ويسألني عن شهر محرم

01-08-2024
مؤمل رمل/ ذي قار
بثَّ الله روحاً بينَ شهورهِ الساكِنة، وهذهِ الروح جاءت على هيئةِ شهرِ مُحرَم..
مُحرَم حيثُ: الدمُ المُنْتَصِرِ على لَمعةِ السّيوف.
مُحرَم حيثُ: ثورةُ الله على بقايا الشيطان.
مُحرَم حيثُ: القيود الّتي انتصرت على قُدرةِ الأحرار.
مُحرَم حيثُ: الرضيع الذي انتصر على نَبْلَةِ قاتلة.
مُحرَم حيثُ: "إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي".
مُحرَم حيثُ: "إنْ كان دين الله لا يستقيم إلّا بِقَتلي، فَـيا سيوف خُذيني".
مُحرَم: حيثُ الحُسّينْ.
لا زلتُ أتَذكّر أُمي جَيداً وهيَ تَصْطَحِبُني إلى السوقِ القديم المُجاورِ لبيتنا، لِتَشتري ليّ زيّاً اُسود وزنجيلاً فضّياً وتُعِدّني لِما يناُسبُ ويُليق في بأحزان هذا الشهر، وكأنها تواسِيهُمْ بي، وتُرْفُقُني ليلاً بِصحبَةٍ مِنْ الأطفالِ لِنُقيمَ العزاء في الموكِبِ القريب منّا، وصباحاً كانت تأخُذَني إلى أحد عَزاءات النساء في أحد البيوتات الّتي سَنَدَتْ جُدرانها بِصورةٍ تنسبُ إلى الإمامِ عليّ حاضناً الحَسَنَيّنْ بِجِوارِهُما أسد.
أتأمَّلُ وجهَ أُميّ لِلْدَرَجَةِ الّتي أسَمعُ صَمْتَها ولٰكن سُرعان ما يتلاشى هذا الصَمْت ليتحَوَل إلى كُتلةٍ من الصُراخِ والدموع حين تسمع المُلاية تقول:
"بالهيمة زينب طلّعوها
وحرگوا گلبها براس أخوها
ومحّد من أخوتها أجوها
أحّاه زينب أحّاه يُمّه..".
كانت منتهى دائِماً تَصرّ عليّ بأنّ أنعى لها حين نَرجَع إلى المنزلِ، حُنْجَرتي لا زالت طفوليّة وغير قادرة على ذلك، إلّا أنني أحاول أُلَبيَ رغبةَ أُمي في النَعيّ، آخِذُ نَفَساً كما يفعل القُرّاء الذين أُشاهدهُم بعدها أقول:
"أنا الوالدة والگلب لهفان
أدور عَزه وليدي وين ما چان
ويلاه يبني الماتّ عطشان"
حَفْظتُ هذهِ الأبيات من الخطيبِ الذي كانَ يَظهر في التلفازِ، تَبكي أُمي وبعدها تُقبلني وتقول ليّ:
"عفية مؤمل يمّه".
أيضاً أتذكّرُ والدي وهو يُناديني مِن أعلى سطحِ دارنا:
"مؤمل، بوية تعال ساعدني خلّي نعلگ الرايات".
نُعَلِقُ رايتين في زوايا السطح إحّداهُنْ إلى الإمامِ العبّاس (عليه السلام)، وكان لونها أخضر والثانيّة للإمام الحُسين (ع) لونها أحمر تحتوي صورة رمزيّة ومخطوط عليها: "لا يوم كيومِك يا أبا عبد الله"، هذهِ الطُقوس ما زلتَ أتذكّرها جيداً.
أنا ابن بيتٍ عاشَ تحتَ ظلِ رايات الحُسين بأمانٍ تامّ.