عالمية ثورة الامام الحسين عليه السلام

30-12-2018
السيد عبد الملك كمال الدين
عالمية ثورة الامام الحسين عليه السلام

ثورة الإمام الحسين عليه السلام الأنموذج الكامل لوضع الأمور في نصابها الصحيح منهجاً وسلوكاً إنسانياً وتضحية قل نظيرها في كل ثورات العالم، فكانت درساً عالمياً اقتدى به عظماء تاريخ النضال والتحرر أمثال: عظيم الهند (المهاتما غاندي)، ومحرر اقنان الصين (ماوتسي تونغ)، والكثير من رجال الفكر والثقافة والمبادئ التحررية في أرجاء المعمورة.
إن سلوك الحكام الأمويين الطغاة المتعسفين والذي أتى بعد النكوص المريع لحال الأمة بعد رحيل نبي الحق والانسانية محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى جنان حبيبه نور السماوات والأرض، وما عقب ذلك من ظهور الجماعات (المتأسلمة) وتحرك نزعاتهم السلطوية الشريرة اللئيمة، ونواياهم الكامنة المتزعزعة خلف إيمان خادع، وتصوروا الأمر غنيمة حسبوا لها مسبقاً، وحان قطاف الثمار والتوزيع والتنصيب بينهم، متجاوزين باصرار وخبث الإرادة الربانية في تحديد المتصدي بقيادة الأمة بعد رحيل نبي الهدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وتناسوا الواقعة العظيمة التي خلدها التاريخ الانساني في بيعة الغدير، حيث نزل النص الإلهي:
(اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلاَمَ دِينًا)، هذا الأمر الرباني الجليل الذي ورد في القرآن الكريم لتبليغ الأمة دلالة قاطعة على المشيئة الربانية في ولاية الإمام علي عليه السلام وتصديه لمسؤولية حكم الأمة، لإكمال الرسالة وتثبيت النهج القويم.
ولكن التجاذبات الدنيوية عند بعض المتأسلمين والمتعلقين بجهاليتهم الأولى، حرفوا الرسالة الاسلامية ونهجها القويم، وغلبوا إرادتهم اللئيمة الخبيثة ومصالحهم الفردية، مما جعل الأمة في وضع عصيب خطير استمر لاحقاً في تدهور وتخبط، حيث ساد الظلم والبؤس والفساد والفقر والتخلف، وغلبت مصالح الحكام الفاسدين المتعسفين بأمور المسلمين، وسادت التناقضات والتفرد بالسلطة الظالمة للحكام الأمويين الطغاة، وكان لابد من منقذ لهذا التدهور المريع في حال الأمة.
وكان الامام الحسين عليه السلام هو الثائر المتصدي للحسم النهائي لهذه المفاسد والشرور، وإرجاع مسيرة الظعن الثائر من آل البيت النبوة من مدينة رسول الله صلى الله عليه واله الى طفوف كربلاء لإحقاق الحق، مطلقاً نداءه المدوي على مدى قرون: (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه واله وسلم أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فاللَّه أولى بالحق، ومن رد عليَّ هذا أصبر حتى يقضي اللَّه بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين).
إن هذا النداء هو نداء التصحيح من الانحراف والمنزلقات الخطيرة للمنهج الأموي الظالم، وهو أيضاً التصحيح لمن التبست عليه الأمور، وإن كان الحق واضحاً لكل ذي بصر وبصيرة، ولكن تذكرة لمن سار في ركب عمر بن سعد من المتباكين على سلطات جاهليتهم الأولى، وجموع المنافقين والمرتدين من متأسلمي انتهاز الفرص وهم كثر.
ولكن الامام الحسين عليه السلام سلك كل سبل النصح والارشاد وهو سبط رسول الله محمد صلى الله عليه واله وسلم وأبوه علي المرتضى الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار) (بحار الأنوار: العلامة المجلسي ج10/ ص432). وأمه فاطمة الزهراء عليها السلام بنت أكرم رسول صلى الله عليه واله وسلم، وأخوه الامام الحسن عليه السلام كريم أهل البيت، فهل يداني هذا الحسب والنسب شيء؟
وبالمقابل أصحاب الشجرة الملعونة نسل الطلقاء المفسدين في الأرض، فأين الثرى من الثريا؟ ولكن يعز الله من يشاء ويذل من يشاء والعاقبة للمتقين... نعم كانت سوح طفوف كربلاء ساحات منازلة بين الحق والباطل، وبين النور والظلام، وكان ما كان وانتصر الدم على السيف، وسجلت ضمائر شرفاء وأحرار العالم الخلود والتهجد لحسين الانسانية رمزاً للتضحية والإباء والبقاء.