الأخوة والتآخي في الله تعالى
30-12-2018
أبو محمد الذهبي
الأخوة والتآخي في الله تعالى
إن من أهم مفردات الخلق العظيم والأدب الرفيع الذي أراده نبي الإسلام وربه المتعال لصناعة جيل من الشعوب المسلمة القادرة على حمل رسالة الإسلام الرائدة, وهي مفردة الأخوة والتآخي بالله تعالى، والأخوة في الله لا تشترى بالمال، بل هي منحة الله الكريم لعباده المؤمنين، فهي نعمة الله الكبرى والتي ينبغي الحفاظ على ديمومتها بما فيه لله رضا ولأنفسنا خير وصلاح، إذ لا فائدة ولا طائل من إخوة وصداقة وارتباط ومحبة تتعرى عن الوصل بالله الأحد، وما ضعفت أمة الإسلام بهذه الصورة المهينة المخزية إلا يوم أن غاب عنها أصل وحدتها وقوتها ألا وهو (الأخوة في الله والتحابب والتوادد في الله) بالمعنى الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فمحال ثم محال أن تتحقق الأخوة بمعناها الحقيقي إلا على عقيدة التوحيد بصفائها وشمولها وكمالها.
كما حولت هذه الأخوة (في بداياتها وجذورها البدائية) الأولى من رعاة للغنم إلى سادة وقادة لجميع الدول والأمم، يوم أن تحولت هذه الأخوة التي بنيت على العقيدة بشمولها وكمالها إلى واقع عملي ومنهج حياة، تجلى هذا الواقـع المشرق المضيء المنير يوم أن آخى النبي ابتداءً بين الموحدين في مكة، على الرغم من اختـلاف ألوانهم وأشكالهم، وألسنتهم وأوطانهـم، إذ آخى بين حمـزة القرشي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي وأبى ذر الغفاري، ثم آخى النبي بين أهل المدينة من الأوس والخزرج، بعد حروب دامية طويلة، وصراع مر مرير، أُحرِقَ فيه الأخضر واليابس..!! ثم راح رسول الله الأمجد ليستعرض مهرجـان حُبٍّ لم ولن تعرف البشرية له مثيلاً، تصافحت فيه القلوب، وامتزجت فيه الأرواح يوم آخى بين أهل مكة من المهاجرين وبين أهل المدينة من الأنصار, وأراد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أن يستمر هذا المنهج ويحيى طول الأزمنة.
وعلى تجدد الأجيال أراد صلى الله عليه واله وسلم أن تكون الإخوة الحقيقية النابعة من القلب لا من اللسان بين المؤمنين وتكون قرينة الإيمان لا تنفك عنه، ولا ينفك الإيمان عنها، فإن وجدت أخوة من غير إيمـان، فاعلم يقيناً أنها التقـاء مصالح، وتبادل منافع، وإن رأيت إيماناً بدون أخوة صادقة، فاعلم يقيناً أنه إيمان ناقص يحتاج صاحبه إلى دواء وعلاج لمرض فيه، لذا جمع الله بين الإيمـان والأخوة في آية جامعة فقال سبحانه: "إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" فالمؤمنون جميعاً كأنهم روح واحدة حلت في أجسام متعددة كأنهم أغصان متشابكة انبثقت من دوحة واحدة، وهي القضية المقدسة متمحورة في الإسلام الأقدس.
ومن معنى الإخوة تهدلت نعمة آصرة ورابطة الجسد الواحد الذي امتنّ به الله سبحانه وتعالى على المؤمنين الأطهار حيث قال: "فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم" وقال تعالى: "وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".
بَيْدَ أن الحفاظ على هذه المنة الإلهية يستلزم الثبات والشروع في تنفيذ متطلبات الإخوة ومن شروطها: الحب في الله سبحانه وتعالى والبغض في الله، ففي الحديث عن الخاتم الأمين صلى الله عليه واله وسلم قال: (من أحبَّ لله، وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان).(أعلام الدين في صفات المؤمنين: ج20/ ص8). وأيضا عنه صلى الله عليه واله وسلم قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال، فقال: إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكـر الله خالياً ففاضت عينـاه) (شرح البداية في علم الدراية ج/19).