لترفرف رايات النصر.. على جرف النصر
30-12-2018
د. منهال جاسم السريح
كتبنا الأعمدة.. وسطرنا الزوايا.. وروينا الحكايا.. ورسمنا لوحات أمل ورجاء، وأشعلنا الشموع على الدروب، يحدونا الأمل للوصول إلى الغد المنشود، فهل نحن نسير على الطريق الصحيح أم أننا ننام على فرش وثيرة ونلعق العسل؟!
كنا نحمل البشرى للمواطن المقهور الخائف على نفسه وعلى وطنه، وقلنا بأن الغد آت يحمل في جعبته الحلوى والمفاجئات، والحب ونسيمات دافئة، ووعداً بما هو أفضل.
وقد تأخر الغد.. صار نوعاً من أحلام اليقظة أو خيالاً، فهل نسطر الزوايا ونروي الحكايا عن غد آت كحصان أبيض يحمل الأزاهير وحبات المطر والخير والأمل والأمان..؟
وهل لأن غدنا هذا تأخر في الوصول، أو لأنه تعثر في محطات الموت المتنقل، والإرهاب الهاجم كالوحوش الكاسرة، هل لأن الأمر كذلك، علينا أن نعلن هزيمتنا وإفلاسنا ونرفع الرايات البيض، ونذهب إلى مقصلتنا راضين خانعين؟
كنا نراهن عليكم أنتم، نعم على هذه الجموع من شعبنا الطيب الشجاع، والأهم الشعب الصابر، كنا نراهن عليكم أنتم بأنكم ستعطون الدروس في الشجاعة والإقدام والصبر والغيرة والحب... وإنكم بكل صفاتكم النبيلة ستدحرون أعداء الوطن، وستعلمون الارهاب درساً لن يُنسى...
كان الرهان عليكم فهل خسرنا الرهان؟ هل نضع يداً بيد ونمضي معاً نحو الهزيمة والخزي والعار.. وكأن هذه إرادة القدر؟!
العراقي لا يقبل الهزيمة، ولا الخزي والعار، إنه قادر على اجتراح المعجزات، وصنع النصر مهما اشتدت الخطوب، وتفنن الأعداء في ابتكار أساليب العدوان والإرهاب والقتل والإجرام.
لذا.. لن نراهن على السقوط والهزيمة، مهما صعّد أعداء العراق من عدوانهم، بل سنراهن على العراقي الشريف، على هذا المواطن أن يفخر بأنه تلميذ مدرسة أهل البيت عليهم السلام نهل من معينها المبادئ والقيم السامية بنورها الأصيل، وأنه سليل حضارة إسلامية راقية قدمت للبشرية دروساً في الحضارة والرقي.
وهكذا كسبنا الرهان.. وكان ذلك اليوم التشريفي الذي نفذتم فيه (عملية عاشوراء) في منطقة جرف الصخر التي أسميتموها (جرف النصر)، وكان شعاركم: لبيك يا حسين.. وأنتم تصولون على أعدائكم.. فغُلِبتْ (داعش) وتحقق النصر بعون الله...
لقد كان ذلك اليوم متزامناً مع التحضير لمراسيم رفع راية عاشوراء على قبة الإمام الحسين عليه السلام ، وقبة حامل لوائه أخيه أبي الفضل العباس عليه السلام ، وقد استمديتم منها القوة والعزم والثبات، وهناك رفعتم رايات النصر على أرضها ساعة بدأ رداء الفجر يتهدل وسط نسمات حسينية، تعشقت مع الندى لتحاكي أصداء الوطن...
ذلك اليوم كان يوماً فاصلاً بين الحق والباطل، وبين عهد (الدواعش) وأبناء القوم، وعهد أبناء الشعب العراقي وأبناء المرجعية الرشيدة، بين القيم الحقيقية والقيم المزيفة التي حاول برابرة العصر أن يترفعوا بها ظناً منهم أنها تنجيهم من غضبة الشعب العراقي ولعنة التاريخ الذي لا يرحم الطغاة والمستبدين... لذلك كانت صولاتهم البطولية قد جاءت كرد حاسم على عهد الانحراف والظلم والطغيان.
أراد الأعداء أن تكون هذه المنطقة معقل إنطلاق لتنفيذ مخططاتهم الدنيئة صوب بغداد الحبيبة وكربلاء المقدسة والنجف الأشرف وغيرها من المدن العراق وقد خابت آمالهم.
أراد الأعداء لهذه المدينة أن تزول من خارطة العراق، وأراد العراق لها ان تبقى شاهداً على الغدر والوحشية، فكان لإرادة العراق أن تبقى لأنها الإرادة الحق وهي الإرادة الأقوى، فالعراقيون اليوم في زمن الحرب أو في زمن السلام هم الرجال الرجال الذين يخلقون تاريخ مدنهم، ويصنعون للإنسانية تاريخاً زاخراً بالأمجاد والبطولات وبصفحات مشرقة تؤكد على عمق وأصالة مدنهم.
مبارك لكم أيها الأصلاء، ولشعبنا العراقي هذه الانتصارات التي ستبقى منقوشة في ذاكرة الأجيال المتلاحقة، لتروي قصص أبطال وبطولات تصل حد الأساطير دفاعاً عن الأرض والوطن والمقدسات... ولتبقى رايات النصر ترفرف على أرض جرف النصر...