الشاعر الحسيني كاظم المنظور رحمه الله
30-12-2018
لجنة احياء الشعائر الحسينية
الشاعر الحسيني كاظم المنظور رحمه الله
نَذَرَ عمره لخدمة القضية الحسينية
عبر كلمات خالدة نطقت بلوعة الطف وحزنه الأليم
لقد خلَّد التاريخ رجالاً أفنوا حياتهم في خدمة المجتمع والدين، فلا زالت آثارهم باقية وصدقاتهم جارية بما خلّفوه مِن علمٍ وعمل، ولا زالت أسماؤهم وسيرتهم العطرة تتردّد على ألسن الفضلاء والنبلاء، ومن هؤلاء الشاعر الحسيني كاظم المنظور الكربلائي، فهو واحد من أولئك الرجال الذين أبدعوا ورفدوا الساحة الشعرية، كتب أكثر قصائده الرثائية في حبّ العترة النبوية الشريفة؛ لكونه نشأ نشأةً دينية، وحضر المجالس الأدبية، ووُلدَ في مدينةٍ لها تاريخها الدينيّ العريق وهي كربلاء المقدسة.
وشاعرنا المرحوم هو كاظم بن حسون بن عبد عون الشمري، ولد في كربلاء عام (١٨٩١م) الموافق لـ(١٣٠٩هـ) في محلة باب النجف (خلف تكية العباسية حالياً)، وعاش في كنف والده الذي توفّي وفارقه وله من العمر (٧ سنوات)، فتولّى تربيته ورعايته أخوه الأكبر وخالهُ، واستمرّ بالعيش في كربلاء حيث سكنها وانتقل بين محلاتها الشعبية، فمن محلة باب النجف انتقل إلى محلة باب الخان وسكن قرب حمام العلقمي، ثم انتقل إلى منطقة باب طويريج المسماة بـ(المقلع)، واستقرّ بعدها في محلّة العباسية الشرقية سنة (1958) قرب مديرية الجنسية حالياً.
عمل في (الجندرمة) خلال الشهور الأخيرة من الحكم العثماني، وكان أحد حراس بوابة كربلاء الشمالية (الطريق من وإلى بغداد) في ثورة العشرين (1920) ومارس المنظور العديد من المهن، كمهنة (القهوجي)، وكذلك مهنة تصنيع الجص (جصاص)، ومن ثمّ بيع التمور، وبعدها مهنة بيع الأغنام، وكان طيلة ممارسته هذه المهن مولعاً بكتابة الشعر الحسيني.
في ريعان شبابه أخذ يتردّد على المجالس الحسينية، لاسيّما في شهري محرم وصفر، وكان يحفظ الشعر، وبانت عليه ملكة الحفظ رغم أنّه لا يقرأ ولا يكتب، بدأ بجزء عمَّ وكان يحضر في شهر رمضان مجالس تفسير القرآن في الصحن الحسيني الشريف للعلامة المفسّر السيد حسن الاسترابادي، وأكمل حفظ القرآن وهو في سنّ الخامسة والعشرين دون أن يُتقن الكتابة، وكان يستعين بمن حوله للكتابة.
وقد أكسبته قراءة القرآن في سنّه المبكّرة موهبةً فريدة في نظم الشعر بصورةٍ ميّزته عن أقرانه، حيث كان الشعر في ذلك الوقت يدور حول واقعة الطف ومأساتها، إلّا أنّ المنظور استطاع أن يأتي بنمطٍ شعريٍّ ثوريٍّ جديد نابعٍ من صميم العقيدة الإسلامية، واستطاع أن يُدخل مفردات جديدة في شعره، ومنها عالم الأرواح والقبر والبرزخ والحساب والشفاعة.
عاصر المنظور قسماً كبيراً من الشعراء الكبار أمثال: الشاعر والمبدع المرحوم الحاج عبّود غفلة، والشيخ هادي القصاب، وعبد الأمير الفتلاوي، وكاظم البنّا، والحاج كاظم السلامي، والشاعر الرادود عبد الأمير الترجمان، وغيرهم...
وتتلمذ على يديه شعراءٌ كبار: كالشاعر والرادود مهدي الأموي، والشاعر سعيد الهر، والشاعر سليم البياتي وغيرهم... واتّفق أهل صناعة الشعر الدارج (العامي) على أنّه أميرهم بدون منازع، لم يأخذ شيئاً ممّن سبقوه أو عاصروه، بينما أخذ الجميع كلّ شيءٍ منه، وتميّز بأسلوبٍ رضيت به كلّ الأذواق، فصار شاعر كربلاء الأوّل في الشعر الحسيني، وغمرت روائعه أحاسيس المتذوّقين، وطبع له ديوان (المنظورات الحسينية) في (12) جزء، وأُخرج عنه مجلّدان ضخمان، كما جُمعت له نماذج شعرية أخرى منتقاة من قصائده، وطبعت عام (1958) في ديوان (الأغاريد الشعبية) الذي طُبعَ بعد وفاته أيضاً، وقد أنشد شاعرنا الكثير من قصائده.
نذر عمره لخدمة الحسين عليه السلام ، ووظّف قلمه وقريحته في عرض واقعة الطف ومصائب آل البيت عليهم السلام ، وأتقن الشعر فشغل الساحة الحسينية لأكثر من ستّين عاماً بشكل ملحوظ، وتميّز بين أقرانه من الشعراء بهذه الفرادة الكبيرة كشاعر أمّيّ في الأصل، لكنّه أبدع في نظم الشعر الذي لا زال يردّده الرواديد على المنابر الحسينية، فضلاً عن ذلك فإنّه شاعرٌ بارعٌ وكبير.