الوجوب الكفائي والقراءة الذهنية

30-12-2018
علي الخباز
الوجوب الكفائي والقراءة الذهنية

ترى داعش والحواضن المؤسسة لها أنها الجهة الوحيدة القادرة على تفسير التاريخ والدين والحياة الانسانية بكافة ظواهرها، وبتعبير آخر، ترى أن التكفير وخطر الموت الذي توزعه على العالم المسالم هو حق من حقوقها الشرعية؛ كونها هي التي تصنع تأريخ الناس وتنظمهم وتطورهم التطور المناسب حسب نهجها وتكوينها حتى لو كان هذا التطور بنظر الجميع تخلفاً ومهانة، لا دين سوى دينها هي، ولا فكر حقيقي عندها سوى ما تريد، فهي التي تحدد مصير الناس وأوضاعهم السياسية والفكرية، ولا يستحق الحياة من لا يؤمن بما لا تؤمن هي والموت للجميع..!
وحين استفحلت الرايات الداعشية بما تحمل من تطرف وطائفية مقيتة ومن الفرقة والدمار، وهذا النطاق الضيق من الرؤى سيضيع الأمة ويضيع معها اليقين الانساني لو استمر هذا الزحف دون مواجهة ومع وجود الخور الفكري الذي غزى غالبية أبناء العامة عبر الترغيب المادي والترهيب المرعب سرعان ما كشفت عن هويتها الارهابية بواسطة الذبح والقتل، فلذلك كان الوجوب الكفائي وجوباً معرفياً مدركاً مزج القراءة الذهنية لفكر هذه المكونات والواقع الذي سيفرضه الدور النهضوي الانساني.
ومثل هذا التلاحم الفكري مع الواقع واستلهام الجماهير لمعنى هذا التلاحم الحي ارعب داعش والقوى المتسلطة على مضمار المال والسلاح والإرهاب والاقتصاد المدعوم، وصار ينظر الى المرجعية المباركة كوجود اجتماعي سياسي فكري قادر على إحداث تغييرات جذرية في المجتمع، وقلب المعادلة، بعدما ظن الجميع أن العراق قد انتهى بالفعل، وما عادت له قوة قادرة على اعادته الى وضعه الطبيعي، ليحمي انسانه ومقدساته ودينه القويم، بعدما خان أغلبية الجهاز السياسي العراقي، وسبب غياب الحرص الوطني على تدمير معنوية الجيش العراقي، واستسهال عمليات الخرق الداعشي عبر ما يمتلك من تمويل خارجي وحواضن داخلية.
وهذا يعني أن الوجوب الكفائي قاتل معنوياً عبر العديد من الجهات بدءاً من مواجهة الذات العراقية الخائرة القوى في حينها، ومحاربة شياطين اليأس، واستنهاض القوة والعزيمة والثبات، وهذا الصوت النهضوي المرجعي المتمثل بنهضوية الإمام الحسين عليه السلام لابد أن ينتصر لصالح الانسان، الوطن، الدين...
وثانياً: تغيير المعنى المستباح للقوة، فداعش اليوم سقطت انسانياً ومعنوياً، أسقطتها المرجعية المباركة في شر تفكيرها، مثلما سقط الوجود الأموي، بعدما تهيأ له النصر في كربلاء، وإذا بهذا النصر يصبح هزيمة لا تطاق لوجوده ولتأريخه الاسود.
وثالثاً: استطاع الوجوب الكفائي من فرز الفرق الجوهري بين أهل الثبات والأصالة، ويعني من يدعون الرجولة والبطولة.. فالوجوب الكفائي بصوته القوي استطاع تعرية مجتمعات بالغت في حجم أصالتها، فأسقط الوجوب الكفائي عنها ورقة التوت بعدما باعت أوطانها وأعراضها، فما عادت التبجحات بنافعة، لتنقذ حاضراً أربكته الخيانات، وحتى ندمهم الآن ليس بنافع مادام فيهم الخور نفسه.
هبنا - لا سمح الله - خسرنا معركة.. معركتين.. لكننا بالتأكيد احتفظنا بقيم وجودنا وإنسانيتنا، وأكدنا شعار هيهات منا الذلة، وليتمسك من يريد منهم بخطابات جوفاء لا تمسح عنهم العار الأبدي، وتكشف عن معنى وجودهم الذليل، فالعراقي الحقيقي هو من يؤدي أمانة هذا العراق، وليس العراقي العربي من يبيع الوطن برخص التراب.
رابعاً: استطاع الوجوب الكفائي من جمع الهويات الحقيقية، ومهما اختلف الانتماء العقائدي بواسطة مكونات الحشد الشعبي البطلة، فهو لم يكن حشداً شيعياً مهمته حماية الحدود الشيعية، ولا مكلف بحماية طائفة دون اخرى، وهذا ما أرعب الاعلام التجاري للكثير من الفضائيات، فهذا الحشد ليس مثل الحشد الذي يطالب بتكوينه بعض شيوخ العشائر، ليحمي وجوده العشائري هذا الوجوب الكفائي وحد الهويات ومزق خرائط التقسيم.
وشهداء البصرة وميسان والناصرية وشهداء الوسط من كربلاء وبابل والنجف وغيرها من المحافظات توحدوا ليناموا على تراب تكريت والموصل وديالى والرمادي شهداء يحفهم المولى برعايته غير مبالين بشماتة احد من ابناء التأريخ المهزوم ابناء من هربوا في موقعة احد، وتوحدوا في حرب الجمل وصفين دون ان يمس الكثيرين منهم ندم.
كانت وثبة الوجوب الكفائي قراءة واعية للتأريخ وللحاضر الأمثل وللمستقبل الذي يحمل هذا الوجوب المقدس راية من رايات الاعتزاز والتقدير.