مضيف أبي الفضل العباس عليه السلام يستقبل النازحين من محافظات العراق المنكوبة
30-12-2018
احمد الخالدي
لا تزال قربة الجود تمطر السقاء غيثاً منهمراً منذ عشرات السنين، يرتوي منه العاشقون لإباء أبي عبد الله الحسين، وإيثار أبي الفضل العباس عليهما السلام، وها هم خدمة العتبات المقدسة يواصلون العمل ليلاً ونهاراً للوقوف على راحة زائري مدينة كربلاء المقدسة، خاصة النازحين إليها من العوائل المهجرة، والذين انقطعت بهم السبل، فلجؤوا إلى تلك الحياض المترعة بالأمان، فكانت لهم وهاد كربلاء خير محتضن لاستعادة الحياة، وزرع البسمة من جديد...
جريدة صدى الروضتين كانت لها وقفات عدة مع الأقسام واللجان العاملة على خدمة وترتيب أمور النازحين، كان منها هذا اللقاء مع الحاج (كاظم عبادة) مسؤول قسم المضيف في العتبة العباسية المقدسة، ليحدثنا عن تلبية السواعد الخيرة العاملة في القسم لنداء المرجعية، ونداء الواجب الإنساني لإغاثة العوائل المهجرة، فتحدث قائلاً:
منذ بداية الأحداث في مدينة الموصل، لبينا نداء المرجعية الرشيدة، ونداء العتبة العباسية المقدسة، بأن نقف على أهبة الاستعداد لاستقبال إخواننا النازحين من هذه المدينة، فتم على إثر ذلك تشكيل لجنة في العتبة العباسية المقدسة متكونة من الأخ السيد نافع الموسوي رئيساً للجنة، وبعض الاخوة من أقسام العتبة المقدسة.
وبالنسبة للمضيف، فقد تم تخويل الأخ السيد عبد الرحمن لاستقبال المهجرين، وكانت بداية توافد النازحين الى مدينة كربلاء المقدسة في شهر رمضان المبارك، ووصل عدد العوائل المستفيدة من وجبتي الافطار والسحور الى اكثر من (7500) عائلة للوجبة الواحدة، عدا المعذورين من الصيام من كبار السن والمرضى والأطفال، فوصل العدد إلى (3500) شخص في وجبة الغداء.
صدى الروضتين: ما هي الأعداد المستفيدة بعد انتهاء شهر رمضان؟
بعد انتهاء شهر رمضان المبارك، أعددنا جداول وقوائم بالنازحين، وقد وصل لدينا العدد في بعض الأيام الى (19،000) ألف شخص في الوجبة الواحدة، وقد شكل هذا العدد جهداً كبيراً على كادر مضيف العتبة العباسية، لكن بهمة منتسبينا في القسم وبركات المولى أبي الفضل العباس عليه السلام، استمر منتسبونا في الخدمة لمدة (24) ساعة، واستطعنا أن نجهز في الوجبة الواحد ما يكفي لـ(19،000) ألف شخص، ثم قررنا أن نفتح خمسة مطابخ فرعية تابعة لمضيف العتبة المقدسة وتمويلها من مضيف العتبة المقدسة.
بعض هذه المطابخ يعمل فيها منتسبون في قسم المضيف، والبعض الآخر يعمل فيها متطوعون لتخفيف الضغط على منتسبي قسم المضيف؛ لغرض أن يصل الطعام الى مناطق قريبة من تواجد النازحين... ومن هذه المطابخ مطبخ موكب مضيف العتبة على طريق (النجف الأشرف – كربلاء المقدسة) وآخر على طريق (الحلة – كربلاء) في حسينية لأحد الاخوة المؤمنين، ومطبخ آخر في حسينية آية الله السيد الخوئي (قدس سره) في شارع صاحب الزمان f، وكذلك مطبخ في شارع الشيخ أحمد الوائلي (رحمه الله) بالقرب من فندق جنة الباقر عليه السلام.
وجزى الله تعالى أصحاب الفندق خيراً، إذ تبرعوا بإسكان عدد من النازحين في الفندق، وتبرعوا كذلك بقطعة أرض مجاورة أنشأنا فيها مطبخاً نعد فيه يوميا (3500) وجبة طعام. وأنشأنا مطبخاً آخر في حسينية الكريعات في منطقة حي العباس عليه السلام، فضلاً عن المقر الرئيسي في العتبة المقدسة، والذي يجهز حالياً، بعد انشاء هذه المطابخ اكثر من (7000) وجبة يومياً، وكل هذه المطابخ تقوم بخدمة النازحين.
صدى الروضتين: هل لازالت الأعداد النازحة من العوائل كما هي منذ بدء وفودهم والى الآن أم هناك تغيير في الأعداد؟
التغيير بدأ بعد الاتفاق مع العتبة الحسينية المقدسة في أن يستلموا مهمة اطعام النازحين على طريق النجف الأشرف، مما جعلنا نخصص موكب مضيف العتبة العباسية المقدسة لتجهيز المتطوعين في منطقة الرحالية.
وهناك تغيير على مستوى النوعية، فقد لاحظنا من خلال معايشتنا للنازحين، أنهم لا يرغبون في الطريقة التي نعد بها الطعام، فهم متعودون على أنواع خاصة بهم من الأطعمة، وطرائق خاصة في إعدادها، ونحن في كربلاء لا نعرف تلك الطرائق، لكننا نقدم لهم أجود أنواع الطعام المعدة بأجود الطرائق في الطبخ الكربلائي.
بعد ذلك، صار الاتفاق مع لجنة استقبال المهجرين أن نوزع على العوائل النازحة مواد جافة, فجهزنا كل المواد الغذائية التي تشكل سلة غذائية متكاملة من كافة المواد المعروفة، ومن ضمنها اللحوم والدجاج... وسنقوم - إن شاء الله - بعد اكتمال العدد المطلوب، بتجهيز هذه السلة الغذائية على العوائل، والتي تكفيهم لمدة (15) يوماً وحسب البيانات الموجودة لدينا، وحسب العدد الذي تتكون منه كل عائلة.
علماً أن لدينا بيانات مفصلة على جهاز الحاسوب عن كل العوائل، وأعداد افرادها، ومحل سكنهم في كربلاء؛ ليكون لدينا مركزية في العمل، وحتى لا يحرم أي نازح من الاستفادة من مضيف العتبة العباسية المقدسة، فكل العوائل المثبتة في سجلاتنا يحصلون على حصصهم، وإن شاء الله سنبدأ بتوزيع السلة الغذائية بعد أيام، وكذلك سنهيئ لهم أواني الطبخ، وقد جهزنا مسبقا الأماكن الذي يسكن فيها النازحون بالطباخات واسطوانات الغاز.
صدى الروضتين: هل هناك مواد أخرى غير المواد الغذائية حصل عليها النازحون؟
جاءتنا تبرعات كثيرة جداً من مواد جافة، وملابس وعباءات نسائية، ومستلزمات للأطفال، وزعناها على العوائل النازحة، وبالنسبة لكل الأمور المتعلقة بالمواد الغذائية هي تحت اشرافي ومتابعتي. أما باقي الأمور فهناك الاخوة من باقي الأقسام: كقسم الشؤون الخدمية الذي يوفر الثلج والماء البارد، وغيرها من الامور، وكذلك قسم الصيانة الهندسية الذي يتابع مواقع سكن النازحين، ويوفر لهم الخدمات المتعلقة بالكهرباء، واصلاح الأجهزة التي تحتاج الى صيانة.
صدى الروضتين: ماذا عن تجهيز مضيف العتبة العباسية للقطعات العسكرية؟
تم تجهيز القطعات التي تمت اعادة هيكلتها والتي انتشرت في مدينة كربلاء المقدسة وحولها، ووصل عدد المستفيدين الى (100000) شخص في شهر رمضان المبارك، إضافة الى المتدربين والمتطوعين الذين لبوا نداء المرجعية؛ لغرض القيام بالواجب الكفائي للدفاع عن مقدسات العراق، يشمل ذلك الفرقة العسكرية من المتطوعين والتي تسمى بـ(فرقة العباس القتالية)، والمتدربين من منتسبي العتبة العباسية، وكذلك المتطوعين على القطعات العسكرية الاخرى، والذين هم أغلبهم من المحافظات العراقية، حيث كان لدينا موقعان للمضيف الأول: في مدينة الزائرين التابعة للعتبة العباسية المقدسة، والثاني: في موكب مضيف العتبة العباسية المقدسة، فكان افطارهم وسحورهم ووجبة الغداء لمن لم ينو الاقامة عشرة ايام منهم على العتبة المقدسة، فضلاً عن المواد الغذائية الجافة التي تم توزيعها على القطعات العسكرية ومادة (الكليجة) التي أعدتها المدارس الدينية النسوية التابعة للعتبة العباسية المقدسة، والتي أوصلنا منها كميات كبيرة جدا الى قطعات الجيش المتقدمة في مناطق مثل: عامرية الفلوجة، وجرف الصخر، والرفيع، والرحالية، والمناطق المحيطة بمدينة كربلاء المقدسة.
وكذلك تبنينا اطعام المقاتلين في أقضية (الدجيل، وبلد)، وبدعم كامل من مضيف أبي الفضل العباس عليه السلام. وكنا نعد الطعام في البداية في مدينة الكاظمية المقدسة، بالتعاون مع بعض الاخوة المتطوعين، بعدها تم نقل الطبخ الى نفس المعسكر في منطقة الدجيل، وكذلك اوصلنا المواد الغذائية الى مدينة سامراء المقدسة، حيث أرسلنا أكثر من (28) طنا من المواد الغذائية، فضلاً عن مادتي اللحم والدجاج.
وكذلك ارسلنا قناني الماء بكميات كبيرة جدا، ونحن مستمرون بتجهيز قطعات الجيش، والآن نقوم بتجهيز المتطوعين في منطقة (جرف الصخر) بالمواد الغذائية التي يحتاجونها، وأستطيع القول: إن أكثر القطعات المنتشرة على محيط كربلاء المقدسة، واطراف محافظة الانبار، مستفيدة من تجهيز مضيف العتبة العباسية المقدسة بالمواد الغذائية، إما بشكل طعام مطبوخ، او مواد غذائية جافة، وبعد أن استقر الوضع نوعا ما، قمنا بتجهيز كل المتطوعين، وبعض قطعات الجيش.
صدى الروضتين: هل تم الاستعانة بمنتسبين من باقي اقسام العتبة، لغرض تخفيف الضغط عن منتسبي قسم المضيف؟
منذ اليوم الأول، فاتحت الأمين العام للعتبة المقدسة سماحة السيد احمد الصافي (دام عزه) حول الاعداد الوافدة لمدينة لكربلاء، وهل هناك عدد محدد؟ فأجابني سماحته بأننا نستقبل أي وافد الى كربلاء، ولا نقف عند عدد محدد... ولأن مضيف العتبة العباسية المقدسة يقدم نفس نوعية الطعام التي يقدمها للضيوف، لذلك كان على كادر قسم المضيف أن يتحمل جهودا مضاعفة؛ لغرض توفير الاعداد الكبيرة من الوجبات لتلبي حاجة العدد الكبير من النازحين، والذي وصل في شهر رمضان وبعده الى (19000) ألف نازح، فتم تقسيم الكادر الى قسمين: قسم يقوم بالطبخ، وقسم آخر يقوم بتجهيز حصة كل فرد على حدة بطريقة التجهيز السفري؛ لأن حصة الفرد الواحد تحتوي على اكثر من مادة: كالرز، والدجاج، والخبز، والبرتقال، واللبن، والتمر... وكل هذا يحتاج الى وقت ومراحل يمر بها؛ لكي يصل الى مراكز التوزيع، وهو مجهود كبير، لذا أوقفنا اجازات المنتسبين تماما، ثم استعنا بعشرة منتسبين من قسم العلاقات العامة، وعملوا معنا لعدة ايام في شهر رمضان ثم انسحبوا، ثم جاءنا سبعة متطوعين من شعبة استثمار الآليات في العتبة المقدسة، وخدموا معنا عدة ايام، وعند فتح المطابخ الفرعية الخارجية، خفّ العبء عن منتسبي القسم، اذ بقي على عاتق مضيف العتبة المقدسة فقط (7000) آلاف نازح، فضلاً عن الوفود والضيوف الذين يأتون للعتبة، خصوصا بعض الوفود العسكرية التي تصل اعدادها احيانا الى (1000) شخص أو اكثر...
والحمد لله تعالى نحن مستعدون لمثل هذه الاعداد، ورغم التعب الجسدي الذي يصيب المنتسب في قسم المضيف، إلا أن منتسبينا فرحون بهذه الخدمة وتأدية الواجب، وإن شاء نؤدي واجبنا في ساحات القتال.
صدى الروضتين: ما هي مساحة القطعات العسكرية المستفيدة من مضيف أبي الفضل العباس عليه السلام؟
في البداية كل القطعات التي دخلت الى مدينة كربلاء المقدسة (وحين أقول كل، أنا متأكد من ذلك) بعد أحداث الموصل، كنا نقوم بتجهيزهم بالمواد الغذائية بالتنسيق مع قيادة عمليات كربلاء، وحالياً هناك لجنة تتفقد قطعاتنا العسكرية من أقسام العتبة المقدسة من التوجيه الدينية، والعلاقات العامة، حيث هناك زيارات لهذه القطعات المعسكرة في الصحراء بين مدينتي كربلاء والأنبار، وصولاً الى عامرية الفلوجة... وبالنسبة لواجب قسم المضيف، هو تجهيزهم بالمواد الغذائية الجافة.
وبعد أن تم تهجير أهالي سنجار، أوصلنا مواد غذائية الى سنجار، وكذلك أوصلنا المواد الغذائية الى (طوزخورماتو، آمرلي، ديالى)، بعض الاحيان عن طريق البر، وفي أحيان أخرى بمساعدة طيران الجيش، وآخر وجبة غذائية أرسلناها قبل أيام الى منطقة (آمرلي) المحاصرة من كل الجهات بكلاب (داعش)، وكانت المواد التي ارسلناها ايضا بالتعاون مع طيران الجيش هي (البسكت، والحليب، والتمر)، وكذلك نوعية من الخبز تتحمل فترات طويلة، وتبقى صالحة للأكل استوردناها لأجل هذه الغاية.
أما قبل حصار سنجار، فكنا نرسل المواد الغذائية والمساعدات بالتنسيق مع وكلاء المرجعية في تلك المنطقة, وقبل أن تبدأ الأزمة في العراق، كنا قد أعددنا خزينا للأمور الطارئة.
انتهى حديثنا مع الحاج (كاظم عبادة) رئيس قسم المضيف في العتبة العباسية المقدسة، ولكن قصتنا مع هذا التلاحم والترابط الأخوي بين أبناء شعبنا العراقي لن تنتهي، وخدمة العتبات المقدسة جسدوا هذا المعنى على أرض الواقع خير تمثيل، فكانوا مصداقاً للحديث النبوي الشريف: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)(المصدر: ميزان الحكمة - الريشهري الباب 481 الأمثال ج9 ص176).