الشخصية الشيعية كما رسمها الإمام الصادق عليه السلام
30-12-2018
صالح الطائي
الشخصية الشيعية
كما رسمها الإمام الصادق عليه السلام
لم يكن التشيع مدرسة فقهية تقليدية مثل المدارس الأخرى التي ولدت بعده، وإنما كان حركة ثورية والتفاتة ربانية أراد من خلالها الباري سبحانه وتعالى أن يستخلص عطاء الدين كله، وبكل ما فيه من أحكام وأقسام وحقوق وآداب وسلوك ومنهجيات، ويجمعها في وعاء من الابتكار، ليكون مركز العقيدة وشمسها.
وكما اختار سبحانه هذا الوعاء، اختار له قيادته الربانية المعصومة، واختار له أهله ومريديه وأتباعه ومحبيه، فخلقوا من نفس الطينة. ومثل أي نشاط إنساني آخر لابد وأن توحي النفس الأمارة للبعض أن يدعي الانتساب لهذا المنهج، فيدعي من يدعي أنه ينتحل هذا الخط، وهو أبعد ما يكون عنه.
ولقد دفع هذا الأمر القيادة المعصومة؛ لأن تركز على الجوانب التربوية التي تحدد ملامح الشخصية الشيعية؛ لكي لا ينخدع الناس بالمدعين، ولكي يعرف الأتباع مقدار قربهم أو بعدهم عن المنهج الرباني، وهو منهج الولاية التي أمر بها الله ورسوله.
لقد كان الأئمة المعصومون عليهم السلام يتابعون هذه المسألة باستمرار، وكانوا يختارون أفضل أصحابهم؛ ليفتحوا معهم باب الحوار فيما يخصها، فيؤصلون لمن يحسن التفريع، ليفرع إرشاداتهم وتعاليمهم، وينشرها بين الناس؛ وذلك لسببين، الأول: أن يعرف الأتباع درجة قربهم أو بعدهم عن منهج الولاية، وإلا فإن ما يريده الأئمة بالشيعي لا يمكن أن يجتمع لشخص ما. والثاني: أن يعرف المعارضون روح المنهج الحق وطبيعة أتباعه.
وفي هذا السياق التربوي الإرشادي، سأل الإمام الصادق عليه السلام جابر: "أيكفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت؟
ثم لم ينتظر الجواب، وإنما أردف قائلا: "فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرَفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشّع والأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبِر بالوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصِدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس؛ إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء".
ولأنها منظومة تربوية متكاملة شاملة تعكس الوجه الحقيقي للمؤمن التقي، فمن الصعوبة أن تجتمع كلها في إنسان، وهذا ما دفع جابر ليقول للإمام: "يا ابن رسول الله، ما نعرف اليوم أحدا بهذه الصفة.!
الإمام عليه السلام كان يعرف صعوبة اجتماع كل هذه الصفات بشخص واحد، ولذا قال لجابر: "يا جابر لا تذهبنَّ بك المذاهب، حَسْب الرجل أن يقول: أحب علياً وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعالا، فلو قال: إني أحب رسول الله، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير من علي عليه السلام ثم لا يتبع سِيرته ولا يعمل بسنته، ما نَفَعَهُ حبه إياه شيئا، فاتقوا الله، واعملوا لما عند الله تعالى، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحَبُ العباد إلى الله (عز وجل) وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته. يا جابر؛ والله ما يُتقَرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا لأحد على الله من حجة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو، وما تُنال ولايتُنا إلا بالعمل والورع".
وهكذا رسم الإمام عليه السلام خارطة الطريق للمؤمنين؛ ليسيروا عليها من هدى إلى هدى، ومن ثم يكون جزاؤهم الأوفى حسن العاقبة والنعيم.