تعمد الكَذب على الله ورسوله والمعصومين من المُفطِّرات
30-12-2018
مرتضى علي الحلي
تعمد الكَذب على الله ورسوله
والمعصومين من المُفطِّرات
اعتبر فقهاؤنا الكرام أنَّ تَعمُد الكذب على الله تعالى أو على رسوله الأكرم أو على أحد الأئمة المعصومين, ويُلحقُ بهم الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام وسائر الأنبياء وأوصيائهم, من المُفطِّرات التي تُبطل صوم الصائم في شهر رمضان الفضيل.
وهنا يتجلى البعد العَقْدي بصورة رئيسة، ترفدنا بمزيد وعي وفهم وإيمان في ضرورة التزام جانب الصدق والوثوق والوثاقة والضبط في التعاطي مع الإخبار عن الله تعالى أو عن رسوله الأكرم أو عن أحد الأئمة المعصومين؛ لما يترتب على ذلك من آثار خطيرة في البُنيّة العقدية والبُنيّة التشريعية؛ باعتبار أنَّ تعمُد الكذب يرسم للآخرين واقعاً موهوماً ومقاصد باطلة يُراد تحقيقها من خلال ذلك.
فعن طريق الكذب تُخترقُ البُنية العقدية والتشريعية معاً, مما يسمح بظهور البدع والضلالات الدينية وحتى الفكرية والسلوكية, وهذا ما لوحِظَ على مر التأريخ البشري لاسيما في القضية المهدوية, إذ بفعل تعمد الكذب، ظهر أدعياء السفارة والوكالة عن الإمام المهدي عليه السلام .
وكثيرةٌ هي الظواهر السلبية التي نتجت بفعل تعمد الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة المعصومين, هذا على مستوى البُنيّة العقدية في كيان الفرد والمجتمع, أما على مستوى البُنية التشريعية، فتعمد الكذب على الله تعالى أو على رسوله أو على الأئمة المعصومين، يفتح المجال واسعاً لظهور أحكام شرعية ما أنزل الله بها من سلطان، يصوغها الكذّابون والوضّاعون تلبية لمآربهم الفاسدة والباطلة, لذا ظهرت الحاجة إلى علم الرجال توثيقاً وضبطاً للأخبار سنداً ومتناً.
وهذه الحقيقة قد نبّه عليها القرآن الكريم، قال تعالى: ((وَيَجعَلُونَ لِلّهِ مَا يَكرَهُونَ وَتَصِفُ أَلسِنَتُهُمُ الكَذبَ أَنَّ لَهمُ الحُسنَى لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النارَ وَأَنهُم مفرَطُونَ)) النحل:62.
إذن، إذا أدركنا ذلك كله في شهر رمضان المبارك، ولو بالحد الممكن والمقدور، فسيتبيّن لنا غرض وقصد وحكمة القرآن الكريم في العقيدة والتشريع، لاسيما تركيزه على ضرورة تجنب تعمد الكذب على الله تعالى أو على رسوله أو على الأئمة المعصومين في شهر رمضان، وترتب فساد صوم الصائم على ذلك، فضلاً عن إثمه، وهذا إن دلَّ على شيء، فإنّما يدل على أهميّة الصدق والتبيّن والضبط في صورة التعاطي مع الله تعالى ورسوله والأئمة المعصومين عليهم السلام باعتبار أنَّ الله تعالى يُريد منّا تربية أنفسنا ومجتمعنا على الصدق والالتزام به فعلاً؛ لما في الصدق من قيمة وقدر صالح يأخذ بنا إلى الصراط المستقيم والهداية.
وعندما يلتزم الإنسان الصائم بتجنب تعمد الكذب المفطّر شرعاً, فيقيناً ستنمو ملكة الصدق في ذاته، وستنعكس آثارها على المجتمع.
من هنا، نفهم إمكانيّة أن يكون شهر رمضان الكريم شهراً مُمَهِداَ بمعنى الكلمة وقصدها.. فإننا فعلاً لو تمكنا في كل سنة وفي شهر رمضان خاصة, من إيجاد وتكوين أفراد وجماعات صالحة ومُدركة لوظيفتها العقدية والشرعية، لوفّرنا على الأقل جيلاً مؤسّساً ومُمَهدا لظهور الإمام المهدي عليه السلام , ولأسهمنا من يومنا هذا بتعجيل الفرج والظهور الشريف، وإن لم ندرك ذلك واقعاً؛ كون الظهور والقيام المهدوي الشريف يبتني قُبَيل تحققه على وجود الأفراد والجماعات الصالحة عقيدةً وشريعة, فضلاً عن كون تربية الفرد والمجتمع بصورة صالحة تدخل في صلب أهداف الإمام المهدي عليه السلام والتي ترتكز على قاعدة الفضيلة والعدالة والحق.