تَـثـبـِيـتَـاً لِـلإخــلاص...

30-12-2018
صادق مهدي حسن
تَـثـبـِيـتَـاً لِـلإخــلاص...
في جانب من خطبتها المباركة، تناولت مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام جانباً من فلسفة تشريع العبادات حيث قالت: ((... فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكيةً للنفّس ونماء في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص...)).
ومحل الشاهد في كلامنا، ونحن نعيش أجواء هذا الشهر الكريم، أن السيدة الزهراء عليها السلام تؤكد وجود صلة وثيقة بين الإخلاص وفريضة الصيام.. والمُراد بالإخلاص هو أن يكون الهدف الأسمى من وراء العمل فكراً وسلوكاً وتوجهاً هو الله تعالى، وأن الإسلام بمفهومه العام إنما هو الإخلاص لله بالعمل بطاعته، واجتناب معصيته، وذلك واجب على كل متعبد.
ونجد في القرآن الكريم وروايات النبي الأكرم وأهل بيته عليهم السلام أن عنصر الإخلاص في أعلى مراتب الأهمية، فهو دعامة أعمال الإنسان التي لا يُقبل العمل إلا بها، وهذا ما بينه الفقهاء في رسائلهم العملية في تعريفهم للنية: ((هي أن يُقصد الفعل ويكون الباعث إلى هذا القصد أمرُ الله تعالى من دون فرق بين أن يكون ذلك بداعي الحب له سبحانه أو رجاء الثواب أو الخوف من العقاب ويعتبر فيها الإخلاص)).
فإذا لم يتوفر جانب الإخلاص بطل العمل، وهو من أهم الخطى في عملية التربية والتهذيب والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى.. وتختلف درجات الإخلاص باختلاف درجات الإيمان، وفي ذلك يقول رسول الله J: ((بالإخلاص تتفاضل مراتب الإيمان)).
ولجميع العبادات تقريباً مظهر حركي خارجي، فالصلاة والحج والخمس والزكاة والزيارة وقراءة القرآن والأدعية لا تنفك - غالباً - أن تكون بمرأى الناس ومسمعهم، مما قد يجعل (النفس الأمارة بالسوء) أن تُبتلى بالرياء والتظاهر بالخشوع مع العجب بالعمل، وكل هذه الأمور تفسد العمل العبادي وتحبط ثوابه، بل وقد توجب غضب الله وعقابه..
أما الصيام فأبعد عن الرياء وأقرب إلى الإخلاص؛ لأنها عبادة يمارسها العبد دون أن يكون لها واقع خارجي واضح أمام الناس، فالفرد يعمل ويجالس الناس ويؤدي التزاماته المختلفة وهو صائم لا يكاد يعلم بصيامه إلا رب العالمين، وهذا في درجة عالية من الإخلاص والتوجه له سبحانه وتعالى، ولهذا ورد في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به). (عوالي اللآلي: ج2/ ص62).
بمعنى أن الله وحده هو القادر على إحصاء ثواب الصيام المكتوب للصائم، دون الملائكة واللوح والقلم والعادّين عموماً.
ومن هنا، كان الصوم عظيماً وجُنةً من النار؛ لما فيه صفاء القلب، وطهارة الجوارح، وعمارة الظاهر والباطن، والشكر على النعم والإحسان إلى الفقراء، وزيادة التضرع والخشوع والبكاء، وحبل الالتجاء إلى الله، وتخفيف السيئات، وتضعيف الحسنات.. فلنحرص على أن نكون ممن منحه الله هذه الجائزة العظيمة.. وفوق هذا كله ((وَعَدَ اللَّهُ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمنَاتِ جَنات تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيبَة فِي جَناتِ عَدن وَرِضوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ)) التوبة:72.