الزهد ومديات التأثير الاجتماعي
30-12-2018
موفق الرحال
يذهب كثيرٌ من علماء الاجتماع إلى أن شراهة الاستحواذ والاحتكار بالمال والسلطة والتنافس في أمور الدنيا والتزاحم والتسابق في استملاك أدوات العيش والثراء, كلها لها الأثر المباشر في خلق وتغذية أكثر المشاكل الاجتماعية, وما ينتج عنها من أمراض تمس المنظومة الأخلاقية لذلك المجتمع وأفراده المنتمين له.
إذن، الرغبة في الدنيا وطول الأمل في العيش والحياة، وما ينتج عنها من أعراض جانبية أهمها الأنانية المقيتة، وحب الذات, وكراهية الآخر المنافس، والتزاحم له في دروب الحياة, كل ذلك أسباب رئيسية ومباشرة في تأجيج الصراعات والنزاعات بين أفراد المجتمع الواحد، ناهيك عن النزاعات والحروب التي تحدث بين المجتمعات والدول، فكلها تعود إلى حب السيطرة، والتسابق في نهب الثروات.
ولو قمنا بنظرة فاحصة حول العالم، لوجدنا أن أكثر المناطق فقراً وحرماناً هي مناطق النزاعات والصراعات الناتجة عن التنافس على المكاسب المالية أو المنصبية وما شاكلها من مغريات دنيوية بحتة تؤدي بالمجتمعات إلى الظلم والفشل والتخلف والجهل, وهذا الشيء أكثر ما يكون في مجتمعاتنا الإسلامية مع شديد الاسف؛ لأنها بحكم الانانية وحب السلطة وما نتج بعدها من كراهية تجاه الآخر المخالف أو المزاحم وقعت ضحية لهذه الأمراض المنهكة التي أكد القرآن الكريم نتائجها: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحُكُم) الأنفال: 46.
إن من يطالع التاريخ، ويتدبر آيات القرآن الكريم جيداً، يجد أن هذه الأمراض نفسها هي من كانت وراء الذين وقفوا بوجوه الأنبياء ورسالاتهم؛ لأن هؤلاء وجدوا أن هذه الأديان تهدد ما كان عندهم من امتيازات حصلوا عليها وأمنتها لهم الأوضاع السابقة للبعثة والرسالة التي ارتضاها الله (عز وجل) لإصلاح ذلك المجتمع.
فيا إخوتي، إنّ شيوع أدنى مستوى من الزهد في المجتمعات لكفيل بأدواء هذه المصائب والأمراض التي أُبتلينا بها ومازلنا، قال (صلى الله عليه واله وسلم ): (إن صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين وهلاك آخرها بالشح والأمل) (أعلام الدين في صفات المؤمنين: ج10/ ص6).
ومن خلال الزهد، نستطيع القضاء على كل أشكال الأنانية والكراهية والتنافس على الدنيا، وسيكون حينها المجتمع خالياً من أي صراع أو نزاع يمكن أن ينخر تماسكه ووحدته أو يؤدي به إلى الخراب، وكما قال فيه أمير المؤمنين (عليه السلام ): (الزهد مفتاح صلاح) (ميزان الحكمة: ج4/ ص176)، عندئذ سيرتقي المجتمع لا محال في التطور والازدهار، ويكون موضع رحمة الله سبحانه وتعالى ونصره المبين.