12 عاماً مرت على وفاة عميد المنبر الحسيني الشيخ الدكتور أحمد الوائلي ?

30-12-2018
صالح غانم الاسدي
12 عاماً مرت على وفاة عميد المنبر الحسيني
الشيخ الدكتور أحمد الوائلي ?
لم يغب عن الذاكرة يوماً، ولم تتوقف الألسن من التردد بلهج اسمه، وما من دار خلت من نفحات كلماته الرنانة في أحداث السيرة النبوية والتاريخ والفلسفة وواقعة الطف التي كان ينشد اليها في كل مناسبة يرتقي فيها المنبر.
ظل اسمه محفورا في الذاكرة لتعشقه القلوب، وارَتوَى الناس من ينابيع العلم والمعرفة حينما يرسلها كالدرر تتناثر لتضيء جميع السبل, غاص في بحور الفكر، وسار في التاريخ حتى بقر الباطل، حارب من على المنبر الخرافات والأساطير، وأثبت ما هو صالح، وأقنع كل من سمعه بالأدلة، وهذب الحزن والبكاء بعد أن كانت تذرف الدموع لمجرد السماع فقط، ليحولها الى وعي سياسي وفكري لمواجهة التحديات، وحصن عقول الناس للبحث عن الحقيقة دائماً.
لم تكل يديه يوما بالدعاء لأن تكون الأمة متماسكة والإسلام جسد واحد, حينما تسمع له محاضرة يغنيك قراءة جمع من الكتب، ووصف بأنه المكتبة المتنقلة الحاوية على مختلف العلوم.
أيها الشيخ الدكتور الوائلي.. أي كفن عملاق يحتضنك؟ عشت في الدنيا فقيراً لتهذب أجيالاً، وذهبت الى ربك غنياً بعد أن تغابنتَ من الدنيا لتأخذ حظك في الآخرة, شيعك الملايين، وصدحت لك حناجر المحبين، وتزاحمت أفواجاً لترفع نعشك الى مثواه الأخير, ليجزيك ربك على ما قمت به من مجهود كبير لا يوصف، جزاك الله خيراً، وجعل عملك ظلاً لك يوم القيامة، وأنيساً في القبر، وستراً وحجاباً من النار.
ولد الوائلي في (17/ربيع الأول/1347هـ,1/9/1928، وتوفي 14تموز 2003م), ودفن الى جوار كميل بن زياد E في البقعة الطاهرة في النجف الأشرف, بعد فترة قسرية غُيّب فيها خارج الوطن، ودخل العراق بعد أن رأى الطاغية مكسوراً مهزوماً وقد استجاب له ربه، بأن يُدفن في بقعة النجف الأشرف، وهذا ما كان يتمناه حجة الإسلام المرحوم الشيخ أحمد الوائلي (قدس سره).
اشتهرت عائلة الوائلي بآل حرج نسبة الى جدهم الأكبر (حرج)، وهو أول من نزح من مدينة الغراف بلدهم الأصلي، وهبط في النجف الاشرف, أول أستاذ يتعلم على يديه الدكتور الوائلي هو الشيخ عبد الكريم قفطان الذي أشرف على تعليمه في مسجد الشيخ (علي نويه)، وبعدها تتلمذ على يد ثلة من العلماء، ومنهم المصلح الإسلامي الكبير الشيخ محمد رضا المظفر (قدس سره), ثم ولج المدارس الرسمية وانتسب الى مدرسة الملك غازي الابتدائية, وبعدها انهى تعليمه النظامي ليحصل على البكلوريوس في اللغة العربية والعلوم الاسلامية عام (1962)، ثم التحق بكلية الفقه وتخرج منها عام 1969، وبعد ذلك حصل على شهادة الماجستير من جامعة بغداد عن رسالته (احكام السجون في الشريعة والقانون).
وفي عام (1972) حصل على شهادة الدكتوراه من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عن أطروحته (استغلال الأجير وموقف الاسلام منه). أثناء دراسة الوائلي بالقاهرة كان ملتزماً ومبتعداً عن كل اللقاءات في الأماكن العامة. وقد تعرض الى الكثير من الحرج، وفي أحد الأيام، ألحّ عليه المرحوم الدكتور عبد الرزاق محي الدين على أن يقضي مع الدكتور الوائلي سويعات في متنزه على نهر النيل يقدم فيه الشاي لرواده، وفيه جو منعش ومنظر لا بأس فيه, فقال الدكتور الوائلي للراحل: أنا أعرف ذلك وأتذوقه، ولكن لو جاءت أسرة وجلست بالقرب منا أو جاء بعض الخليجيين او العراقيين وقال: بالله لقد رأيت هذا الذي يعظ الناس جالساً بين النساء الحاسرات، فماذا ستكون النتيجة؟ ستكون النتيجة حتماً مؤذية واهتزاز ثقة الناس بالمنبر, لهذا امتنع الوائلي عن الظهور والجلوس في تلك الأماكن.
واستمر بالحفاظ على هيبة المنبر، وامتثل لطاعة الله (عز وجل)، وتطابق قوله مع فعله في ظروف ربما يحتاج الترفيه والتنفس قليلاً؛ لكي يستمر بعطائه الدراسي، ولكن هذا لم يمنعه من المذاكرة والبحث.
كان الوائلي شاعراً وخطيباً، ارتقى المنبر وهو في عمر (14) سنة، وتدرج بكفاءته العلمية وذكائه وإطلاعه الواسع، فقد ذاعت شهرته، واتسع محبوه في مختلف دول العالم.
وفي مرحلة السبعينيات، ظهرت الفلسفة وتيارات غربية سادت وسيطرت على عقول الناس، وبعضها كانت منحرفة تحارب معتقدات الاسلام, وبفضل ما يحمله الوائلي من فكر ومنهجية تسودها الحقيقة، استطاع أن ينقذ المجتمع، ويفند بعض الآراء المخالفة للواقع وتشويه معالم الدين الاسلامي .
كما هذب الناس من خلال المنبر، وأثر في عقولهم، واستقطبهم، والمنبر مثل كل عملية أو مدرسة تربوية تهدف لبناء الانسان اذا ما استغل بشكل الصحيح، وإذا ما صدقت النية.
اطلاعات الوائلي واتساع معرفته جاءت من خلال قراءته للكثير من الكتب والمؤلفات لكبار علماء السنة في السير والتاريخ مثل: تفاسير القرطبي والرازي الذي كان يستشهد بهما كثيراً، بحيث كان يعطي الحكم على أوجه متعددة. وقد تصدى الوائلي الى حكم عبد السلام عارف الذي تميز حكمه بالطائفية والمقت الشديد، فقد قال في قصيدته بمهرجان عام (1965):
بغداد يومـــــك لا يزال كــــــــأمسه
صـــــــــورٌ علـى طرفي نقيض تجمع
يطغى النعيـم بجانب وبجـــــــــانب
يطغـى الشقـــــــــــــا فمرفّه ومضيع
في القصر أغنية على شفةِ الهوى
والكوخ دمعٌ في المحـــــــــــاجر يلذع
ومن الطوى جنب البيــــادر صرّع
وبجنب زق أبـــــــــــــي نؤاس صرّع
كما له أشعار شعبية مثل قصيدة (حمد)، و(سيارة السلاني)، وقصيدة (شباك العباس) والكثير... ترك الوائلي العراق عام (1979) الى المهجر لمدة (24) سنة، وفي عام (1996) أصيب الوائلي بمرض السرطان في فكه، وتشافى من المرض، ونظم قصيدة من على فراش المرض ندب فيها الامام الحسين عليه السلام قال فيها:
أيـهــا الـرمـلــة الــتــي حـضــنــت
جــســم حـســيـــــنٍ ولَـفَّـعَــتْــهُ رِداءَ
بـلّـغــي عـنــي الـســلام حـسـيــنــــا
واحـمـلـيــنــي اسـتـغــاثــةً ونــــــــداءَ
واسـكـبـيـنــي دمـعــاً عـلــى رَمـلَــكِ
الأســمــر يــجـــري مــحــبّــــة وولاء
تم تكريمه مرة واحدة في لندن عام (1999), أما اشهر كتبه فهو (هوية التشيع) الذي فند فيه على المغرضين والباحثين من السنة بأن التشيع فارسي، وأثبت بالأدلة التاريخية وأسلوب المنهجية بعروبة التشيع, و(كتاب تفسير علمي للقرآن)، و(دفاع عن الحقيقة)، و(من فقه الجنس في قنواته المذهبية), و(أحكام السجون), و(استغلال الأجير), بالإضافة الى دواوينه الشعرية... وسيبقى عبق وعطاء الوائلي ومنهجيته تنتقل من جيل الى آخر.. حماه الله في الدنيا.. وسيرحمه في الآخرة إن شاء الله تعالى.