مجالس العزاء الحسيني ثراء فكري وعقائدي

01-08-2024
خاص صدى الروضتين
من اهم مفردات واقعة الطف الحسيني هي الاتكاء على الحس الاعلامي، خاصة وان ملامح تلك الصورة تكاد تتمثل حقيقة وواقع الفلسفة الزينبية الخالدة وابعاد نهضتها يوم خروجها من مدينة جدها المصطفى (عليه أفضل الصلاة والسلام) الى حين عودتها الى هناك ثانيا، وهذا مما شكل انعطافا مهمة في تاريخ النضال السلمي.
ولأجل استنهاض مكنونات تلك الفكرة جاءت استراتيجية مجالس الوعظ والارشاد الحسيني وهي محملة بكثير من المعاني الكريمة، التي تحاكي ذكرى حلول شهر محرم الحرام، ولفك رموز تلك المعادلة كان لمجلة صدى الروضتين تلك الجولة.
الشيخ نزار الخفاجي طالب علوم اسلامية يؤكد على: "حقيقة مفادها ان مجالس العزاء الحسيني هي بالمعنى المستحدث دراسات بحثية نتناول عبرها اهم الحقائق التاريخية وظروف تشكلها على المستويين الانساني والعقدي".
ويضيف: "الى جانب ذلك نرى بمجالس الوعظ والارشاد الحسيني وجهاً اخر لا يقل اهمية عن صروف محاكمة التاريخ، وهنا نتمثل مسؤولية استعراض وشرح السور والآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ناهيك عن اقوال الائمة الاطهار (عليهم السلام)، بالإضافة الى ما تقدم ترد في بعض المحاضرات الدينية او المجالس الحسينية ان صح التعبير نصوص ادبية وشعرية وحتى فلسفية تخص الواقع الديني والحياتي على نحو واحد".
الباحث الاجتماعي الاستاذ علي الطائي يصف واقع الفعاليات والانشطة الحسينية، بأنها: "غنية بالثقافات المتنوعة على الصعيدين الديني والدنيوي، وهذا ليس ببعيد عن الفلسفة الحسينية الخالدة، فأساس تشكل تلك الثورة هو الدفاع عن حقوق الناس في الدنيا والاخرة".
ويضيف: "لذا فمن الطبيعي بمكان ان نجد في مجالس العزاء الحسيني نفحات وجدانية وانسانية وعقائدية، فالدين الذي دافع من اجله الامام الحسين (عليه السلام)، يحمل بين طياته الخصائص الكريمة والعظيمة التي تجل الانسان وتنمي قدراته الخلقية والذاتية، وبالتالي ان معطيات السلوك الحسيني ما جاء الا تشخيصاً تلك الحالة وضرورة العمل على تطبيقها".
الشيخ طارق الحائري من جهته يرى: أن "مجالس الذكر الحسيني عنوان واضح وصريح لمحاكمة التاريخ، خاصة وان للثورة الحسينية انعكاسات حياتية، يمكن ان تقلب الموازين وان تحيد بالإنسان الى جادة الصواب وتمنع عنه الوقوع في الخطأ".
ويضيف: "بمعنى ان الملحمة الحسينية لها تجليات وتمثلات عديدة لا يمكن الاحاطة بها مهما طال الزمان او قصر، بعضهم يفسر الثورة الحسينية على انها شكل من اشكال مناهضة الظلم والظالمين وما الى ذلك، ومن التطبيقات الاخرى التي يمكن الاستفادة منها على مستوى نبذ الفرقة واختلاق الفرص المواتية لمواجهة من يريد ان يفسد شرع الله سبحانه وتعالى بطرائق شتى".
ويكمل: "ومن هنا نستشف ان واقعة كربلاء تتجلى عبرها دروس وعبر ومواقف رجال وطنوا أنفسهم على الشهادة من أجل بث روح الاسلام الحقيقي في هذه الأمة التي غشيها النعاس وسط ضجيج وصخب بني أمية".
الاستاذ علاء العادلي استاذ مادة التاريخ في جامعة الكوفة يجد في مجالس العزاء الحسيني ضرورة ملحة لتهذيب الذات وتطهير النفس وهي أشبه ما يكون بالمدارس والمؤسسات التربوية في وقتنا الحاضر، بل يراها اصلب عودا؛ لأنها تنمي القواعد والعقائد الاجتماعية والدينية والوطنية، وتزيد من قابلية الاشخاص على مواجهة المحن والصعاب بروح ثابتة ومستقرة اساسها الايمان بالله والتسليم بقضائه.
ويضيف: "بالتالي هي تلبي حاجة الانسان ومقصده بكل ما هو حقيقي وصادق، وعند ذلك لابد ان يأتي صوت العقل منصاعا مع فكرة ان للمجالس الحسينية ثماراً فكرية وعقائدية غاية في الأهمية".
الحاجة أم حسام مسؤولة مؤسسة الزهراء (عليها السلام) الخيرية للأيتام قالت: ان "انعقاد المجالس العزاء الحسيني ليس وليدة اللحظة، وهي نتاج فلسفة طويلة من التضحيات الجسام، خاصة وان مثل تلك الممارسات قد لاقت في اوقات سابقة شيئاً من التشدد وعدم السماح وبالمقابل كان لأنصار ومحبي المجالس الحسينية حصة الاسد من التعذيب والقتل والتشريد".
وتضيف: ان "أصل فكرة اقامة مجالس العزاء الحسيني انها تبث في النفس البشرية حالة من عدم الخنوع والاستسلام ومواجهة كل معتدٍ أثم، لذلك من الطبيعي جدا ان تمارس الحكومات الاستكبارية والاستبدادية دور الرافض لإقامة تلك المجالس؛ لأنها تهز عروش الطواغية".
وتكمل أم حسام: "بالإضافة الى كل ما تقدم فان المجالس الحسينية هي رسالة اعلامية تعكس الصور الموضوعية لواقعة الطف المؤلمة في كل ما تحمل من تعابير على المستويين المأساوي والفكري هذا من جانب، ومن جانب اخر المجالس الحسينية بوابة تثقيفية متجددة ينفرد بها الشيعة عن غيرهم في تحديد مسار الفكر المتطور والمتحرر من براثن العبودية".
الشيخ خليل الحائري حدثنا عن المثل العليا التي جسدها الإمام الحسين (عليه السلام) لتجعل السائرين على نهجه والمرتبطين به يحيون ذكراه، وان في إحياء تلك الذكرى منعطفاً بارزا، وتحولا نوعيا في حياة الأُمم، وهو أمر طبيعي وغير مستهجن؛ لأنه نابع من ذات الانسان، ومتصل بفطرته.
ويضيف: "أي حادثة أعظم من واقعة كربلاء لقد بقيت هذه الواقعة معلما شاخصا في التاريخ؛ لما جرى فيها من مصائب على أهل بيت النبوة والوحي فالشيعة يقيمون هذه المآتم، ويحيون هذه الذكرى الأليمة من هذا المنطلق"
ويكمل الحائري: "هناك ثمة منطلقات اخرى اولها الامتثال لأمر الله تعالى، إذ قال: ﴿قُل لاَّ أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُربَى﴾(الشورى/23)، نحن نقيم هذه الشعائر؛ لأن فيها نصرة للحق وإحياء له، وخذلانا للباطل، وهذا الأمر لا لبس فيه حيث يشير الى ملمح مهم من ملامح العقيدة الاسلامية وهي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر".
يستدرك قائلا: إن "إحياءنا لهذه الذكرى، قد يحفظها من الضياع، ويصون مبادئها من التزييف، ولولا ذلك لاضمحلت، وخبت جذوتها، ولأنكرها المخالفون، لاسيما وان المجالس الحسينية تعد مدرسة جامعة لمختلف الطبقات والفئات، إذ يعرض فيها التفسير والفقه والتاريخ والأدب وتطرح فيها مختلف المعارف والعلوم".
أما الاستاذ جليل الكردي يعتقد بان: "هناك ثمة توأمة متصلة ما بين المجلس الحسيني وخطيب المنبر فكلاهما يسعى الى ايقاد شمعة الحق وطرد كل ما عداها وهذا ليس بالشيء الهين في ظل المتغيرات الثقافية التي تكاد ان تحتل مساحة من الوعي الشبابي، وعند ذاك لابد ان تكون المسؤولية مضاعفة لسد الباب امام الزخم الحاصل في الثقافات الاجنبية والوافدة وهذا قد يتحقق عبر انعقاد مجالس الوعظ والارشاد الحسيني وهي بمثابة صمام امان نحتكم اليه حيث لا مفر من ذلك لصيانة معتقداتنا من الغزو الأجنبي، ناهيك عن ائمة الضلال الذين يريدون ان يحولوا الدين الى عقيدة فاسدة اساسها استباحة الحرمات وقتل النفس المحترمة واستلاب الناس أموالهم، وبطبيعة الحال فان للمجالس الحسينية شعاراً يروم تحقيقه وهو الانتصار للعقيدة الالهية السمحاء من خلال اهل بيت الرسالة (عليهم تمام التحية والسلام)".
وفي نهاية تلك الجولة يتضح وبشكل جلي إنّ إحياء المجالس الحسينية هو دعامة حقيقية لنشر الإسلام الأصيل.