شاعر أهل البيت عليهم السلام محمد باقر جابر من لبنان:
30-12-2018
حاوره طارق الغانمي
من عبق الجنوب الممتزج برائحة البارود وأثير المقاومة، وظلال الزيتون الشامخ بوجه الاحتلال، أطلّ شاعرنا (محمد باقر جابر) شاعر أهل البيت عليهم السلام ، من وطن ارتبط باسم الحسين عليه السلام , فكان أنشودة عاشق ما بقي الزمن... لقد ظل الشاعر مؤمناً برسالته, ومتمسكا بسجل حافل لصمود ونضال ومقاومة شعب لبنان. نظم القوافي، وهاجت بحور شعره بترانيم العاشقين, لمحبوب طالما ناجاه في أشعاره، وسطر ملاحمه في صوره الشعرية.
ولد في جنوب لبنان, يكتب الشعر منذ أربعة عشر عاماً, تأثر كثيراً بالمقاومة, وبصرخة (لبيك يا حسين) و(يا لثارات الحسين), لقب منذ الصغر بشاعر أهل البيت عليهم السلام في بلدته, ولم يبتعد الشاعر عن قضيته الوطنية, فاشتهر بكتابته للشعر العمودي والتفعيلة, تحصيله الدراسي ماجستير رياضيات, من مواليد 1986م.
حلّ الشاعر ضيفاً عزيزاً على مهرجان ربيع الشهادة الثقافي العالمي العاشر في مدينة كربلاء المقدسة, لتجري جريدة صدى الروضتين معه هذا الحوار:
صدى الروضتين: إلى أي مدى تحلق بالقصيدة الوطنية، وماذا تشكل كماً ونوعاً في شعرك؟
الشعر ليس نظماً، ليس ألفاظاً بل الشعر هو التجربة، تجربة الإنسان في حياته كلها. وأنا هنا أتحدث عن تجربتي الخاصة بعيداً عن التأطير والتعميم. إن النص الوطني بشكل عام بالنسبة لي كان علة وبوصلة التجربة الشعرية لدي. طبعا ربما كان السبب المباشر وهو منطقي ومفهوم هو الظرف العام الذي حدّث بلورة الوعي الخاص بي كإنسان هناك في لبنان، حيث وطني وهويتي وشعبي تحت حراك المقاومة والتصدي للعدوان الغاشم الذي يريد النيل منا.
صدى الروضتين: ما نوع الشعر الذي تكتبه، وإلى أي مدرسة تميل؟
أكتب الشعر العمودي, وأكتب شعر التفعيلة باعتباره موزوناً. ولم أتأثر بمدرسة محددة, ولكني ادعو إلى الابتعاد عن المباشرة؛ لأن إحدى وظائف الشعر ليس فقط الاخبار ونقل الحوادث التاريخية, هناك شيء مهم جدا وهو (الاطراب، والإمتاع، وترويح النفوس) وهذا يحتاج إلى لغة جميلة، وإلى شيء غير موجود بالواقع.
صدى الروضتين: يقولون إن الشاعر يولد من معاناة بيئته, هل هذا صحيح؟
نعم، إن أي إنسان ينسلخ من أبناء جلدته, وأنا (أتحدث عن نفسي) تأثرت كثيراً ببيئتي (وهي الجنوب) بيئة المقاومة وصرخة الحسين عليه السلام , ومن لا ينسلخ عن بيئته وأبناء جلدته، يكون كالغراب الذي قلد الطاووس, فأنا لا أؤيد الابتعاد عن البيئة، فالأصالة هي الأساس.
صدى الروضتين: المحافل التي اشتركت بها في العراق؟
شاركت في مهرجانين في العتبة الكاظمية المقدسة في مهرجان الشعر العربي الثاني والثالث, وفزت بإحدى جوائز مهرجان الجود العالمي في هذه السنة الذي تقيمه العتبة العباسية المقدسة, ووفقت للمشاركة في مهرجان ربيع الشهادة الثقافي العالمي العاشر بإشراف العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية.
صدى الروضتين: رأيك في مهرجان ربيع الشهادة الثقافي العالمي الذي تقيمه العتبتان المقدستان الحسينية والعباسية؟
أشكر العتبتين المباركتين الحسينية والعباسية على دعوتهم لي للمشاركة فيه, وألقي قصيدة في الحفل الختامي, وهذا شرف كبير لي بتواجدي في هذا المهرجان الذي أعبر عنه بأنه مهرجان الحلم الذي يحلم به كل إنسان, ففيه تتجسد صورة الامام الحسين عليه السلام في معركة الطف التاريخية، عندما كان يضمّ جيشه الطفل والشاب والمرأة والمسيحي والمسلم والأسود والأبيض, فكذلك هذا المهرجان ضمّ مزيجاً من كل هذه الاصناف والمكونات والديانات الأخرى.
صدى الروضتين: ثقافة المقاومة ضد امبراطوريات الاعلام المعاصر التي استطاعت أن تنشر ثقافة العنف عن طريق الصورة, فهل يحق للشاعر أن يصدم قارئه ويهزه بعنف بقصائد تتحدى بلغتها وثقافتها مفاهيم مغلوطة؟
نعم، كثير من الشعراء قاوموا إمبراطوريات الإعلام، فهناك كثيرون من العرب والأجانب قد وقفوا في وجهها، ولكنهم اشتهروا بهذه المقاومة بعد أن ركز الإعلام نفسه على هجومه على الاحتلال الأمريكي للعراق، ومن قبله لأفغانستان. هذا ما نسميه (فضح الواقع السياسي)، وقد قام بهذا الفضح شعراء عرب من أمثال: (مظفر النواب، ونزار قباني، ومحمود درويش) وسواهم... فكل منهم يقاوم بطريقته الخاصة، فمنهم من يميل إلى إثارة مشاعر الجماهير المتلقية بصورة سريعة, ومنهم من يهتم بفنه الشعري أولاً، حتى وإن كان الجمهور الذي سيصل إليه في هذه الحالة لم يكن جمهورا كبيرا, لذلك ما زال للشعر دور كبير في الكلمة الحرة والكلمة المؤثرة، وسأعطيك مثالاً في جنوب لبنان عندما كانت تحتدم المواجهات مع العدو الإسرائيلي، فكل الناس كانت تنتظر الحماس والثورة من الشاعر, فالشاعر له دور مهم جداً في تحريك الجماهير وإشعال روح الحماسة لديهم؛ لأن الشاعر دائماً يشير في قصائده إلى الإمام الحسين عليه السلام وإلى كربلاء، وأن المحب للإمام الحسين عليه السلام عندما يسمع كلمة الحسين عليه السلام يشعر مباشرة بالإباء والعزة والكرامة.
صدى الروضتين: وسط الدعوات المستمرة بالحداثة والتجريب الشعري, كيف تبرر عودة القصيدة العمودية منذ التسعينيات وحتى الآن، مع محاولات حثيثة من بعض الشعراء للاندماج في قصائدهم بالشأن الثقافي والحوار مع الآخر؟
يمكن ملاحظة أن الشعر في لبنان خف قليلاً بسبب المشاكل السياسية، لكن لديّ دعوة منذ فترة عندما بدأ الشعراء الشباب يكتبون بطريقة حداثية من ناحية المضمون, فالشعر منذ الأزل قالبه الموسيقى، ولكن براعة الشاعر يمكن أن تأتي بأسلوب جديد, وطريقة جديدة, فعالمنا العربي والإسلامي فيه الكثير من التجارب الشعرية وأعطيك مثالاً: في قضية الإمام الحسين عليه السلام أرى صوت الشاعر دائماً يعلو؛ لأن كلمته مسموعة, وهو يساعد في ثقافة حوارات الأديان؛ لأن الشعر موجود في كل الأديان.
صدى الروضتين: كيف يمكن للشعر أن يواجه فساد الواقع وانحدار الإنسان في سلوكه وثقافته، عندما تصبح اللغة في لحظة ما غير قادرة على التواصل مع الآخرين؟
هذا سؤال مهم، فعلى كل شاعر - وخاصة شعراء القضية الحسينية - أن يواجه الواقع؛ لأن فيه الكثير من مظاهر الفساد وصورا مختلفة، ولهذا لا بد من مواجهة فساد الواقع وانحدار الإنسان في سلوكه وثقافته؛ لأن الشعر رسالة أخلاقية قبل كل شيء.
صدى الروضتين: ماذا تقول لشعراء الانترنيت, والذي يسمي نفسه شاعراً؟
نحن نواجه مشكلة كبيرة مع الجيل الصاعد الذي يلحق لغة تسمى (لغة الانترنيت), وأصبح كل منهم يسمي ويلقب نفسه شاعراً، وهو يخوض ببعض الكلمات التي لا يوجد فيها وزن, وفيها خطأ نحوي, وبالرغم من ذلك يسمي نفسه شاعراً, وللأسف دعاة الثقافة بإيعاز ممن يحاربون اللغة يضعون حداً للشعر الموزون والمقفى, ويفسحون المجال للآخر, وعلينا أن لا نستسلم لهذا، وأن نطلق صرخة كبيرة في الإبداع، وفي التجديد الشعري, والدور الذي يؤديه كل الشاعر.
صدى الروضتين: ما هو الشعر المقاوم بصفة عامة، ولديك بصفة خاصة؟
في الجنوب تعلمنا من الزيتون كيف يبقى صامداً, ومن شتلة التبغ التي لها رمزية كبيرة، وقد زرعت أيام الاحتلال الاسرائيلي للجنوب, فوجدنا في طبيعة الجنوب التي ساعدتها طبيعة المقاومة ترابطا كبيرا جداً بين الشعر المقاوم والقضية الحسينية, ومن لم يكتب عن الحسين عليه السلام لم يصبح شاعراً بعد؛ لأن القضية الحسينية أصبحت القضية الأولى في حياتنا التي حركتها حس الثورة، وحس العاطفة والشهادة والإيثار, وأن للقصيدة الحسينية دورا أساسيا في الثمانينيات والتسعينيات في رص صفوف المقاومة في جنوب لبنان.
صدى الروضتين: كيف نجعل الشعر موحداً في رؤيته للمقاومة؟
بالإمام الحسين عليه السلام الذي هو نقطة الانطلاق, فمهما تنوعت الرؤى والأفكار فهي تصب في خدمة النهضة الحسينية؛ لأن الإمام الحسين عليه السلام هو المقاوم الأول في التاريخ.
صدى الروضتين: كيف نجعل الشعر الحسيني رسالة تواصل مع الآخرين للهداية؟
بالطرح الأخلاقي, وكلما حدثنا الناس عن أخلاق أهل البيت عليهم السلام زاد ارتباطهم بهم, وعلى الشعراء أن يجعلوا الشعر الحسيني رسالة أخلاق ومحبة ومودة ونشر ثقافة أهل البيت عليهم السلام , كما عليهم أن يجعلوا الإمام الحسين عليه السلام إنسانا لكل الإنسانية، ونبين مظلوميته لكل البشر, ومثلما قال غاندي: تعلمت من الحسين أن أكون مظلوماً فأنتصر.
صدى الروضتين: كيف يمكن تكريس الشعر الحسيني الحديث بقوة المنطق بعيداً عن منطق القوة؟
وذلك بنشر أخلاق أهل البيت عليهم السلام وفكرهم وثقافتهم وإنسانيتهم واحتضانهم للآخرين ومحاربتهم للظالمين؛ فالشاعر عليه أن يتضمن بالدرجة الاساسية جمالية اللغة التي تخاطب الروح، وهذه الجمالية عليك أن تستمدها من شخص أو من موضوع أو غير ذلك... ونحن في شعر المقاومة نستمد قراءتنا من القضية الحسينية المباركة, وعلينا أن نضع خطة مسبقة في كتابة القصيدة.
صدى الروضتين: كيف يمكن أن نترجم الشعر الحسيني إلى العالمية؟
من الصعوبة ترجمة الشعر, لذلك علينا الاستعانة بشعراء أجانب يكتبون بلغاتهم, ومن الممكن أن يترجم عن طريق كتابة الشعر بلغات اجنبية.
صدى الروضتين: هل لك ديوان شعر؟
نعم لديّ ديوانان قيد الطبع الأول: اسمه (واشتعل القلب حباً), والثاني: (هكذا تكلم البيلسان) والبيلسان هي شجرة تنبت الزهر الأبيض في جنوب لبنان.
صدى الروضتين: ما رأيك بالشعر الشعبي العراقي؟
أنا من أول المتابعين للشعر الشعبي العراقي، وأميل أكثر إلى الـ(أبو ذية)، وللأسف لم أستطع كتابتها؛ بسبب اختلاف (اللهجة), وكذلك معجب بـ(الدارمي) العراقي، وهو رائع جداً, وألفتك إلى أمر معين: إن قضية الامام الحسين عليه السلام تصدر في لبنان باللغة العربية الفصحى، وباللهجة العراقية, وليس باللهجة اللبنانية؛ لأن الناس هناك يذوبون ويتأثرون كثيرا باللهجة العراقية.
صدى الروضتين: نصيحة الى شعراء اليوم؟
نصيحتي بأن يكتبوا أول قصيدة وآخر قصيدة في الحسين عليه السلام , وعندما تستلهمون أي قصيدة فتحدثوا عن الحسين عليه السلام . ونصيحتي الثانية الحفاظ على اللغة الفصحى في الشعر، فهي لغة القرآن ولغة أهل البيت عليهم السلام .
صدى الروضتين: كيف وجدت كربلاء؟
كربلاء رائعة بقدسيتها وروحانيتها وجماليتها, وهذه الزيارة السادسة لي لها, وقد كنت مع (المشاية) ثلاث سنوات، وأروع مشهد - وقد لا أنساه مدى حياتي - هو مشهد المشي مع الزائرين إلى مرقد أبي عبد الله الحسين عليه السلام فطريقه هو جنة العاشقين.