المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا تتناول جانباً من عهد أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر

30-12-2018
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا تتناول جانباً من عهد أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر رضوان الله تعالى عليه وتبيّن أنّها تصلح كنصائح وإرشادات لمن يُنَصّب في مواقع القيادة..
تناول ممثّلُ المرجعيّة الدينيّة العُليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزه) في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة (29جمادى الآخرة 1437هـ) الموافق لـ(8نيسان 2016م) التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف بإمامته جانباً من رسالة أمير المؤمنين علي عليه السلام لمالك الأشتر لمّا ولّاه مصر، وقد بيّن أنّها تتضمّن نصائح وإرشادات تنفع من يُنَصّب في موقع القيادة والإدارة لأمور البلاد، فيما يأتي نصّها:
أيّها الإخوة والأخوات، في هذه الخطبة نقرأ مقطعاً من عهد الإمام أمير المؤمنينعليه السلام لمالك الأشتر لمّا ولّاه مصر مع الشرح له بإيجاز، وفيه يحذّرهعليه السلام من مجموعة من الرذائل ومخاطرها على الحاكم والرعيّة وهي تصلح كنصائح وإرشادات مهمّة لمَنْ يُنَصَّب في موقع القيادة والإدارة لأمور البلاد.
(وَإِيَّاكَ وَالْإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ وَالثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وَحُبَّ الْإِطْرَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ) ثم يقول عليه السلام : (وَإِيَّاكَ وَالْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ أَوِ التَّزَيُّدَ فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلِكَ أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ، فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الْإِحْسَانَ وَالتَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ وَالْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللَّهِ وَالنَّاسِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)).
ثمّ يقول عليه السلام : (وَإِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ، فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ وَأَوْقِعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْقِعَهُ).
نأتي أيّها الإخوة والأخوات الى شرح هذه المقاطع هذا العهد الذي كتبه أمير المؤمنينعليه السلام لواليه مالك الأشتر حينما ولّاه على مصر، وهو يصلح كما سبق أن ذكرنا كنصائح وإرشادات مهمّة لمَنْ يُنَصَّب في مواقع القيادة وإدارة أمور البلاد، ولكن هذا لا يعني أنّنا لا ننتفع أيضاً من هذه النصائح التي بيّنها أمير المؤمنينعليه السلام في تحذيره من هذه الرذائل النفسانية، وإن كانت هي بحقّ القادة والساسة والحكّام الذين بيدهم أمور البلاد أكثر أهمية وأكثر حاجة؛ لأنّ مخاطرها فيما لو بقيت أفدح خطراً وأعظم تأثيراً، وتطهير النفس من هذه الرذائل أكثر فائدة وأهمية لهؤلاء الحكّام والقادة، ولكن نحن أيضاً عامّة الناس أيضاً لابُدّ أن ننتفع منها كما ينبغي، فيقول الإمامعليه السلام : (وإيّاك والإعجاب بنفسك) يحذّر هنا الإمامعليه السلام الولاة من هذه الرذيلة النفسانية وهو الإعجاب بالنفس والثقة الزائدة بصفات النفس، نبيّن ما هو الإعجاب بالنفس، هو أن يُعظم الإنسان نفسه وصفاته وآراءه وأفكاره وأعماله لما يرى فيها من صفات كمالٍ سواءً كانت موجودة فيه أم لا، فيرى نفسه أشرف وأفضل من غيره، هنا نبيّن أيّها الإخوة والأخوات ما هي الآثار الضارّة لهذه الرذيلة النفسانية، المعجب بنفسه في الواقع يستعظم صفات نفسه وآراءه وأفكاره ويحتقر الآخرين في آرائهم وأعمالهم ممّا يؤدّي الى نفرة الآخرين منه وابتعادهم عنه، فيحرم نفسه من الانتفاع بهذه الآراء والأفكار التي ربّما تكون أفضل وأكثر سداداً من رأيه وأعمالهم أفضل من أعماله، وبالتالي هنا الخطورة حينما يكون حاكماً ويتولّى أمور الرعية حينئذٍ سيحرم هذا الحاكم وتُحرم الرعية من الانتفاع بآراء الآخرين بسبب هذه الصفة، أيضاً العُجب يؤدّي الى الغرور والاستبداد بالرأي وهذا الاستبداد يعرّضه للهلاك، لذلك ورد عن أمير المؤمنينعليه السلام : (من استبدّ برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركهم في عقولهم).
الأثر الثالث هو أنّ هذا المعجب يرى أعماله الصغيرة كبيرة وأفكاره الوضيعة عظيمة أو آراءه الخاطئة صحيحة، فيوقع نفسه وغيره من الرعيّة في النتائج السلبيّة وربّما الكارثية لهذه الآراء الخاطئة، نتائج كارثية على المجتمع وعلى رعيّة هذا الإنسان الحاكم، وإذا رأى من غيره أعمالاً أفضل وأعظم من أعماله وآراءً أكثر سداداً، فلا يعيرها أهمية ولا يكترث بها؛ لأنّه معجب بنفسه وآرائه.
وأيضاً من الصفات السلبية للعجب يحجبه عن اكتشاف أخطائه وعثراته وتقصيره وزلاته، فإذا كان حاكماً حينئذ لا يمكن معالجة هذا التقصير والخطأ الذي يصدر منه، أيضاً الإعجاب بالنفس يؤدّي الى الإعجاب بالرأي والعقل والعلم الذي يمنع المعجب بنفسه من استشارة الآخرين حتى وإن كانوا أكثر خبرةً، فيستبدّ برأيه ويستنكف عن سؤال من هو أعلم منه وأكثر خبرة وتجربة، وربّما يعجب برأيٍ له وهو خاطئ أو عمل له وهو مضرّ وفاشل..
فالإمامعليه السلام يحذّر بالذات واليه مالك الأشتر، وهذه النصائح والتوجيهات تصلح كما بيّنّا لمن يُنصّب في إدارة أمور البلاد، ولو عُمِل بهذه النصائح والتوجيهات لنال الناس الخير الكثير.