المجالس الحسينية على مر التاريخ

30-12-2018
حسن الهاشمي
المجالس الحسينية على مر التاريخ
المآتم المقامة من قبل الأنبياء والأولياء عليهم السلام
القسم الأول
إن أول من أقام مجلس العزاء على سيد شباب أهل الجنة على هذه الأرض هو آدم عليه السلام ، فقد روى صاحب الدّر الثمين في تفسير قوله تعالى: ((فتلقى آدم من ربّه كلمات))، أنّه رأى ساق العرش وأسماء النبي والأئمّة عليهم السلام ، فلقـّنه جبرائيل، قل: يا حميد بحق محمد، يا عالي بحق علي، يا فاطر بحق فاطمة، يا محسن بحق الحسن والحسين ومنك الإحسان، فلما ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال: يا أخي جبرائيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل دمعتي؟، قال جبرائيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب، فقال: يا أخي وما هي؟ قال: يقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصر ولا معين، ولو تراه يا آدم وهو يقول: وا عطشاه وا قلـّة ناصراه، حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدّخان، فلم يجبه أحد إلا بالسّيوف، وشرب الحتوف، فيذبح ذبح الشاة من قفاه، وينهب رحله أعداؤه، وتشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان، ومعهم النسوان، كذلك سبق في علم الواحد المنّان، فبكى آدم وجبرائيل بكاء الثكلى. (بحار الأنوار للعلامة المجلسي، المجلّد 44/ 245).

أما باقي الأنبياء عليهم السلام فأنهم أقاموا العزاء وواسوا الحسين عليه السلام قبل ولادته بعلم من الله تعالى، فقبل حادثة الطف بآلاف السنين، فإن جملة من الأنبياء واسوا الإمام الحسين بمصابه، ولعنوا قاتليه: كآدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وموسى وسليمان وعيسى، حاصله؛ أنّهم عليهم السلام مرّوا بأرض كربلاء فأصابهم ما أغمهم وأحزنهم، فسألوا ربّهم عن سبب ذلك، فأوحى لهم أنّه يقتل في هذه الأرض الحسين سبط خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء، سبط محمد المصطفى وابن عليّ المرتضى عليهم السلام ، يقتله يزيد لعين أهل السماوات والأرضين والخلائق أجمعين، لعين السمك في البحار، والوحوش في القفار، والطير في الهواء، والقلم جرى على اللوح بلعنه، فيلعنه الأنبياء - وقد ورد في أكثر من رواية من هذه الروايات أنّهم عليهم السلام كان يصيبهم الحزن والغم موافقة لما يصاب به الحسين عليه السلام من ظلم، وكانوا يلعنون قاتليه أربع مرّات - فيزول ما أصابهم، ويرتفع ما حلّ بهم. (البحار: المجلّد44/ 242، 244).
أما الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم فقد كان على علاقة متميزة مع الإمام الحسين عليه السلام ، كيف تلقى إخبار الوحي بقتل فلذة كبده وريحانته من الدنيا؟
قال العلامة السيد محسن الأمين العاملي في الصفحة (30) من مصنفه: (إقناع اللائم على إقامة المآتم) ما نصه: (ذكر الشيخ أبو الحسن على بن محمد الماوردي الشافعي في كتابه (أعلام النبوة) صفحة (83) طبعة مصر، فقال: ومن إنذاره صلى الله عليه واله وسلم ما رواه عروة عن عائشة قال: دخل الحسين بن علي عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو يوحى إليه، فبرك على ظهره وهو منكب ولعب على ظهره، فقال جبرائيل: يا محمد، إن أمتك ستفتن بعدك ويقتل ابنك هذا من بعدك، ومد يده فأتاه بتربة بيضاء وقال: في هذه الأرض يقتل ابنك اسمها الطف.
فلما ذهب جبرائيل خرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى أصحابه والتربة في يده، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي وحذيفة وعمار وأبو ذر وهو يبكي، فقالوا ما يبكيك يا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ؟ فقال: أخبرني جبرائيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه.. انتهى.
ثم يضيف السيد محسن العاملي على ذلك بقوله: (أقول: ولابد أن يكون الصحابة لما رأوا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يبكي لقتل ولده وتربته بيده، وأخبرهم بما أخبره جبرائيل من قتله، وأراهم تربته التي جاء بها جبرائيل، أخذتهم الرقة الشديدة فبكوا لبكائه، وواسوه في الحزن على ولده، فان ذلك مما يبعث على أشد الحزن والبكاء لو كانت هذه الواقعة مع غير النبي صلى الله عليه واله وسلم والصحابة، فكيف بهم معه، فهذا أول مأتم أقيم على الحسين عليه السلام يشبه مآتمنا التي تقام عليه، وكان الذاكر فيه للمصيبة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والمستمعون أصحابه.