعات دار الحكمة من لندن السيد محمد ياسين احمد قائلاً:
يساهم جناح دارنا في معرض الكتاب بدورته الثامنة بعرض (500) عنوان انحصرت بين العلمية والفكرية والسياسية والبحثية، وهناك الكثير من المؤلفات من إنتاج 2016 نساهم بها للمرة الأولى.
مضيفاً: واللافت للأنظار في هذا الملتقى الفكري والعلمي، هو إقامته بجوار حرم باب علم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مدينة العلم والعلماء.