البكاء

30-12-2018
الاستاذ كامل حسين الجنابي
البكاء
معنى البكاء:
البكاء تعبير عن حاجة إنسانية يلجأ إليها الإنسان بطبيعته، عندما تكتنفه صعوبات الحياة وآلامها، فلا يملك إزاءها حولاً ولا قوة تعينه على الفرار منها، خصوصاً في اللحظات الحرجة، فيتنفس عبر البكاء، أو عندما يُفاجأ بفقدان حبيب أو خسارة مادية أو معنوية، فيختل توازنه النفسي، فيندفع تلقائياً وبلا شعور، فيستفرغ ضيقه وحسراته وكبته عن طريق البكاء.. وهذه الحاجة لا تختص بعقيدة دون أخرى، لأن منشأ البكاء نفسي فطري..
والبكاء هو سيد الآداب؛ لدلالته على رقة القلب والإخلاص الذي عنده تحصل الإجابة. أما جحود العين فمن قساوة القلب، وقاسي القلب يُردّ دعاؤه، كما ورد في الحديث الشريف.(1).
وللبكاء حالات متنوعة منها:
النحب، الانتحاب: بمعنى البكاء بصوت طويل ومرتفع، وهو أشد البكاء.
والنياحة: البكاء بجزع وعويل.
الشجو: الحزن، أي يبكون تصنعاً متى أرادوا، والشوط من البكاء.(2).
الجرش: وهو من فزعه كأنه يريد البكاء، وهو أن يفزع الإنسان إلى غيره، وهو مع ذلك يريد البكاء، كالصبي يفزع إلى أمه وقد تهيأ للبكاء.
الشهيق: تردد البكاء في الصدر.(3).
والبكاء: سيلان الدمع عن حزن وعويل، يقول علماء النفس في دراسة أخيرة لهم: البكاء هو تعبير عن إنسانية الإنسان، إذ يشعر بعد البكاء براحة نفسية، تماماً كما ترتاح الطبيعة بعد هطول المطر، وتبزغ شمسها الحنون.
ويقول علماء الاجتماع: إن البكاء قبل الضحك، هو ما يتميز به الإنسان، كما وإن الحيوان لا يضحك فإنه لا يبكي كذلك... والتعبير عن الألم بالدموع نوع من التطور الاجتماعي، ونوع من تطور الذكاء الاجتماعي.
ومن الناحية الإسلامية، فإن البكاء تعبير عن التقوى والخشوع والخضوع والشوق والحب والطاعة، والتوبة والخوف من الله سبحانه... حيث يقول أمير المؤمنين عليه السلام واصفاً أصحاب رسول الله J: "إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبتل جيوبهم"(4).
إن البكاء هو صفة الذين يحبون الله ويخافونه، ومن الذاكرين والمطيعين والمستغفرين الله في قلوبهم وسلوكهم.. ويقول إمام المتقين علي عليه السلام : "البكاء سجية المشفقين"(5).
وإن البكاء صفة من صفات المتقين الذين ترق قلوبهم لله تعالى، ويقول أمير المؤمنين علي عليه السلام في صفات المتقين: "مُرْهُ العُيُونِ مِنَ البُكَاءِ خُمصُ البُطُونِ مِنَ الصيَامِ".(6).
والبكاء سلاح المتقين، كما قال إمام المتقين علي عليه السلام في دعاء كميل: "اللهم إرحم من رأس ماله الرجاء، وسلاحه البكاء، يا سابغ النعم".

المصادر:
1- قبسات من نهج البلاغة – للسيد سامي خضرة/ ص64.
2- تفسير الأمثل – للشيخ مكارم الشيرازي: ج1/ ص100.
3- بحار الأنوار – للشيخ المجلسي: ج18/ ص55.
4- قبسات من نهج البلاغة: ص64.
5- غرر الحكم ودرر الكلم – للآمدي: ص192.
6- قبسات من نهج البلاغة: ص63.