شذرات من وحي الحكمة

30-12-2018
صدى الروضتين
شذرات من وحي الحكمة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّدٍ وعلى آله الطيّبين الطاهرين.. أحمده استتماماً لنعمته، واستسلاماً لعزّته، واستعصاماً من معصيته، وأستيعنه فاقةً الى كفايته...
الله تبارك وتعالى يقترب منّا، ويتحبّب الينا، ويرغّبنا دائماً بالطاعة، وهو غنيٌّ عنّا، ولاشكّ أنّه يتلطّف بنا أنّه يستر علينا، لكن المشكلة هنا أنّ هذا الستر لا يكون مشجّعاً لنا على الاستمرار بالمعصية، بل لابُدّ أن يكون مدعاة الى الرجوع الى الله تعالى، فمن كانت هذه صفاته وهو الذي يستر عن المعصية ويستر عن الذنب لماذا إذن نعصيه؟ إذا كان يستر عن الذنب ويستر على المعصية فأيّ خلق وأيّ صفة؟ فهذه الصفات تستوجب منّا أن نرجع اليه أن نؤوب اليه، أن نتوب اليه، لا يكن هذا الستر مدعاةً للوثوب على حرمات الله أكثر، لا يكون هذا الستر مدعاةً الى تمزيق الستر والحدود التي أوقفنا الله تبارك وتعالى عندها.
الإمام زين العابدين(عليه السلام ) قال: (كم نهيٍ لك قد أتيناه، وأمرٍ قد وقفتنا عليه فتعدّيناه...) تقدّم ذكر هذا (...وسيّئةٍ اكتسبناها وخطيئةٍ ارتكبناها كنتَ المطّلع عليها دون الناظرين والقادر على إعلانها فوق القادرين، كانت عافيتك لنا حجاباً دون أبصارهم وردماً دون أسماعهم...) هذه الحالة حالة المذنب، الإنسان إذا أذنب وتكلّم مع الله تعالى بهذا الكلام يعترف بذنبه ويبيّن أنّ الله تعالى رحمته واسعة، وهذه الرحمة ظلّلت عليه مع كونه قد أذنب، وهذه الرحمة وهذا اللطف هو الذي سترنا وجعل أبصار الناظرين لا ترى ذنوبنا.
العلاقة بين العبد وبين الله تعالى تكون علاقة قويّة بمعنى علاقة عبودية حقيقية، والله تعالى رتّب بعض الآثار على أفعال السرّ مع الله تعالى، الإنسان يتصدّق على أرحامه من باب أولى على الآخرين، ويتصدّق على الذي يحبّه وعلى الذي لا يحبّه، الحديث يقول: (صدقة السرّ تدفع غضب الربّ)، والله تعالى صفته الرحمة، والرحمة دائماً تسبق الغضب، فإذا وصل الحال الى أنّ الله تعالى يغضب معنى هذا العبد قد وصل الى مراتب من المعصية، لكن مع ذلك أنّ صدقة السرّ تدفع هذا الغضب، هذه قيم وأخلاق الله تبارك وتعالى يربّينا فيها، هذه حالة حالة الإنسان في السرّ يفزع الى الله تعالى الله يحبّ العبد إذا تقرّب اليه خالصاً في هذه الأوقات التي لا يطّلع عليه فيها أحد، لا يشوبها رياء لا تشوبها حالة من طلب الدنيا، هو بينه وبين الله تعالى.
يقول الإمام زين العابدين(عليه السلام ): (...كانت عافيتك لنا حجاباً دون أبصارهم وردماً..) أي سدّاً (...دون أسماعهم) لا يسمع الآخر إلّا الخير منّا، الإمام(عليه السلام ) هنا يقول هذا كلّه الذي صنعته أنت تستر علينا لا الناس رأت ولا الناس سمعت (كانت عافيتك لنا حجاباً دون أبصارهم) لم يروا شيئاً (وردماً دون أسماعهم) لم يسمعوا شيئاً.
ما المطلوب منّا إذن إزاء هذا الواقع المخزي للعبد بينه وبين ربّه؟ الله تعالى ستر، الله تعالى عفا، قال: (...فاجعل ما سترت من العورة..) والعورة كلّ ما يُستقبح يُراد منه كلّ ما يُستقبح من هذا الفعل، قال: (...فاجعل ما سترت من العورة وأخفيت من الدخيلة...) الدخيلة ما يمرّ علينا من هذه البواطن السيّئة، الله تعالى مطّلع، الله يرى، الدعاء يقول: (...فاجعل ما سترت من العورة وأخفيت من الدخيلة واعظاً لنا وزاجراً عن سوء الخلق واقتراف الخطيئة..) يعني هذا الذي حصل اللهمّ اجعله واعظاً لنا.
الموعظة واقعاً توفيق، الإنسان قد يتّعظ من خلال ما يرى والإنسان قد يتّعظ من خلال ما يسمع والإنسان قد يتّعظ إذا أُلزم بالعظة، قل له تعالَ نريد أن نعظك، الآن الإنسان في كلّ لحظةٍ أمام مجموعةٍ من العِبَر (ما أكثر العبر...) لكن المشكلة (...وما أقل المعتبر)، العِبَر كثيرة الموعظة كثيرة ومعنى الموعظة أن الإنسان يتّعظ ويكفّ ويبتعد عندما يرى هذه الحالة أمامه يبتعد عن مثلها، المنكرات كثيرة والطيّبات أكثر أفعال البرّ أكثر، والإنسان عليه أن يتّعظ، لكن الإمام(عليه السلام ) يريد أن ينتقل بنا الآن الى حالة أرقى، نحن أذنبنا الله تعالى ستر علينا نريد أن نستفيد من هذا الستر الذي هو من مصاديق الرحمة، الله تعالى ستر على ذنبٍ اقترفناه نريد أن نستفيد من هذه الصفة من هذه الرحمة، ماذا علينا أن نفعل؟ هذه النقطة يُريد أن يبيّنها الإمام(عليه السلام ) في تتمّة الدعاء، لتكون هذه الأمور واعظاً لنا.. نسأله تبارك وتعالى أن يمنّ علينا جميعاً بالستر والعافية والتوفيق، وأن يجنّبنا سيئات الأعمال والأقوال وأن يجعل قولنا في الناس مسموعاً، وأثرنا في الخيرات متبوعاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وعلى آله الطيّبين الطاهرين.