طه ومناف.. قمران رفضا الأفول.. فالتحقا بقمر بني هاشم عليه السلام
30-12-2018
زين العابدين السعيدي
طه ومناف.. قمران رفضا الأفول..
فالتحقا بقمر بني هاشم عليه السلام
عندما يدق ناقوس الخطر، ويكون الشرف على المحك، ينتفض الدم ثائراً، وتنتفض الرجولة المستقاة من الطف سيفاً بوجه الطغاة والمجرمين, وقد تكرر هذا المشهد المليء بالجراحات المنتصرة كثيراً في مختلف العصور, والمرة الأخيرة لتكراره قريبة جداً, حيث انتفض الكثير من الشباب والكهول مضحين بأرواحهم وما يملكون من اجل الدفاع عن بلدهم ومقدساتهم، مستجيبين لفتوى الوجوب الكفائي التي أطلقتها المرجعية الدينية العليا في وقت أكثر من مناسب.. ولا يمكن الحديث عن مدى التضحيات التي قدمت بعد إطلاق هذه الفتوى المباركة لكثرتها وتعددها, ولكننا سنأخذ عائلة كربلائية كنموذج لهذه التضحيات الكبيرة, حيث قدمت هذه العائلة شهيدين شابين خلال شهرين فقط, وقد زارتها صدى الروضتين, وكانت الزيارة كالآتي:
بعد الترحاب الكبير والحفاوة وحسن الضيافة، حدثنا الحاج احمد جاسم الهنون الحويمدي عن ولده الشهيد طه قائلاً:
عندما تلقيت خبر استشهاد ولدي أحمد، شعرت بحزن كبير وألم عظيم؛ لأن فراق الولد شيء صعب جدا, ولكن ما هون عليَّ مصيبتي هو أن ابني ضحى بدمه وشبابه من أجل حماية المقدسات وتطهير وطنه من رجس الدواعش الانجاس، وبذلك أصبح نبراساً افتخر به, وبدأت أغبط نفسي على ما حظيت به من الشرف والتكريم، حيث قدمت أحد ابنائي من أجل عزة العراق ورفعته.
وقد كان قبل استشهاده يرافقني لتقديم الدعم اللوجستي للقطعات العسكرية المتواجدة في جرف النصر, ومن تلك اللحظات التي رافقني بها اصبحت لديه عزيمة كبيرة وإصرار للتطوع وتلبية نداء المرجعية, وبالفعل حقق ما اصر عليه والتحق بلواء علي الأكبر عليه السلام ضمن قاطع عمليات بيجي لمحاربة زمر الشر والإرهاب المتواجدة هناك. وكان بين فترة وأخرى يأتي بإجازة قصيرة وبعدها يعود لساحات الجهاد, وعندما نوصيه بتوخي الحذر وعدم المجازفة يجيبنا مبتسماً: (إن شاء الله أستشهد وأرفع رؤوسكم), وبالفعل نال الشهادة وحظي بها، فهينئاً له على هذا الشرف العظيم.. وان ابني طه لم يمضِ على زواجه كثيراً، فهو في بدايات عقده الثاني, ويعمل موظفاً في الأمانة الخاصة لمزار ابن الحمزة عليه السلام التابعة للأمانة العامة للمزارات الشيعية. والجدير بالذكر أن الشهيد طه كان مثابراً جداً، ويحب العمل كثيراً، ويتمتع بشخصية قيادية مليئة بالحيوية والنشاط، حيث كان يعمل أكثر من عمل في آن واحد.. وكان ينظم ويدير موكب المزارات الشيعية سنوياً عندما يأتون الى كربلاء المقدسة.
وفي الختام، أود أن أوجه رسالة الى عوائل المجاهدين، وأقول لهم: شدوا على ايدي أبنائكم، ولا تقفوا بوجههم، وادعموهم معنوياً؛ لأنهم في طريق يوازي طريق الامام الحسين عليه السلام وكلا الطريقين يؤديان الى الجنة.
وبعد حديث الحاج احمد الذي اختلط فيه الحزن مع الفرح وألم الفراق مع نشوة التضحية.. حاولنا الانتقال الى الحاج هلال مهدي الهنون الذي تفصلنا عنه مسافة جرح, ولكن البياض الذي يرتديه اختصر هذه المسافة النازفة (وكان هذا قبل وفاته بعدة أيام والتحاقه بالرفيق الأعلى (عز وجل)), ودون أن نسأله تحدث عن ولده الشهيد مناف قائلاً:
استشهد ولدي مناف في الحادي عشر من شهر ذي الحجة اي بعد شهرين تقريباً من استشهاد ابن عمه طه احمد الهنون والذي استشهد في اليوم السادس من شهر رمضان المبارك, ولذلك فأننا نشعر بالفخر والعزة والرفعة؛ لأننا قدمنا شهيدين من اجل الدفاع عن الارض والعرض والمقدسات، وتلبية لنداء المرجعية الدينية العليا.
وولدي مناف عندما قرر الذهاب الى ساحات الجهاد كان خائفاً أن أمنعه من ذلك وارفض ذهابه, ولكنني شجعته على ذلك، وقدمت له كل ما أستطيع تقديمه من دعم معنوي ومادي ومساندة, وباركت له هذه الخطوة الشجاعة, وأمه كان لها موقف مشرف حيث فرحت كثيرا بالتحاقه بساحات الجهاد, وقامت ببيع خاتمها ليشتري بثمنه بعض التجهيزات العسكرية التي يحتاجها في المعركة, وبالفعل التحق مناف بلواء علي الاكبر عليه السلام , وقاتل زمر داعش الاجرامية في قضاء بيجي, وكان في المقدمة وعلى السواتر الامامية، وفي حالة اشتباك مستمر مع العدو إلا أنه كان يخبرنا عكس ذلك؛ لكي لا نقلق عليه, واستمر مع لواء علي الاكبر عليه السلام بنفس الاصرار والعزيمة والاندفاع رغم ما رآه من موت وصعوبات في ساحة المعركة حتى نال شرف الشهادة, وقد تلقيت خبر استشهاده وفرحت وحزنت بنفس الوقت, فرحت لما ناله ولدي من شرف وحزنت لفراقه, ولكنني قمت بتوزيع الشوكولاته والحلوى وارتديت البياض وكأنني في زفته وليس تشييعه, وهو من أوصاني بذلك، وأوصى أمه واخوانه.
وأتمنى أن تشيع هذه الثقافة في عموم العراق، وكل عوائل الشهداء تقوم بارتداء البياض وتزف شهداءها الى الرفيق الاعلى بمراسيم خالية من الحزن والانكسار ومليئة بالفخر والهيبة والعزة. ولا أرى مبرراً للحزن على شهداء الحشد الشعبي حيث التحقوا بركب الامام الحسين عليه السلام , فيا ليتنا كنا معهم... لله درك ولدي مناف, فقد حصلت على شهادة مصدقة من ربك, وأنت تعلم أنها خير لك من شهادة كلية التربية التي طالما حلمت بنيلها, وكنت قاب ساترين أو أدنى من الحصول عليها... لا عليك.. ارقد بسلام مع الشهداء والصالحين, وادعو لبلدك العراق أن يبقى زاخراً بأمثالك.
واختتمنا زيارتنا لهذه العائلة المجاهدة بلقاء شيخ عشيرة البو حويمد الحاج جاسم محمد الهنون, والذي تحدث قائلاً:
بعد اعلان فتوى الوجوب الكفائي بيومين, التقيت مع سماحة السيد احمد الصافي (دام عزه) وأخبرته باستعدادي لتلبية نداء المرجعية والذهاب الى ساحات الجهاد, ولكنه قال لي: (انك رجل كبير في السن وشيخ عشيرة, فلا داعي لذهابك في الوقت الحالي, ولكن عليك أن تحث اولادك وأحفادك وابناء عشيرتك على الانخراط ضمن صفوف الحشد الشعبي المقدس والدفاع عن الارض والعرض والمقدسات).
وبالفعل قمت بهذا حيث جمعت اولادي وأحفادي وأبناء عمومتي وشجعتهم على تلبية نداء مرجعيتهم الرشيدة, وقد استجابوا لهذا وتطوع عدد كبير منهم مع مختلف فصائل الحشد الشعبي المقدس, ولله الحمد تشرفنا قبل فترة قصيرة بتقديم شهيدين بطلين من اجل مقدساتنا وبلدنا، وهما الشهيد طه احمد الهنون، والشهيد مناف هلال الهنون, وكلاهما حفيداي, وان استشهادهما لم يثننا عن الجهاد ولم يثبط عزيمتنا بل العكس زاد من همتنا وإصرارنا, ولحد الان لدينا مجاهدون في ساحات القتال مثل ولدي الدكتور جليل الهنون وأولاده, وان شاء الله تعالى سنستمر في هذا الطريق وسنقدم الكثير من اجل العراق ومقدساته.