القلوب مركز العواطف
30-12-2018
الأستاذ كامل حسين الجنابي
القلوب مركز العواطف
إن قلوب عباد الله مركز العواطف، فلا عجب أن ينهلّ دمع أعينهم مدراراً، المهم أن يسيطروا على أنفسهم، ولا يفقدوا توازنهم، ولا يقولوا شيئاً يسخط الرب.. قال الإمام الصادق عليه السلام : "البكاؤون خمسة: آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه واله وسلم وعلي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، فأما آدم عليه السلام فبكى على الجنة، حتى صار في خديه أمثال الأودية، وأما يعقوب عليه السلام فبكى على يوسف عليه السلام حتى ابيضت عيناه.. وأما يوسف عليه السلام فبكى على يعقوب عليه السلام حتى تأذى منه أهل السجن، وأما فاطمة بنت محمد صلى الله عليه واله وسلم فبكت على أبيها حتى تأذى منها أهل المدينة، وأما علي بن الحسين عليه السلام فبكى على الحسين عليه السلام عشرين سنة أو أربعين، وما وضع طعام بين يديه إلا بكى" (مكارم الأخلاق – للطبرسي: ص207).
وقال الإمام الصادق عليه السلام : "لما حضرت الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام الوفاة بكى، فقيل: يا ابن رسول الله تبكي ومكانك من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الذي أنت به، وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فيك ما قال، وقد حججت عشرين حجة ماشياً، وقد قاسمت ربك مالك ثلاث مرات حتى النعل.. فقال عليه السلام : إنما أبكي لخصلتين، لهول المطلع وفراق الأحبة" (نفس المصدر).
إن البكاء ذكر في القرآن الكريم في بعض الآيات الكريمة. كما أن البكاء سجية الأنبياء عليهم السلام ، فكانوا يبكون عندما يدعون ربهم، وكان رسول الله محمد صلى الله عليه واله وسلم يبكي عندما يصلي ويدعو الله (عز وجل)، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، يبكون وكان الأئمة عليهم السلام يبكون، وكذلك المؤمنون المتقون يبكون من خشية الله سبحانه.
وعندما يكون البكاء من خشية الله تعالى، هو دلالة على الإخلاص والطاعة والحب والخشوع لله سبحانه، فأنه يكون عبادة، ويكون للبكاء فضل وثواب وأجر كبير من الله تعالى، وأعظم الأجر والثواب من الله سبحانه البكاء على مصيبة الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، ومصائب الأئمة الأطهار عليهم السلام .
وللبكاء فوائد صحية ونفسية على الفرد، فإن البكاء خلقه الله سبحانه للإنسان فطرياً؛ ليكون الأداة للتخلص من الاختناق والهلع النفسي، وتفريغ الهموم والصدمات النفسية، وهذه رحمة ونعمة للإنسان.
وهكذا نجد أن البكاء ليس من الجبن والضعف، وأن الأنبياء وعلياً والأئمة عليهم السلام والمؤمنين والمتقين يبكون عند دعائهم وصلاتهم وقراءة القرآن الكريم، وعندما يذكرون الله (عز وجل) والموت والجنة والنار.
إن ما في صدر الإنسان هو القلب، وليس حجراً..! وطبيعي أن يتأثر الإنسان أمام المسائل العاطفية، وأبسط هذا التأثر هو إنهلال الدمع.. إن هذا لا يعد عيباً ولا علاقة بضعف الشخصية، بل هو أمر حسن، العيب هو أن يقول الإنسان ما يسخط الرب.
ويوضح العلامة المجلسي في بحار الأنوار البكاء: "إن البكاء من الأغراض النفسانية المختلفة" فإن الإنسان إذا أحس بحصول المنافي والمؤذي حزن، فانعصر دم قلبه من الداخل، فينعصر أيضاً دماغه، وتنفصل عنه قطرة من الماء، وتخرج من العين وهي البكاء" (بحار الأنوار – المجلسي: ج58/ ص126).
اللهم نسألك الرحمة والغفران إنك سميع مجيب.