عائلةٌ أيزيديةٌ من الموصل الحدباء تلوذ بمدينة الإمام الحسين عليه السلام

30-12-2018
صدى الروضتين
عائلةٌ أيزيديةٌ من الموصل الحدباء
تلوذ بمدينة الإمام الحسين عليه السلام

استقبلت الأمانةُ العامّةُ للعتبة العباسية المقدّسة إحدى الأُسر الأيزيدية المنكوبة جرّاء إرهاب عصابة داعش التكفيرية الإجرامية، قادمةً من أحد مخيّمات النازحين في محافظة دهوك، وهي أوّل عائلة من الطائفة الأيزيدية تطأ أقدامُها مدينة سيد الشهداء عليه السلام بعد أن استطاعت الإفلات من قبضة الدواعش المجرمين بأعجوبة.

وقد تمّت استضافة العائلة النازحة في إحدى مدن الزائرين التابعة للعتبة المقدسة، واستمع القائمون على لجنة إغاثة المهجّرين فيها لما جرى لهذه الأسرة من عذابات على يد الدمويّين.
الأسرةُ الأيزيديّةُ المنكوبة والمؤلّفة من ثلاثة أفراد، وجدت نفسها وسط ترحيب وحفاوة العتبة العبّاسية المطهّرة التي سارعت وبادرت الى توفير ملاذٍ آمنٍ لها ضمن مشروع إيواء النازحين الذي لا زال مستمرّاً في تقديم خدماته لهذه الشريحة من العوائل المهجّرة.
وقد التقينا بامرأةٍ كبيرة السنّ تُدعى (أرزاق قاسم خلف) في عيونها عبراتٍ تتكسّر وآهات تسعر، إثر ما تعرّضت له على يد عصابة داعش، فما زالت تلك الصور المرعبة ترافق مخيّلتها، فتحدثت عن اللحظات الأولى لدخول عصابات داعش الإرهابية الى قضاء سنجار، ذلك القضاء الآمن والمسالم والمطمئنّ الذي يقع غربيّ الموصل، وبعد أن دبّ الهلع عند أهالي القضاء بدأوا بالهروب منه، ولسوء حظّ هذه العائلة المؤلفة من (37) فرداً، فقد وقعوا في كمين نُصِبَ لهم من قبل عصابة داعش الإرهابية، واقتادوا منهم (19) فرداً، بينما تمكّن بقيةُ أفراد العائلة من الهرب، لتبدأ هذه العائلةُ حياةً جديدة تحت سياط عديمي الرحمة والإنسانية، ونازعي الشرف والغيرة من الذين تحرّكهم غرائزهم الحيوانية من أجل افتراس أيّ بشرٍ يكون أمامهم، فاحتُجِزُوا في بناية لإحدى المدارس، وهنا وصلت الأعداد الى عشرات الآلاف لكن ليس من الأيزيديّين فحسب، فهناك طائفةٌ أخرى شاركت هذه الطائفة وتقاسمت معها هذه المصيبة وهم محبّو وأتباع أهل البيت عليهم السلام من الذين لم يحالفهم الحظّ بالخروج من مدنهم، فكانت تهمتهم هي أنّهم روافض وأنجاس..!
أمّا الأيزيديّون فكانت تهمتهم أنهم مشركون، ويجب عليهم أن يُسلموا أو يُقتلوا أو تُستباح أعراضُهم، فتمّ تفريقُ الرجال عن النساء، لتأتي بعدها أعمال تبويب كلّ امرأةٍ حسب عمرها وشكلها..! ليأتي دور أمراء الضلالة من مشوّهي الدين الإسلاميّ والشريعة المحمّدية السمحاء، مخالفين بذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآل وسلم : (إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق)، فتؤخذ النساء تحت مسمّى (السبايا) بحسب لغة الداعشيّين، لتُهدى الى هؤلاء الأمراء الحيوانيّين.
تنقّلت هذه العائلة مع باقي العوائل بين عدّة معتقلات في الموصل وأقضيتها، لتُفجع بفاجعة أخرى حيث وقع اختيار أحد شياطين الإنس على ابنة (أرزاق) التي بقيت ملازمةً لها طيلة فترة الاعتقال والتجوال الداعشيّ، لكنّها رفضت تسليم نفسها بسهولة، فاشتبكت بالأيدي مع هذا الصعلوك الرعديد، ممّا أثار حفيظته ليقوم بكلّ نذالة وخسّة بلكمها وتوجيه سلاحه اليها وإطلاق عيار ناريٍّ عليها، أحدَثَ خدشاً في عمودها الفقريّ من جهة الرَّقَبة، وعلى إثرها فقدت المسكينة عقلها، وتحوّل شبابها وعمرها الى هباء نتيجة هذا العمل الحيوانيّ الطائش.
وقد فقدنا أطفالاً رضّعاً ممّن لم يستطع مقاومة هذه الظروف الصعبة للغاية، لكنّ ما لفت انتباهنا أنّ هناك أناساً من المحتجزين معنا كان عقابهم من نوعٍ خاص، ويعاملونهم معاملةً قاسية تختلف عنّا، فمورس بحقّهم أنواع العذاب والتنكيل الذي لم يمارَسْ معنا، فقد كانوا معصوبي العينين، ومكتوفي اليدين طيلة فترة اعتقالهم، وعند السؤال عنهم تبيّن أنّهم من طائفة يقولون عنهم أنّهم روافض وأنجاس، فكان يوضع لهم الطعام والشراب أمامهم وهم على هذه الحالة، فيكيلون لهم أنواع السُّباب والشتائم بصوت عال مصحوب بالألفاظ النابية والخادشة للحياء، فكيف يأكل مَنْ هو بلا عينين وبلا يدين؟ هذا عدا حملات الإعدام وجزّ الرقاب التي تُرتكب يومياً بحقّ المعتقلين.
وبعد معاناة طويلة استمرّت لستّة أشهر تقريباً، تمّ اختياري أنا وابنتي لإطلاق سراحنا في صفقة تبادلٍ للأسرى مع قوّات حرس إقليم كردستان (البيشمركة)، لألتقي بابني الذي كان يعمل في محافظة السليمانية قبل احتلال داعش للمدينة، وهو الناجي الوحيد الذي أتى الينا ووافانا في مدينة كركوك بعد أن اتّصلنا به وذهبنا الى مخيم (الكم) للمهجّرين.
وتابعت: المخيّم كانت أوضاعه مأساوية جدّاً وصعبة، ففكّرنا مليّاً بالخروج منه؛ لأن الحالة الصحية لابنتي بدأت بالتدهور، فقدحت في أذهاننا فكرة الذهاب الى كربلاء والإمام الحسين عليه السلام ، وما أن وطأت أقدامُنا هذه المدينة حتى انتابنا شعورٌ لا إراديّ وهاجسٌ غريب شدّنا لها ولما رأيناه فيها، فأدركنا أنّ هذه المدينة وهذه الأرض لها سرّ غريب يتمثّل بإحساس طيور الحمام بالأمان، وهي تنزل اليها لتلتقط الطعام، فضلاً عمّا بدا من حسن المقابلة والضيافة التي حُرِمْنا منها وتعوّدنا على أساليب همجيّة رعاعية.
فأحسستُ أنا وعائلتي أنّنا بين أهلنا وعائلتنا التي تشتّتت وتفرّقت، والتي لم نسمع عنها أيّ أخبار فخفّف ذلك همّنا نوعاً ما، خاصّةً بعدما رأينا أنّ العتبة العباسية المقدّسة قد استضافت من هم شركاؤنا الحقيقيّون في هذه المحنة التي لم تقع على أحد.