التدريس الخصوصي في العراق.. تكاليف ترهق الأهل وتساؤلات عن جدوى المدارس الحكومية
01-01-2025
خاص صدى الروضتين
منذ اليوم الأول للعام الدراسي الحالي، بدأت الدروس الخصوصية تستعيد نشاطها بقوة، وللمراحل كافة؛ إذ تنوعت الأساليب والأسعار والكيفية التي يمكن للطالب أن يتلقى فيها الدروس الخصوصية والمقابل الذي يناسب هذا المدرس أو ذاك، والضمانات التي يمكن أن يقدمها الى الطلبة، خصوصا فيما يتعلق بنجاحهم أو دخولهم الى الامتحان النهائي (البكلوريا)، وأساليب الاقناع والترغيب والترهيب.
الأستاذ (حسن هادي) اختصاص لغة عربية، يصف حالة التدريس الخصوصي على أنها:
ظاهرة مرفوضة جملة وتفصيلا؛ لأنها في حقيقة الأـمر تحدث خرقاً مهمًا في أخلاقيات الأستاذ: منهجه، ومبادئه من جهة أخرى، بالإضافة إلى أنها تقلل من شأن الرسالة التعليمية التي يؤديها المعلم أو التربوي، بل وأكثر من ذلك فإن مسألة مساومة التلميذ على الدروس الخصوصية تنافي مسألة أخلاق الطبيعة الانسانية ومبادئها، التي لا تبيح بأي حال من الاحوال استغلال من يحتاج اليك.
انتشار ظاهرة التدريس الخصوصي
الأستاذ (سالم عودة) تدريسي في التعليم المهني، يؤكد:
إنّ ظاهرة الاعتماد على المدارس الأهلية أو الخاصة، أو ضرورة تأمين دروس خصوصية للطلاب، باتت من الضروريات في الأسر العراقية، حيث يتولاها معلمون تابعون لوزارة التربية في معظمهم، يقدمون دروس التقوية للطلاب خارج الدوام، مقابل مبالغ مالية كبيرة.
الأستاذ (عباس السوداني)، قال: إن من أهم أسباب انتشار التدريس الخصوصي في العراق، هو ضعف الدخل الشهري للمعلمين، فهو لا يكفي لسد احتياجاتهم واحتياجات عائلاتهم، هذا مما يدفع المعلم العراقي للقبول بفكرة التعليم الخصوصي، ولمعالجة هذا الملف يمكن لوزارة التربية فتح معاهد خاصة تكون تحت إشرافها.
تكاليف باهظة
محمد كاظم، موظف في أحد الدوائر الحكومية، ويتقاضى راتباً قدره مليون دينار عراقي ولديه 4 أولاد، اضطر إلى إلحاق اثنين منهم بدورات تقوية؛ استعداداً لاجتياز مرحلة السادس الإعدادي؛ إذ إن المدارس الحكومية باتت لا تقدم أي فائدة للطالب بحسب تعبيره، ويؤكد أنه: رهن دخله الشهري كله من أجل تعليم أبنائه، واضطر للعمل سائق سيارة أجرة لتوفير متطلبات العيش الأخرى، لافتاً إلى أنّ: كل مادة يتلقاها أولادي في التعليم الخصوصي تصل رسومها إلى مليوني دينار.
عقوبات بلا تطبيق
المواطن كريم السيد، يعتبر: أن القضاء على ظاهرة التدريس الخصوصي تحتاج إلى جهود كبيرة جداً، سواء على مستوى المراقبة من جهاز الإشراف أو البدء بعمل جدي وحقيقي بهذه الفترة، مع طرح برنامج حكومي يقننها.
أما الأستاذ (حسن عبود) مدرس علم اجتماع قال: إن مسألة اعطاء الدروس الخصوصية كانت تحمل رؤية بأن الراتب الشهري لا يتجاوز (3000) دينار فقط، أما الآن وبعد الزيادة الملحوظة التي طرأت على المرتبات الحكومية، فلا أجد مبررا لاستمرار عملية الاتكال على الدروس الخصوصية التي أخذت بالاتساع على حساب العملية التعليمية والتربوية.
أما الأستاذة (سهام كاظم) تدريسية، فتقول: لا أجد ضيرا في إعطاء الدروس الخصوصية للطلبة الضعفاء، لكن على ألا تكون هذه الدروس بمثابة عملية رشوة مبطنة (حسب وصفها).
فيما قال المواطن (يحيى خليف الكعبي): أنا أب لثلاث بنات طالبات وفي مراحــــل مختلفة ما بين المتوسطة والاعدادية، وكل واحدة منهن تريد اخذ دروس خصوصية وفي مواد مختلفة واسعار مختلفة تتراوح ما بين (200) الف الى (400) ألف دينار عراقي، فما الذي يمكن أن أفعله في مثل تلك الحالة، وأنا موظف حكومي وراتبي بالكاد يكفي للإيجار والملبس والمأكل؟
يكمل الكعبي: بطبيعة الحال ان عدم أخذ الدروس الخصوصية، يعني انهن معرضات للرسوب في هذه المواد، ولأسباب تكاد تكون جوهرية تمس حالة تقاعس المعلم او المدرس عن اداء واجبه، وهذا ما كان متحققا ايام ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، يوم كان المعلم يعيش نشوة: (كاد المعلم أن يكون رسولا).
فبالرغم من تحسن مرتبات الأسرة التعليمية في العراق ما بعد سقوط النظام قياساً مع ما يتقاضاه المعلم سابقا، لكن حسب فهمي البسيط فان خارطة الاولويات قد تغيرت بالنسبة للأسرة التربية.
(كريمة جاهل) قالت: إنّ مسألة الدروس الخصوصية اصبحت داء عضالا لدى بعض المدرسين، الذين اصبحت لديهم العملية التعليمية عملية تجارية، يتوخون من خلالها تحقيق الكسب المادي على حساب تربية وتعليم الجيل الصاعد.
ففي السابق كنــــا نرفع شعار (إن المدرس مظلوم ماديا) بحكم ما يتقاضاه من مرتب شهري قليلة وقليل جدا، لا يكفي لسد حاجاته الحياتية واليومية، اما الان - ولله الحمد - سقطت كل تلك التبريرات، فلا نجد عذرا أو مبررا مقنعا لما يقوم به هؤلاء المدرسون للمضي قدما في الدروس الخصوصية.
بدوره قال الأستاذ (جبار الغزالي): إن التدريس الخصوصي ظاهرة مؤذية للعملية والتربوية، بل هي تمس اخلاقيات وشرف المهنة وتسيء الى المدرس والمدرسة في آن واحد، بل التدريس الخصوصي أصبح وصمة عار في جبين الاسرة التعليمية، لاسيما ونحن نعيش ازمة القصور والتقصير في اداء واجب العمل التربوي والتعليمي.
بالتالي هو يتحمل مسؤولية ادبية واخلاقية اتجاه اولئك الطلبة، لاسيما وان كثيرا منهم ينحدرون من اسر فقيرة ومتعففة، وذات دخل محدود، أي انهم لا يستطيعون تحمل نفقات التدريس الخصوصي.
يكمل الغزالي: ان وزارة التربية اتخذت ومنذ بداية العام الحالي اجراءات عديدة للحد من هذه الظاهرة؛ اذ وضعت آلية تتضمن جملة من الاجراءات تخص المدرس والادارة والمشرف التربوي والهيئة التدريسية، حتى ألزمت المدرسين بإكمال المناهج الدراسية المقررة، واستثمار الزمن المخصص للمدرس، وعدم هدر الوقت في مسائل ثانوية، واستخدام طرائق تدريسية فعالة، وتنظيم دورات تقوية بأجور زهيدة للطلبة الضعفاء في بعض المواد.
الأستاذ محمد مجهول، ذهب الى ابعد من ذلك: بخصوص الآليات التي رسمتها المديرية العامة للتربية في كربلاء على صعيد الادارة ومطالبتهم بعدم تنظيم الدروس الخصوصية، واخذ تعهدات شخصية منهم، وابلاغ المديرية عن المخالفين لاتخاذ الاجراءات بحقهم، كما اوعزت الى المديريات والى الاشراف التربوي والاختصاص، بتنظيم زيارات مستمرة للمعلمين والمشرفين، ومتابعتهم على طول العام الدراسي وتطوير قابليتهم في طرائق التدريس وفي المادة العلمية.
يضيف مجهول: وذلك على امل تحسين البيئة المدرسية، لاسيما معالجة الشواغر في المدارس، وتوزيع الكتب مبكراً على الطلبة، ومتابعة انتظام الدراسة، وتنظيم دورات تدريبية للمدرسين والمعلمين؛ لتحسين مهاراتهم، وفك الاختناق في المدرسة، او في الصف، كل هذه الاجراءات سوف تؤدي الى استغناء الطالب عن التدريس الخصوصي.
يختم مجهول: لكننا مع ما نمتلك من حماسة لا نتوقع لهذه الظاهرة ان تنحسر بين ليلة واخرى، فهي مسؤولية مشتركة بين المدرس والطالب والعائلة، لذلك ستظل العملية التربوية في العراق تعاني من ازمات وانعكاسات تربوية في مسيرتها الشاقة، وتظل وزارة التربية التي نالت حظها الوافر من تركة النظام السابق السيئة، تقف عاجزة اليوم امام هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر، وتبقى الحجة القائمة هي عدم وجود قوانين جديدة تحد من هذه الظاهرة، وحتى صدور هذه القوانين، تبقى عجلة العلم واقفة على باب الوزارة بانتظار مـــن يدفع بها الى امام على المسار الصحيح.