المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية
30-12-2018
علاء سعدون
"وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّة" المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية
لقد وصل العالم اليوم في ظل التقدم التكنولوجي والمعلوماتي إلى مراحل متقدمة من السيطرة والتخطيط والتسليح، فأخذت الدول المعادية مأخذاً كبيراً في مجال الإعلام والتسويق وما إلى ذلك، فصار من السهل جداً إيصال ما يريد من الثقافات المسمومة والشبهات والأمراض والفيروسات إلى أي مكان في العالم وبطرق متعددة، وذلك عبر مراكز رصد واستكشاف متخصصة تعمل على التخطيط والتدبير والتنظيم لأي مشروع يخدم أهدافها، ويغير المستقبل باتجاهها.
وقد أطلق على هذه المراكز مصطلح الإستراتيجية (علم التخطيط)، ومن هنا صار لمراكز البحوث والدراسات دور ريادي في قيادة العالم، وأصبحت هذه المراكز أداة لإنتاج العديد من المشاريع الإستراتيجية الفاعلة، ولقد ازداد عدد هذه المراكز في دول العالم لاسيما في أوربا وأمريكا، وتنوعت تخصصاتها في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والعلوم الأخرى التي أصبحت سلاحاً يستخدم لمحاربة الإسلام والمسلمين بالدرجة الأولى، فكان لا بد للمسلمين أن يواكبوا التقدم، ويعدوا ما باستطاعتهم من قوة لرد الهجمات الشرسة التي تهدف لتدمير الدين الإسلامي بشكل عام والمذهب الشيعي بشكل خاص.
وكخطوة جادة ومتقدمة من العتبة العباسية المقدسة ولأول مرة في العتبات المقدسة عمدت لإنشاء مركز إسلامي متخصص بالدراسات الإستراتيجية، يسهم ولو بالشيء اليسير لدراسة وتحليل ما يدور في وسائل الإعلام العالمية حول قضايا الدين والثقافة الإسلامية، وهو أشبه بهندسة عكسية تقف على آخر الطرائق والآليات المستخدمة لمسخ الهوية والسيطرة على العقول ومن ثم القيام بوضع عمل شامل لسد الثغرات وملئ الفراغ.
صدى الروضتين سافرت من كربلاء المقدسة إلى النجف الأشرف، حيث يقع المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية، وأجرت هذه التغطية الموسعة عبر لقاء مع رئيس المركز السيد (هاشم الميلاني) والذي خصنا قائلاً:
تم تأسيس المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية في شهر شعبان عام (1434هـ) في مدينة النجف الأشرف من قبل العتبة العباسية المقدسة قسم الشؤون الفكرية والثقافية، حيث إن المركز يعمل في مجال الإستراتيجية الدينية، ويهدف لوضع خطط وبرامج بالاعتماد على الماضي ودراسة الحاضر، والتطلع نحو المستقبل لتحسين الوضع الموجود ومعالجة المخاطر المحدِقة.
وكما هو معلوم إن الاستراتيجية تعني الخطط والبرامج التي تقدم لمعالجة حالة معينة، ولا تختص بحقل معرفي دون آخر، فكما لنا دراسات استراتيجية في المجال السياسي والعسكري، فيجب أن يكون لنا دراسات استراتيجية في المجال الديني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وبالنسبة لمركزنا الإسلامي الاستراتيجي فقد تبنى بعض المحاور المهمة ليسلط الضوء عليها أكثر من غيرها، وقد تمثلت بمجموعة أقسام داخل المركز:
قسم الاستشراق:
ما زال موضوع الاستشراق خصباً يستهوي كثيراً من الأقلام؛ وباختلاف التوجهات الفكرية رغم مرور عدَة قرون عليه، وما زالت الدراسات تترى واحدة تلو الأخرى في مجال الاستشراق سواء التي كتبها المستشرقون أم التي حيكت بأقلام المسلمين في نقد الاستشراق أو الدفاع عنه في مختلف حقول المعرفة.
البوادر الأولى للاستشراق ظهرت بعد ما أحس الغرب بالتفوق السياسي والثقافي الإسلامي، حيث بدأ الإسلام يكتسح المجتمعات الغربية عسكرياً وسياسياً وثقافياً؛ مما أدى إلى استلاب قلوب وعقول الكثيرين، وفرض سيطرته وهيمنته على جميع مفاصل حياتهم، ثم بدأ الغرب وآباء الكنيسة - تحديداً - بدراسة الإسلام؛ بغية الترف عليه والوقوف أمامه، فكانت هذه النواة الأولى لولادة الاستشراق.
مضيفاً: إن دائرة الاستشراق قد أخذت بالتوسع بعد ذلك شيئاً فشيئاً بمرور الزمن، وأخذت طابعاً سياسياً استعمارياً تارة وعلمياً موضوعياً تارة أخرى، وبحسب الأوقات والفترات التي مر بها الاستشراق والدول والمدارس والمناهج الاستشراقية المختلفة.
موضحاً: قد تفاجأ العالم الإسلامي – بعد فترة - بعشرات الآلاف من الكتب والدراسات التي تخص جميع جوانب حياته الفردية والاجتماعية والدينية وغيرها، وقد تنوعت وتوسعت هذه الدراسات بحسب حاجة الغرب السياسية أو العسكرية أو الثقافية من جانب، والتطورات السياسية والثقافية الحاصلة عند المسلمين من جانب آخر، ولرصد حركة الاستشراقية - ما له وما عليه - قمنا بتفعيل هذا القسم ليتولى هذا القسم بعض المهام والتي منها: (ببليوغرافية آثار المستشرقين القدامى والمعاصرين، ببليوغرافية آثار المسلمين حول الاستشراق، تجميع الدراسات والبحوث والكتب المؤلفة حول الاستشراق، التعرف على الشخصيات الإسلامية المهتمة بالفكر الاستشراقي، تجميع مؤلفات المستشرقين بلغاتها الأصلية وكذلك المترجمة، إصدار مجلة "دراسات استشراقية" وهي مجلة فصلية محكمة تعنى بالتراث الاستشراقي عرضاً ونقداً، التواصل مع المراكز والمؤسسات الاستشراقية، ترجمة ونشر دراسات المستشرقين الايجابية، متابعة الرسائل والاطاريح الجامعية الاستشراقية، إقامة ندوات ومؤتمرات ودورات تعليمية).
قسم الكلام والعقيدة:
يعتبر علم الكلام والعقائد العمود الفقري في مجال الدراسات الدينية، حيث يتكفل بجانب الدفاع عن الدين والذبّ عن العقيدة ورد الشبهات؛ ولذا تم استحداث هذا القسم ليهتمّ بعدة أمور والتي منها: (إصدار مجلة "العقيدة" وهي مجلة فصلية تخصصية تعنى بمسائل العقيدة وعلم الكلام القديم والجديد، إصدار وطباعة كتب كلامية عقيدية، تدوين موسوعة التراث الكلامي الشيعي، متابعة الكتب والفضائيات والمواقع الالكترونية التي تبث الشبهات والإجابة عنها، إقامة ندوات ومؤتمرات ودورات تعليمية، الإسهام في بيان وإبراز دور العقيدة في المجتمع، رد الشبهات المثارة والدفاع عن الهوية، التعرف على المناهج والمدارس الكلامية المختلفة، التعرف على المباني والأسس الفكرية، الاهتمام الجاد بالفكر المعاصر وعلم الكلام الجديد ورموزه ومفرداته).
قسم الرصد:
يعمل هذا القسم على رصد وسائل الإعلام المختلفة المرئية والمقروءة، ويعمل على محورين مهمين (الرصد الفضائي، والرصد الالكتروني)، ويهتم الأول برصد أهم الفضائيات السياسية والدينية - إسلامية وغير إسلامية - وتسجيلها وتصنيف محتواها وأرشفته ليكون مهيئاً عند الحاجة.
أما الالكتروني فيتم فيه رصد أكثر من مائة موقع الكتروني - إخباري وسياسي ومراكز دراسات - والعمل على سحب التقارير والتحقيقات والدراسات التي يتم نشرها ووضعها تحت متناول النخبة الفكرية في الحوزة العلمية والجامعة عبر نشرة "الرصد"، وهي نشرة شهرية محدودة التداول تعكس آخر الأخبار والتقارير السياسية والثقافية، كما لهذه النشرة ملاحق تصدر بين الحين والآخر حول موضوعات مختلفة.
قسم الفكر المعاصر:
تم استحداث هذا القسم تلبية لمتطلّبات العصر والوقوف على الآراء الجديدة التي أفرزتها الحداثة والعولمة، فكان الهدف من هذا القسم هو متابعة معالجة ما تم وضعه لتغيير المنظومة الفكرية من إلهية غيبية إلى دنيوية عصرية، تقيس الأمور بمقياس العلم والتجربة والتي أثرت في جميع الحقول المعرفية سيما الدينية، فالقسم يعمل على (تدوين معجم المصطلحات المعاصرة العلمية والفكرية، ببليوغرافية بأهم شخصيات الفكر المعاصر، تجميع البحوث والدراسات والكتب المؤلفة في الفكر المعاصر عرضا ونقداً، طباعة ونشر الكتب، إقامة ندوات ومؤتمرات ودورات تعليمية).
قسم الدراسات الغربية:
إن الغرب هو عملة ذات وجهين: وجه مشرق بالتقدم التقني التكنولوجي ومختلف المجالات، ووجه مظلم بالاستكبار والاستعمار والاستعلاء على الشعوب والتحلل والفساد...، وبين هذا وذاك ضاع الكثير، وللوقوف الأمثل على حقيقة الغرب وما يحمله من إيجابيات وسلبيات، تم استحداث هذا القسم ليتناول عدة أمور (ببليوغرافية بأهم الشخصيات العلمية المؤثرة في الغرب، تجميع الكتب والدراسات والبحوث المؤلفة في نقد الغرب، طبعة ونشر الكتب لمعرفة مختلف جوانب الغرب الفكرية والمعرفية والثقافية، إصدار مجلة تخصصية باسم "دراسات غربية"، إقامة ندوات ومؤتمرات ودورات تعليمية، التواصل مع المؤسسات والمراكز البحثية المماثلة).
المكتبة:
لما للكتب من الأهمية والشأن في المركز والمؤسسات وعلى الخصوص في مجال عملنا، ولأنها رافد أساسي للوقوف على آخر المستجدات الثقافية والمعرفية، قمنا بإنشاء مكتبة تخصصية تحتوي على أهم الإصدارات والمطبوعات الحديثة في الحقول المعرفية التي يهتم بها المركز، وهي تشمل: (المكتبة الورقية، والمكتبة الرقمية وبنك الرسائل الجامعية).
وعن الأنشطة الأخرى للمركز تحدث قائلاً: نظراً لما نعيشه اليوم من عصر عولمة الشبهات وهيمنة القوة الناعمة علينا، من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، فرض علينا واجبنا الديني القيام بهندسة عكسية ثقافية تقف على آخر الطرق والآليات المستخدمة لمسخ الهوية والسيطرة على العقول، ومن ثم القيام بوضع خارطة طريق وبرنامج عمل متكامل لسد الثغرات وملئ الفراغ، ومن هذا المنطلق ارتأينا استخدام هذه التقنية من خلال استحداث "قناة العقيدة" على الانترنت ضمن نطاق اليوتيوب ومحركات البحث الفيديوي، والتي تعمل على تقديم برامج وأفلام وثائقية عقيدية للمجتمع، تعمل على معالجة الشبهات العالقة في الأذهان.
وفي ما يخص الكوادر العاملة داخل المركز، بين أنها كوادر مختصة وذات تجربة عملية أو شهادة علمية لضمان تميز العمل ونجاحه، وبالإمكان ملاحظة نتاجهم عبر نتاج المركز بأقسامه المتنوعة. كما أن هناك فرعاً جديداً للمركز سيفتتح حديثا في مدينة بيروت إن شاء الله، بالإضافة لإقامة مؤتمر يختص بالفضائيات الشيعية وكذلك العمل على وضع استبيان حول الإعلام الشيعي، ومدى نجاحه ونتائجه على أرض الواقع.
وقد اختتم السيد الميلاني حديثة عن الموقع الالكتروني الخاص بالمركز وهو موقع تخصصي فيه أبواب متنوعة في الحقول المعرفية التي يتبناها بالبحث والتحليل وعرض النتائج الفكرية له ولسائر الباحثين.