الفتوى.. وسامٌ على جبين التأريخ

30-12-2018
صادق مهدي حسن
الفتوى..
وسامٌ على جبين التأريخ
أربعة عقود مرت أو أكثر وعراق التضحيات ينزف دماً ودمعاً.. ينزف أبناءه المشردين في شتى الأصقاع.. ينزف ثرواتِه للسارقين، فالوحوش الكواسر - على مر العهود - ما ادخرت وسعاً في نهشه بمخالبها وأنيابها.. كل آنٍ وحش بلباس جديد، حتى تمخض الشر بكل بؤسه عن (داعش)..!! وتلك شرذمة أوغاد صنعتها قوى الباطل والطغيان بما لها من نفوذ ومال وسلطان لتعيث في الأرض فساداً، وتهلك الحرث والنسل، وتدمر البلاد والعباد، فزحفوا نحو عراق الأئمة الأطهار، تدعمهم الضمائر النتنة بفتاوى التكفير لتدنيس المقدسات وهتك الأعراض.. وهنا كانت للمرجعية الملهمة لسماحة السيد علي السيستاني ذلك الموقف المشهود المؤيد بعناية الله والكلمة الفصل التي دكت أوكار البغاة، فكانت الفتوى وما أدراك ما الفتوى؟!!
سيكتب التاريخ عنها بفخر عظيم، هي وسام ألق وضعه ابن الزهراء على جبيني، هي شمس هدى أشرقت لتهدم غياهب المكر بعراق الصابرين، هي عصا موسى التي تلقف ما يأفكون، هي سيف علي وهو يفلق هامات البغي الأموي ومن لف لفهم، ويفري جموع البغاة والمشركين ومن سار على ضلالتهم، هي صرخة تلبي نداء الحسين الخالد إلى يوم النشور: (هل من ناصر ينصرنا)، هي راية من رايات القائم المؤمل والعدل المنتظر بإذن الله: ((وَالذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ)) (العنكبوت:69).
وسيكتب التأريخ مزهواً على صحائف النور أن فتيةً وشيباً ذابوا بالهدى عشقاً، وجُنّوا بالشهادة كما جُنَّ جون بحب الحسين، لبسوا القلوب على الدروع، أبوا الركوع إلا لله تعالى فارخصوا في سبيله أعمارهم وما ملكوا.. يتسابقون على بذل دمائهم الزاكية، ليزلزلوا بفيضها أركان الكفر والإلحاد.. فكانت معركة طف جديد: ((... فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الذِي بَايَعتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ)) (التوبة:111)، والسلام على سيد المجاهدين أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول: "إِنَّ اَلجِهَادَ بَابٌ مِن أَبوَابِ اَلجَنةِ فَتَحَهُ اَللَّهُ لِخَاصةِ أَوْلِيَائِهِ وَهُوَ لِبَاسُ اَلتقوَى وَدِرعُ اَللَّهِ اَلحَصِينَةُ وَجُنَّتُهُ اَلوَثِيقَةُ".
وسيكتب التأريخ - شاء المرجفون أم أبوا - شهادة القاصي والداني، شهادة الصديق والعدو، أن الفتوى قد أبهرت العالم أجمع بما حمله من لبى نداءها من عقيدة مخلصة، فكانوا قوة ضاربة لا قبل للدواعش الأنجاس بما حققته وتحققه من انتصارات تلو انتصارات: ((إِنْ يَنصُركُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُم وَإِن يَخذُلكُم فَمَن ذَا الذِي يَنصُرُكُم مِن بَعدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنُونَ)) (آل عمران: 160).
وسيكتب التأريخ أن الفتوى المباركة وحدت العراقيين الشرفاء، حين أرادت ثعابين المكر تمزيقه، فكان الحشد الشعبي المبارك مزيجاً لكل الأطياف، إذ لبى المسلمون على اختلاف مذاهبهم والمسيح على اختلاف طوائفهم وغيرهم من مكونات هذا الشعب نداء المرجعية ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)) (الصف:4)، فبورك من سمع النداء ولبى، وبشراكم من كتاب الله العظيم: ((الذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم أَعظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُم رَبُّهُم بِرَحمَة مِنهُ وَرِضوَانٍ وَجَناتٍ لَهُم فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ)) (التوبة:20 – 22).